حينما هاجر رسول الله صلي الله عليه وسلم من مكةالمكرمة إلي المدينةالمنورة, وجد فيها قبائل وطوائف وديانات مختلفة فأراد صلي الله عليه وسلم أن يؤسس أمة الإسلام علي أسس راسخة تجمع دولته علي الوحدة والوفاق علي أساس من الشريعة الإسلامية الحنيفة السمحة والمحبة بين المسلمين بعضهم البعض, وعلي العهود والمواثيق بين المسلمين وغيرهم من الديانات والطوائف الأخري بما يكفل حرية الدين وحرية العمل وانفاق كل فئة علي نفسها, ثم الاتحاد مع الجميع علي مواجهة أي خطر خارجي علي دولة المدينة. هذا, وقد أسس صلي الله عليه وسلم أمة الإسلام في المدينة علي سبعة أسس هي: بناء المسجد النبوي, والإخاء بين المهاجرين والأنصار, والمعاهدة مع اليهود, وإعلاء العصبة القبلية بين الأوس والخزرج, وتحويل القبلة من المسجد الأقصي إلي الكعبة المشرفة, والنظام الاقتصادي الإسلامي الجديد, والجيش الإسلامي في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم. أولا: بناء المسجد النبوي في المدينة: بدأ رسول الله صلي الله عليه وسلم منذ وصل المدينةالمنورة في بناء مسجده في المكان الذي بركته ناقته, وكان مربدا للتمر أي مكان يجفف فيه التمر مملوكا لغلامين يتيمين من بني النجار في المدينة فاشتراه صلي الله عليه وسلم منهما فيه بعشرة دنانير. ثم قام صلي الله عليه وسلم ببناء المسجد مع صحابته رضي الله عنهم وساعدهم بنفسه في بنائه ضاربا المثل الأعلي في كيف يكون القائد مع صحابته. وتم بناء المسجد من الطوب اللبن, وجانب الباب من الحجارة, وأسقفه من الجريد, وأعمدته من جزوع النخل, وطوله مائتي ذراع مما يلي القبلة إلي مؤخره, وجعل أساسه ثلاثة أذرع, وله ثلاثة أبواب: باب الرحمة, وباب في مؤخره, وباب يدخل منه النبي صلي الله عليه وسلم. وقد كان للمسجد علي عهده صلي الله عليه وسلم أهمية بالغة في كل مناحي الحياة لصحابته رضوان الله تعالي عليهم فالمسجد لم يكن للصلاة فقط, وإنما كان مدرسة للتعليم والتهذيب والتربية الإسلامية التي ارتضاها رسول الله صلي الله عليه وسلم لصحابته فهو الأستاذ, وهم الطلاب للعلم الإسلامي من القرآن الكريم والسنة النبوية والخلق الرفيع, كما كان مكانا للشوري يستشير فيه النبي صلي الله عليه وسلم صحابته, وساحة للقضاء القاضي فيه هو رسول صلي الله عليه وسلم يحكم فيه بشريعة الله تعالي, كما كان مركزا لقادة الجيوش حيث تعقد فيه الألوية للقواد, كذلك كان نزلا لاستقبال الوفود من القبائل والدول الأخري, كذلك كان إلي جانب الصلوات الجامعة المفروضة, صلاة التطوع, كذلك كان مأوي لأهل الصفة الفقراء الذين لا مأوي لهم. وقد كان صلي الله عليه وسلم يأمر الصحابيات بالحضور لصلاة الجمع والأعياد, ويجعلهن خلف صفوف الرجال وجعل لهن يوما زائدا للعظة والتعلم, فكن من راويات الحديث الصادقات. وقد ورد في فضل المسجد النبوي عدة أحاديث منها قوله صلي الله عليه وسلم لا تشد الرحال إلا إلي ثلاثة مساجد المسجد الحرام, ومسجد الرسول صلي الله عليه وسلم والمسجد الأقصي أخرجه البخاري ومسلم ورواه أبو هريرة, هذا وقد كانت بيوت رسول الله صلي الله عليه وسلم وأزواجه ملحقة بالمسجد النبوي, وكان لبيت عائشة رضي الله عنها باب لداخل المسجد, بينما كان لبيوت أزواجه رضي الله عنهن أبواب خارج المسجد.