قليلة هي الكلمات التي يمكن أن تصف حال شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة تونس هذه الأيام, وتحديدا خلال فترة إقامة مهرجان أيام قرطاج السينمائية الذي يختتم بعد غد السبت, وهي ذاتها الفترة التي تسبق إجراء الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة التونسية, والتي كان من المفترض أن تعقد14 ديسمبر الحالي, إلا أنها تأجلت إلي يوم آخر من الشهر الحالي لم يتحدد نهائيا بعد. والمعروف أن الرئيس المؤقت الحالي والمرشح في جولة الإعادة, المنصف المرزوقي, كان قد تقدم بثمانية طعون علي نتيجة الجولة الأولي من الانتخابات, والتي أقيمت23 نوفمبر الماضي وخسرها بفارق6% من الأصوات أمام منافسه الباجي قايد السبسي, زعيم حزب نداء تونس.. ورغم أن المحكمة الإدارية رفضت الطعون الثمانية, إلا أن الأخيرة كانت قد حققت هدفها الأصلي للمرزوقي, وهو تأجيل جولة الحسم وكسب الوقت علي أمل تعويض فارق النقاط الست علي الأرض.. فقد صرحت مصادر مسئولة في اللجنة العليا للانتخابات باستحالة إقامة الجولة الثانية في14 ديسمبر, وباحتمال إجرائها يوم21 من نفس الشهر, إلا أن الاتجاه الأقوي يميل إلي عقدها في28 ديسمبر الحالي. وبصرف النظر عن ألاعيب السياسة, وعن محاولات كل من السبسي والمرزوقي اقتناص أصوات المرشحين الخاسرين في جولة23 نوفمبر, فإن ما يهمني هنا هو حال الشارع التونسي والمواطن التونسي البسيط في هذه الأيام العصيبة, ولا يوجد من يعبر عن ذلك خير من شارع الحبيب بورقيبة, أكبر وأهم شوارع العاصمة, وقلبها النابض وروحها الخفاقة. يوميا, يزخر هذا الشارع الكبير, الذي يبدأ بميدان الساعة ومحطة السكك الحديدية وينتهي ببوابة البحر التي تفصل المدينةالتونسية القديمة عن العاصمة الجديدة, بحشود من المواطنين الراغبين في التعبير عن آرائهم السياسية, فهو- باختصار- ميدان التحرير الخاص بهم.. وخلال أيام المهرجان, أضيفت حشود عشاق السينما إلي تجمعات دراويش السياسة, ليتحول الشارع العريق إلي كرنفال حقيقي من البشر والألوان والأعلام والموسيقي والهتافات. وحدث يوم افتتاح المهرجان- السبت الماضي- أن منعت السلطات التونسية مرور السيارات في الشارع, وخصصته للمشاة, ليمتلئ الحبيب بورقيبة فجأة بعشرات الآلاف من البشر, بين مؤيد للسبسي, ونصير للمرزوقي, وعاشق لنجوم السينما يتمني أن يلمحهم خلسة وهم يسيرون علي سجاد المهرجان الأحمر, وصحفي أجنبي جاء لتغطية أي من الحدثين, ومدعو عربي للمهرجان مثل العبد لله, في مشهد أقل ما يوصف به أنه مفرح. وكنت يومها قد تابعت تجمعا كبيرا من المواطنين الذين يهتفون ويتحلقون حول شاب يرفع علما تونسيا كبيرا, وفشلت- عن بعد- في معرفة سبب التجمع الذي كان يشبه المظاهرة, فاقتربت منه واقتحمت صفوف المواطنين وسألتهم- بعد أن عرفتهم بنفسي- عن سبب تجمعهم, فرحبوا بي بشدة أولا ليغمرني ذلك الشعور الطيب بأنني في بلدي الثاني, ثم قالوا ما معناه- ولاحظ صعوبة اللهجة: أبدا.. نعبر عن فرحتنا بحريتنا وبقدرتنا أخيرا علي أن نقول رأينا كما حدث عندكم في مصر, والفضل كله لثورات الشعوب الحرة. وسألتهم إن كانوا من أنصار السبسي أم من مؤيدي المرزوقي, فأذهلني الرد: الاثنان.. لا يهم.. المهم حرية التعبير عن الرأي. وأضاف أحدهم, مشيرا إلي آخر يقف بجواره: أنا أؤيد السبسي وصديقي هذا يناصر المرزوقي.. كلنا واحد وكلنا إخوة, وصدق باقي الواقفين علي كلامه! إنه عيد حقيقي للحرية والديمقراطية تعيشه تونس, ويزيده بهاء وجمالا أنه يدور علي بعد خطوات قليلة من المسرح البلدي, حيث يقام حفلا افتتاح وختام مهرجان قرطاج السينمائي, لتتخذ الديمقراطية خلفية فنية جميلة, وليصبح المهرجان الفني بطعم السياسة والحرية. وأعجبني أن القائمين علي المهرجان انتبهوا لهذا البعد السياسي, فجعلوا الفقرة الأولي من افتتاح أيام قرطاج السينمائية سياسية فنية بحتة, حيث قدمت الشقيقتان السوريتان فايا وريحان يونان مرثية مؤثرة للغاية عن أحوال الدول العربية المنكوبة- وفي مقدمتها سوريا والعراق وفلسطين ولبنان- علي أنغام التشيللو, فاكتفت إحداهما بالإلقاء الشعري والنثري, وتولت الأخري الأداء الغنائي, في تداخل فني جميل ألهب حماس وأيدي الحضور بالتصفيق. ولم تكن أفلام المهرجان- في مختلف الأقسام- استثناء, حيث دار معظمها- خاصة في مسابقة الأفلام الوثائقية- حول هموم وأحوال وطموحات الشعوب العربية, كما تقاطعت طوابير الإقبال عليها مع الحشود السياسية اليومية في شارع بورقيبة! وكالعادة, تتواجد مصر بقوة في مختلف أقسام أيام قرطاج السينمائية.. ففي المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة, يشارك فيلم ديكور للمخرج أحمد عبد السيد, الذي سبق له الفوز بتانيت قرطاج الذهبي عام2010 عن فيلمه ميكروفون. وفي مسابقة الأفلام الروائية القصيرة, يشارك فيلما ستة لبهاء الجمل وحياة لإسلام كمال. وفي مسابقة الأفلام الوثائقية فيلمان أيضا: أم غايب لنادين صليب, والذي فاز بجائزة الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية( فيبريسي) من مهرجان أبو ظبي الأخير, وموج, للمخرج أحمد نور, والذي فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي طويل من مهرجان الإسماعيلية الدولي الأخير للأفلام التسجيلية والقصيرة. وفي قسم عروض خاصة, خارج المسابقة, يعرض فيلم فتاة المصنع للمخرج الكبير محمد خان.. كما تم اختيار النجمة منة شلبي لعضوية لجنة تحكيم المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة والقصيرة, وتم الإعلان عن عقد لقاء للنجمة ليلي علوي مع جمهور المهرجان غدا الجمعة. واستحدثت إدارة قرطاج هذا العام مسابقة بعنوان تكميل لدعم مشروعات الأفلام في مرحلة ما بعد الإنتاج, أي في مراحل التنفيذ الأخيرة, وتم اختيار فيلمين من مصر هما: آخر أيام المدينة لتامر السعيد و النسور الصغيرة لمحمد رشاد.