تهل علينا كل عام ذكرى عطرة تبعث فى النفوس من جديد مكارم الأخلاق، التى بعث من أجلها الرسول الكريم لقوله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" فقد كان التناحر والقتل لأتفه الأسباب قبل مولده، وكان القوى ينهش الضعيف، وكانت المرأة تباع وتشترى وربما تقتل فى مهدها خشية العار، وكانت القلوب متحجرة تعبد الأصنام من دون الله، فلم يكن هناك ضابط أخلاقي، فلما ولد الهادى البشير حل الأمن والأمان والسلم والسلام، وجاء مصحوبا بالخير لكل الناس! بدأنا بعهد جديد على هذا الكون. حول حكم الاحتفال بمولده والهدف منه كان هذا التحقيق. فى البداية يوضح الشيخ محمد عيد كيلانى مدير إدارة المساجد الأهلية بوزارة الأوقاف أن الاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم جائز شرعا، وليس كما يدعى البعض أنه أمر مبتدع، فقد احتفل المصطفى صلى الله عليه وسلم بمولده لما روى أنه كان صلى الله عليه وسلم يصوم يوم الاثنين من كل أسبوع ولما سئل عن سبب صيام قال ذاك يوم ولدت فيه، ومن هنا نتعلم كيفية الاحتفال بميلاد الرسول حتى يكون احتفالا دينيا بأعمال يتقرب بها إلى الخالق كالصيام والصلاة وقراءة القرآن الكريم، لا ما يظهر على الناس من احتفالات قد لا تليق بصاحب الذكرى. لذا علينا الاحتفال بالنبى المصطفى بالتخلق بأخلاقه ودراسة سيرته التى يحتاجها المجتمع، فكل أبناء المجتمع فى حاجة ماسة لحسن الاقتداء بأخلاقه صلى الله عليه وسلم، ويكفى أن يتأسى الجميع به فقد كان صلى الله عليه وسلم جملة من الأخلاق تمشى على الأرض. لذا الأمر يدعونا إلى تقليب صفحات السيرة العطرة للاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم خلقا وسلوكًا، ولن نجد إلا الخير الذى يسود العالم. وعلى الدعاة تبصير الناس بهذه الأمور والتأكيد عليها لبثها فى نفوس الجميع، وخاصة النشء. ويقول الدكتور صبرى عبدالرءوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن الاحتفال بالمولد النبوى تواتر بالإجماع عن أهل العلم بأن النبى صلى الله عليه وسلم احتفل فى حياته بيوم مولده أسبوعيا وليس سنويا عندما سئل عن صومه فى يوم الاثنين قال صلى الله عليه وسلم ذاك يوم ولدت فيه، والاحتفال الحقيقى بالمولد النبوى يكون ببعث لمكارم الأخلاق للنبى صلى الله عليه وسلم، والذى وصفه القرآن الكريم فى قوله تعالى "وإنك لعلى خلق عظيم" وقوله صلى الله عليه وسلم "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" يستوجب على المسلمين محبة الرسول صلى الله عليه وسلم والتحلى بمكارم أخلاقه وشمائل صفاته ليعرف الناس مقاصد الدين مجسدة فى شخص النبى صلى الله عليه وسلم الذى نعت بالصادق الأمين، ولو أن الأمة حافظت فقط على هاتين الصفتين "الصدق فى الأقوال والأمانة فى الأفعال" لتحول الاحتفال إلى حقيقة لبعث مكارم الأخلاق من جديد. ويوضح د. عبدالرءوف أن الذين ينكرون الاحتفال بموالد الأنبياء والرسل والأولياء وآل البيت رضى الله عنهم إنما يخلطون بين العبادات والاحتفالات، والاحتفالات ليس لها صلة بالعبادات، وإنما تتعلق بالعبادات الحسنة فهى خارجة عن البدعة. ويشير الشيخ جابر طايع وكيل أوقاف القاهرة إلى أن الاحتفال بمولد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم هو بمثابة إحياء لسنته وتجديد للعهد والبيعة له صلى الله عليه وسلم أننا على الدرب سائرون "فمن أحيى سنتى عند فساد أمتى فله أجرها وأجر من عمل بها" وتأتى هذه المناسبة فى هذا العام وكل إنسان يعقد مقارنة مع نفسه ويحاسبها أين أنا من أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو بعث فينا الآن اليوم فماذا يرى؟. يرى القتل والفساد ويرى المتفجرات، يرى المؤمن لا يأمن أخاه المؤمن، وهو يقول صلى الله عليه وسلم "ليس منا من لم يؤمن جاره بوائقه" يرى الناس قد انقسموا إلى طبقتين الأغنياء الذين أصيبوا بالتخمة وينفقون أموالهم على الملذات ثم ينظر فيرى الفقراء يتضورون جوعا فى العشوائيات. ثم ماذا يرى؟! النفاق الذى استشرى بين الناس بدعوى أن كلا منهم يريد أن يحتفظ بمكانه، ويرى العملاء والخونة الذين يبيعأون وطنيتهم بدارهم معدودات ولا يعبون بحرية وطن. إن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم ينبغى أن يكون لهذه الأمة بعث جديد تفيق من غفوتها وتلملم جراحها ولا تستسلم لأعدائها حتى تكون كما قال تعالى "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، فعار على أمة فيها أنبل رسالة وأزكى نبى أن يكون هذا حالها".