حمل سعيد طفله الرضيع بين يديه وضمه إلي صدره يعتصره الألم والخوف, وهرع مسرعا يبحث عن أمل في مكان آخر لينقذ فلذة كبده بعد أن فشل في إيجاد حضانة للاطفال, بينما منعته جيوبه الفارغة أن يلجأ للحضانات والمراكز الطبية الخاصة. وبعد أن وصل بابنه لأحد المستشفيات الحكومية, صدمته العبارة التي تردد علي أذان الأهالي كثيرا مفيش حضانات... إنتظر شفاء طفل أو وفاته حتي يتوفر مكان, وذلك في الوقت التي تزدحم فيه قوائم الانتظار بمئات الأسماء من الأطفال الرضع جمعهم الفقر والمرض في قائمة واحدة. لم يكن سعيد وحده من عاش تلك المأساة بسبب العجز في عدد حضانات الأطفال المبتسرين وحديثي الولادة بالفيوم, فهناك مئات من الأسر ينتظرون دورا لأولادهم داخل هذا الصندوق الزجاجي ليعيشوا فيه ساعات وأياما وخراطيم جهاز التنفس والمحاليل تخترق أجسامهم الهزيلة دون رحمة, ومن حالفه الحظ ووجد مكانا لطفله داخل هذا الصندوق- يتسلل الخوف والرعب إلي قلبه من النتيجة, عندما تستدعي الذاكرة حوادث الإهمال وعدم الخبرة في التعامل مع أطفال الحضانات. يروي سعيد أحمد محمود, عامل, ما وصفه بالمأساة عندما وضعت زوجته مولودها الأول وكان يعاني من عدم انتظام ضربات القلب وصعوبة بالتنفس ويستوجب ذلك وضعه داخل حضانة لمدة لاتقل عن42 ساعة بحسب إرشادت الطبيب, ولكن لم يكن هناك مكان داخل حضانة هذا المستشفي الحكومي, ولذلك كان لزاما عليه أن يبحث عن حضانة وبعد عناء عدة ساعات لم يجد له مكان في حضانات حكومية, وإستمر الطفل يعاني حتي صباح اليوم التالي عندما توفي أحد الأطفال وكانا ابنه هو البديل. وأضافت سناء عبد الرحمن, موظفة, أنها بعد ان وضعت مولودتها فرح, كان وزنها أقل من الطبيعي, ومصابة بالصفرا, وقالت توجهنا بها لإحدي الحضانات الخاصة التي تكلفتها052 جنيها في لليوم الواحد, ولكن أيضا لم يكن هناك مكان شاغر غير جهاز تنفس, وبعد محايلات وتوسلات قبلوا أن يضعوها علي جهاز التنفس بالتبادل مع مولود آخر حتي تستقر حالتها. وتشير إلي أن الممرضات أكدن أنه لا يوجد حل آخر, ولن يؤثر ذلك في علاجها, وتستكمل الأم قصتها وتؤكد أن مستوي النظافة بهذا المركز كان دون المستوي حيث ان وسادات السرير غير نظيفة, وهناك بقايا طعام علي مكتب الاستقبال, والممرضات لايستخد من قفازات طبية في اليدين. ويري إبراهيم رجب, مزارع, ان الحضانات الخاصة مش بتاعةالغلابة اللي زينا وقال أنا دوخت لحد ما لقيت حضانة لأبنتي, لإنني مش معايا003 جنيه في اليوم علشان أوديها حضانة خاصة, غير أجرة الإسعاف... ولا يعني ولاد الفقراء مش من حقهم يعيشوا. ويفوق عدد سكان الفيوم ثلاثة ملايين نسمة وعدد المواليد الذي ارتفع إلي ما يقرب من63 ألف طفل في العام, بمعدل3 آلاف مولود شهريا, يولد منهم ما يقارب ال01% مبتسرين, بمعدل003 طفل شهريا, يحتاجون لذات العدد من الحضانات وإلا تتعرض حياتهم للخطر, في حين أن مستشفيات وزارة الصحة لا توفر في الوقت الحالي سوي ما يقرب من05 حضانة فقط للأطفال المبتسرين, موزعة علي المستشفيات العامة والمركزية المنتشرة في أرجاء المحافظة, وذلك بخلاف حضانات المراكز الطبية الخاصة. وقال الدكتور راجح فؤاد, مدير قسم الحضانات بمستشفي الفيوم العام, إنه بالفعل يوجد عجز بالحضانات بجميع محافظات الجمهورية, وليست الفيوم وحدها التي تعاني مثل هذا العجز, مشيرا إلي أن العجز أيضا لم يتوقف علي الحضانات فقط بل أيضا علي طواقم التمريض التي تشهد عجزا رهيبا داخل الحضانات. وأضاف أن المستشفي به12 حضانة تم إنشاء01 منها بتبرعات وجهود شخصية من الأطباء بالمستشفي, بينما هناك11 حضانة من وزارة الصحة, مشير إلي أن الحضانات كاملة العدد يوميا, وتجري الآن عملية تطوير للقسم لزيادة5 حضانات إضافية. وأوضح أن العجز الصارخ في الممرضات بأقسام الحضانات بالمستشفيات يعد تحديا صارخا, حيث أن الممرضة بقسم الحضانات يجب أن تكون علي درجة من التدريب والتأهيل والمعرفة بقواعد ومعايير الجودة ومكافحة العدوي ليسمح لها بالعمل في هذا القسم المهم, وهذا ليس متوفرا بسبب عجز الطواقم التمريضية أو سوء توزيعها, منوها إلي أن بالمستشفي ممرضة لكل5 حضانات. وأشار فؤاد إلي إن الحضانات الخاصة توفر عددا لابأس به من الحضانات, ولكن تبقي تكلفة الليلة عائقا أمام عدد كبير من البسطاء وغير القادرين, ولكنها في الوقت نفسه تعاني من نقص أجهزة التنفس الصناعي الكامل, مؤكدا أن ما زاد من الأزمة بالفيوم, إغلاق قسم الحضانات بمستشفي التأمين الصحي لإجراء عمليات الصيانة به, وقلة الحضانات بمستشفي جامعة الفيوم التي تضم4 حضانات فقط. موضحا أنه خلال الشهر الماضي إستقبل القسم85 طفلا05 منهم من مراكز وقري الفيوم المختلفة رغم وجود مستشفيات مركزية هناك, بينما8 فقط من مدينة الفيوم. وتشير دراسة علمية صادرة عن قسم الأطفال بجامعة القاهرة إلي إن عدد الأطفال المبتسرين أو ناقصي النمو الذين يولدون في مصر سنويا يتخطي001 ألف طفل, وإن هناك ما يقرب من25 ألف طفل بحاجة إلي تدخل سريع نتيجة للحالة الخطيرة التي يتعرضون لها. وتضيف الدراسة أن الحكومة المصرية تتكفل بعلاج07% من حالات الأطفال المبتسرين الحرجة, أي ما يعادل71,5 ألف طفل ناقص النمو. وتوضح دراسة أخري لوزارة الصحة,أنه يولد في مصر مليونان و004 ألف مولود سنويا, وأن إجمالي عدد الحضانات بالمستشفيات التابعة للطب العلاجي9362 حضانة, وبجميع القطاعات5 آلاف و948 حضانة( بدون حصر حضانات مستشفيات الهيئات الحكومية والنقابات), وللوصول إلي المعدلات العالمية مطلوب توفير3 آلاف و338 حضانة. ومن جانبه أكد الدكتور مدحت شكري, وكيل وزارة الصحة بالفيوم, إنه ستتم قريبا زيادة أعداد الحضانات بشكل كبير بجميع أنحاء المحافظة حيث يتم افتتاح02 حضانة جديدة بمستشفي فيدمين, و51 حضانة أخري بعدد من المستشفيات المركزية بالمحافظة بالإضافة إلي زيادة13 حضانة قبل ذلك بمستشفي الفيوم العام لتصبح12 حضانة. وأضاف أن عمليات التوسعات وزيادة أعداد الحضانات بهذا النحو, ستقضي علي أزمة نقص الحضانات للأطفال حديثي الولادة والمبتسرين بالمحافظة.