تحركت سحب الحزن فوق سماء ضاحية المعادي أمس وكلما تهامس الأهالي في حسرة عن الفجيعة, ارتفع صوت أحد المسنين أمام العقار تحت الإنشاء في شارع9 الرئيسي بأن كريم نحتسبه عند الله من الشهداء. وتبادل الأهالي النظرات الواجمة في صمت يقطع القلوب, كانت الدموع تنساب في بطء وثقل يجدد الأحزان, يتشارك فيه كل شباب المنطقة بخلاف الأقارب الذين توافدوا لمشاطرة أسرة كريم أحزانهم في فقده قبل ساعات. الحديث عن الشهيد كريم لا يتوقف ويبدو أنه لن ينتهي الفترات المقبلة.. فالفقيد يتمتع بسمعة طيبة بين زملائه وأقرانه وجيرانه الذين كانوا حتي لحظة كتابة السطور مازال عصيا علي عقولهم تقبل فكرة فقد كريم الذي كان يملأ الدنيا شبابا وحيوية ومرحا لما يمتاز به من قوة جسمانية وروح مرحة.. جعلت سيرته وتعدد مواقفه يطيب للآذان سماعها.. وحتي المصاب الأخير كان المعزون يتناوبون سرده كل فترة في عزة وافتخار بمن أنقذ صغيرا من الفتك به وسرقته.. ولكنه دفع حياته ثمنا لإجرام المارقين.. وامتدت ساعات مشاطرة الأحزان في استشهاد كريم. الواقعة يسردها أكثر من راو شاهد تفاصيلها, أجد أصحاب المحلات بشارع9 باتجاه ثكنات المعادي تسبقه دموعه, يقول الرجل المسن: تناهي الي سمعي أصوات استغاثات متعاقبة تشي بصغر عمر صاحبها.. انتفضت من الصراخ ولم أجرؤ بكل صراحة علي الدخول في الشارع المظلم خشية حدوث مكروه لي وأنا مسن.. ولاحظت أن كريم يأتي من طرف الشارع يسرع الخطي.. وتلمع عيناه في حيوية واضحة وكنت أعرفه بحكم الجيرة وتبادلنا النظرات في سرعة وشعرت أنه يسألني وهو يتفحص وجهي من بعيد عما اسمعه من استغاثات وصراخ, فأشرت له عندما اقترب بأنني سمعت بالفعل أصواتا لشاب صغير يبدو أنه يتعرض للأذي. وفجأة عادت الأصوات واضحة ويائسة هذه المرة.. ويصمت الرجل وتنهمر دموعه من جديد.. ثم يستكمل قائلا: كان كريم عفيا وقويا رحمه الله في لحظات كان قد وصل الي صاحب الاستغاثة وكنا نراه من أول الشارع شبه المظلم وقد وقف بجوار توك توك وبجوار شابين وبدا من أول وهلة أن هناك حالة اعتداء علي الشاب الصغير سائق التوك توك.. وحدث كل شيء بعد ذلك في سرعة شديدة وكأن القدر كان يتسارع لكتابة استشهاد كريم, تصارع اللصان وهما عفيان مع كريم الذي يحاول انقاذ سائق التوك توك من السرقة وكان معهما شخص ثالث, وكان هناك رابع يقف بجوار دراجة نارية لم يكن ملحوظا في بداية الأمر ويبدو أنه كان يراقب المكان قبل وصولهم لإتمام السرقة.. وتمكن كريم ببنيانه القوي من شل حركة اللصين الذي خشي أحدهما أن تساعد قوة كريم الجسدية علي الانتصار عليهما, خاصة أن المارة بدأوا يتجمعون لحسم الأمر فأخرج اللص مسدس خرطوش وأطلق طلقته الغادرة فاستقرت في فخذ كريم فانفجر شريانه الموصل الي وريده وتفجرت دماؤه وفر اللصوص.. وانشغلنا في إسعاف كريم الذي كانت دماؤه لا تتوقف والي أن وصلنا الي المستشفي كانت روحه قد صعدت الي خالقها. ونجحت الأجهزة الأمنية في الوصول الي سائق التوك توك الذي أرشد الي الجناة, وأنه يعرف منهم اثنين.. وقال في تحقيقات النيابة, إن أحدهم أوقفه من شارع حسنين دسوقي بحدائق المعادي وطلب منه توصيله الي محطة المعادي فاعترض لمنع دخول التوك توك هناك, فعرض عليه أن يمر من شارع قريب للمحطة وسيصحبه اثنان من أصدقائه هناك.. وما ان دخلت الي الشارع المظلم ارتبت في شخص يقف متنمرا أمام دراجة نارية وقد ركنها بجوار الرصيف.. وكان هذا الشخص ينظر خلفنا للمراقبة.. وما ان توغلت في الشارع المظلم حتي فوجئت بأحدهما يحيط رقبتي بذراعه محاولا شل حركتي وارغموني علي ايقاف التوك توك لسرقته فلم أدر بنفسي وصرخاتي تخرج من حلقي فقد كنت أخاف علي حياتي أيضا.. الي أن تحرك وظهر مسرعا الشاب القوي رحمه الله كريم وتمكن من تخليصي بل وأمسك باثنين منهم وأحكم شل حركتهما لكنهما حاولا التملص وبعد فشلهما أخرج أحدهما فرد وأطلق علي ساقه الرصاص.. فسقط وسط دمائه.. وجاء قرار النيابة العامة في القضية رقم20133 جنح المعادي لسنة2014 بحبس المتهمين سعد كامل سيد كامل وهاني محمد عبدالكريم محمد وعبداللطيف محمد عبداللطيف وهاني محمد رضا4 أيام علي ذمة التحقيقات, علي أن يراعي التجديد لهم في الميعاد.