في حالات كثيرة لا تجد التعبير الملائم, هذا لأن سحابة الموت تشلك عن التفكير, وتصيبك بالإحباط واليأس... وأنت تحاول البحث من خلال طرح الأسئلة ومحاولة الإجابة عنها, عن مخرج من النفق الذي تجد نفسك أسيرا فيه. كيف يمكن للمرء أن يصدق ما يجري في عالمنا العربي؟ أوليس عشق الحياة هو إحدي الغرائز التي غرسها الخالق عز وجل لدي جميع الكائنات الحية؟ كيف إذن نفسر ما يجري في معظم بقاع وطننا العربي الممتد من البحر إلي البحر؟ والحق أنني لم أجد تعبيرا مناسبا, يصف بدقة مواكب وجنازات الراحلين في عام2014, سوي أنه عام الأحزان للثقافة المصرية والعربية علي السواء, فما من يوم من أيامه الطويلة المضطربة خلا من خبر وفاة أحد الكتاب أو الشعراء في مصر والعالم العربي والعالم بأكمله. فقد شهد هذا العام رحيل الكبار بدءا من رضوي عاشور, ومرورا بمحمد ناجي, وسعيد عقل وسميح القاسم وغيرهم الكثير الذين نتذكرهم في السطور القادمة: لكن الظاهرة الأبرز في مشهد الراحلين هذا العام, تمثلت في رحيل عدد من أبرز الوجوه الشعرية التي تنتمي إلي أجيال وتجارب مختلفة أبرزهم: أنسي الحاج صاحب ديوان لن وأحد مؤسسي مجلة شعر التي أطلقها يوسف الخال, ومن المنظرين للحداثة الشعرية. كما رحل الشاعر الفلسطيني سميح القاسم بعد صراع مرير مع المرض, والشاعر اللبناني السوري الأصل سعيد عقل, أحد أهم شعراء المدرسة الشامية والكلاسيكية الحديثة. وكان سبقه رحيل الشاعر الغنائي اللبناني جورج جرداق. علي هذا النحو كان الموت ببساطة هو عنوان المشهد, فقد رحلت الروائية رضوي عاشور عن عمر يناهز68 عاما, والتي تعد من كبار الأدباء المصريين, وهي أم الشاعر تميم البرغوثي, وزوجة الشاعر الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي. وهي أسرة عريقة أدبيا ونضاليا ضد أوجه الاستبداد والاحتلال. وكذلك شهد العام رحيل الأديب البورسعيدي قاسم عليوة, وهو أحد الكتاب والروائيين الكبار صدر له العديد من المجموعات القصصية والروايات وساهم بشكل فعال في معظم المؤتمرات التي نظمتها الثقافة واتحاد الكتاب لأكثر من ثلاثين عاما متواصلة كما يعتبر من القامات الإبداعية الكبيرة بإقليم القناة وسيناء ومصر. كما غيب الموت الروائي محمد ناجي في باريس, بعد صراع طويل مع سرطان الكبد, وودعنا أيضا رسام الكاريكاتير الكبير أحمد طوغان الذي وافته المنية عن عمر ناهز88 عاما. ورحل أيضا في صمت الدكتور كمال عياد جاد الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس, والشاعر السكندري أحمد فراج أحد أبرز شعراء الثمانينيات, ولم يحتف الوسط الثقافي كثيرا برحيله. أما علي صعيد الترجمة, فقد غادرنا المترجم الكبير محمد إبراهيم مبروك, الذي يعد أول من عرف بعوالم ماركيز وبالواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية خلال بداية السبعينيات, توفي الدكتور فيصل يونس, المدير الأسبق للمركز القومي للترجمة, و الحاصل علي وسام الجمهورية و جائزة الدولة في العلوم الاجتماعية. وودعنا أيضا شيخ التربويين المصريين حامد عمار عن93 عاما, والمؤرخ الكبير الدكتور عبادة كحيلة أستاذ التاريخ الإسلامي بكلية الآداب جامعة القاهرة. وشهد العام رحيل بلبل الصعيد الشيخ أحمد التوني, بعد أن وافته المنية عن عمر ناهز التسعين عاما, كان الراحل يتميز بألقابه العديدة فيطلقون عليه أيضا إمام المداحين, وساقي الأرواح, وسلطان المنشدين. كذلك شهد العام رحيل الكاتب والمترجم عبدالعظيم الورداني, وهو الشقيق الأكبر للروائي محمود الورداني. فضلا عن رحيل الدكتور عبداللطيف عبدالحليم( أبو همام) عضو لجنة الشعر الذي يعد من أشهر شعراء العمود الشعري, و الكاتب الروائي والفنان التشكيلي أمين ريان, والأديب سمير عبد الفتاح, أحد نبلاء القلم في جيل السبعينيات, بعد أن ترك لنا ست مجموعات قصصية, بخلاف ستة كتب أخري في النقد الأدبي وروايتين. وعلي صعيد الشعر فقدت أعمدة الشعر السبعة, الشاعر الكبير المنجي سرحان, عضو اتحاد كتاب مصر, والشاعر المصري مدحت قاسم, عن عمر يناهز سبعة وسبعين عاما, والذي يعد أحد أهم شعراء جيل الستينيات في مصر والوطن العربي. وأيضا الشاعر بدر توفيق أحد أبرز شعراء الستينيات, الذي اعتزل الحياة العامة منذ فترة بعيدة, حيث كان مكتئبا ووحيدا, لم يكن شاعرا فقط فقد ترجم سونيتات شكسبير الكاملة ترجمة بديعة. كما رحل عن عالمنا الشاعر حسن توفيق, والذي عرف بمجنون العرب والذي كانت له قصائد ودراسات نقدية وكتابات صحفية مهمة, كما ترجمت أعماله للغات عدة. وبالإضافة إلي هذه الكوكبة من المبدعين, شهد عام2014 أيضا رحيل نجوم الصحافة, منهم الكاتب الصحفي الكبير أحمد رجب, حيث كان ينتظر الموت بعد رحيل رفيق عمره الفنان مصطفي حسين, فقد رحل رجب بعده بثلاثة أسابيع فقط. ورحيل الكاتب سعد هجرس الذي كان يعمل رئيسا لتحرير جريدة نهضة مصر والعالم اليوم عن عمر يناهز68 عاما بعد صراع طويل مع مرض السرطان. وغياب الكاتبة فتحية العسال عن عمر يناهز81 عاما. وهي كاتبة مصرية قدمت أكثر من57 مسلسلا تليفزيونيا, كما تنوعت كتابتها بين المسرح والتليفزيون فقدمت العديد من المسرحيات منها نساء بلا أقنعة وسجن النسا. أما علي الصعيد العربي, فقد فقدت الأوساط الثقافية أحد رموز المقاومة الكبار في فلسطين و الوطن العربي, الشاعر الفلسطيني سميح القاسم, والذي ارتبط اسمه بشعر الثورة والمقاومة.ودفع القاسم ثمن مواقفه الوطنية ومناصرته لحقوق شعبه وحرية وطنه واعتقلته سلطات الاحتلال عدة مرات. وكذلك غيب الموت الشاعر العربي الكبير جوزيف حرب, الرئيس الأسبق لاتحاد الكتاب اللبنانيين. أيضارحل شيخ المؤرخين الأردني عبد الكريم الغرايبة عضو رابطة الكتاب الأردنيين عن عمر يناهز91 عاما, بعد صراع طويل مع المرض. والراحل أول من حصل علي شهادة الدكتوراه في التاريخ في الدولة الأردنية, كما شهد العام وفاة الموسيقار التونسي صالح المهدي الملقب بزرياب تونس عن89 عاما بعد مسيرة حافلة في عالم الفن والموسيقي. وشهد العام أيضا رحيل الشاعر جورج جرداق عن عمر يناهز83 عاما, وهو الذي اشتهر بقصيدة هذه ليلتي لأم كلثوم, كذلك رحل المفكر والكاتب اللبناني منح الصلح عن عمر يناهز السبعة والثمانين عاما الشاعر سعيد عقل الذي غيبه الموت عن عمر يناهز102 بمنزله بالعاصمة اللبنانية لقب بالشاعر الصغير ويعتبر سعيد عقل من أكبر دعاة القومية اللبنانية وقد ساهم بشكل كبير في وضع إطار فلسفي لها ولفكرها الأيديولوجي من خلال التركيز علي الخاصية اللبنانية. وفي العاصمة الفرنسية باريس, رحل الخطاط والشاعر العراقي محمد سعيد الصكار عن عمر ناهز الثمانين. والمؤرخ السوري محمود شاكر الذي عمل أستاذا للجغرافيا والتاريخ الإسلامي في كلية العلوم الاجتماعية بالرياض والقصيم, وكان قد أعد برنامجا إذاعيا في إذاعة القرآن أطلق عليه جغرافية العالم الإسلامي, له أكثر من مائتي مصنف في التاريخ والفكر الإسلامي والجغرافيا. كما توفي المفكر وعالم المستقبليات المغربي, المهدي المنجرة, عن عمر يناهز81 سنة, ويعد الراحل من أبرز علماء الدراسات المستقبلية في العالم, وعرف بمواقفه المناهضة للسياسات الغربية في المنطقة العربية, وبنضاله من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان. كما فقدت الأوساط الثقافية والأدبية السودانية, الشاعر محجوب شريف, الذي عرف بشاعر الشعب, حيث واجه الشاعر أنظمة الحكم ببلاده من خلال أبيات قصائده التي شكلت إلهاما للسودانيين خلال حقب مختلفة. وكذلك رحيل المفكر اليمني إبراهيم بن علي الوزير أحد أبرز رموز الفكر الإسلامي المعاصر, عاش شبابه بين السجن والتشريد, في داخل وطنه اليمن, وكان يعمل علي تخليص وطنه من براثن الظلم والاستبداد, سواء في العهد الملكي أو الجمهوري.