الماء نعمة عظيمة وهبه الله لنا، ولأهميته الشديدة فقد ذكره المولى تبارك و تعالى في العديد من المواضع في سور مختلفة من القرآن الكريم، وجعل منه كل شىء حى، وكل ذى عقل يدرك جيدا النعمة التى بين يديه فيحافظ عليها ويصونها ويعمل على عدم التفريط فيها أو إهدارها، أما نحن فلا نقدر أهمية الماء أونعرف قيمته، مع أن ادراك ذلك نستشعره جيدا عندما نحرم منه بانقطاعة لساعات قليلة أو أثناء الصيام، وقد كشفت تقارير رسمية لوزارة الموارد المائية والري، عن أن مصر دخلت بقوة حزام الفقر المائي الشديد، وأن نصيب الفرد من المياه مستمر في الانحدار، بسبب الزيادة السكانية، والإسراف في معدلات الاستهلاك. ومعنى الفقر المائى هو أن يصل نصيب الفرد من المياه إلي أقل من 1000م3 في السنة، ونحن - ولله الحمد - قد تجاوزنا بسلوكنا الخاطىء الحد الأدنى بجدارة نحسد عليها حيث وصل نصيب الفرد عندنا حوالي 650م3 في السنة. إن الإسراف عمل قبحه الله تعالى وذمه قائلا " إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"، ويصف المبذرين بأنهم إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ، داعيا إلى الاعتدال فى كل شىء، حتى إن الإسراف فى الوضوء مكروه، (فأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِسَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ يَا سَعْدُ؟ قَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ سَرَفٌ؟ قَالَ: نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ)، فما بالنا بتصرفات تتسم بالسفة والنزق والاستخدام الأخرق للمياه، ففى الوقت الذى يعلم فيه القاصى والدانى، والأمى والمتعلم، والكبير والصغيرأن الحرب القادمة هى حرب حول الماء، وأن هناك أخطارا خارجية تهدد نصيبنا المتواضع منه، بإثارة الخلافات بين مصر وبعض دول حوض النيل، ومشكلتنا مع إثيوبيا مثال حى، وما كان لنا أن نزيد الأمر سوءا بأخطار داخلية كلها تكمن فى الهدرالمائى، فهناك 85 % من مياه النيل تستخدم فى الزراعة ،منها35 % تفقد من إجمالى المنصرف من السد العالى وحتى وصول المياه إلى الحقول، و40 % تفقدها شبكة مياه الاستخدامات المنزلية والصناعية، ثم تأتى تصرفاتنا العبثية مع واحدة من أجل النعم التى منحها الله لنا بالتفنن فى عدم صيانتها والمحافظة عليها، منها غسيل الأسنان وحلاقة الذقن والصنبور مفتوح، مرورا بأعطال الحنفيات "وسرسوب" المياه الذى لا ينقطع فى المدارس والمنازل والهيئات والمؤسسات والمرافق العامة، والحمامات وصناديق الطرد، وليس انتهاءً بغسيل السيارات فى محطات البنزين، والإمساك بالخراطيم لرش الشوارع بصورة علنية أمام المتاجروالمحلات. لقد أصبح الماء بالنسبة لنا سلعة نادرة، وأضحت مواردنا المائية لا تغطى احتياجاتنا الأساسية، و بتنا نواجه مصيرا مائيا كارثيا وتحديات لا حصر لها، بعدما تصاعدت الأزمة وظهرت خطورتها علي الأمن القومي للبلاد، فهل وصل لمداركنا خطورة ما نحن فيه؟، وهل استوعبت عقولنا حجم الأزمة؟ وهل شعرأحدنا بالصراع المرير الذي تخوضه مصر للدفاع عن حصتها من مياه النيل ضد إثيوبيا التي تمضي قدما في إقامة سد النهضة؟!. إننا بحاجة إلى كل قطرة مياه حتي لا نندم يوما علي ما كنا نرتكبه في حقها، وحق أجيالنا القادمة، ونقف أمام ربنا ونسأل يوم القيامة عن إسرافنا المنهى عنه، وأزعم أننا لن نحقق الترشيد المرجو، والاقتصاد المنشود، إلا بتفعيل القوانين - غير المفعلة - التى تجرم هذه الظاهرة، وتقضى بتغريم من يرتكبها بغرامات مالية، بل أطالب بتغليظ العقوبة ومضاعفة الغرامات أضعافا مضاعفة، فالأمر جلل، والسكوت عنه خيانة للشعب والوطن.