أصدرت مكتبة الإسكندرية طبعة جديدة لكتاب البيان في التمدن و أسباب العمران للمفكر و السياسي العربي رفيق العظم, و ذلك في إطار مشروع إعادة إصدار مختارات من التراث الإسلامي الحديث في القرنين الثالث عشر و الرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين. المشروع- الذي تنفذه مكتبة الإسكندرية- نبعت فكرته من الرؤية التي تتبناها المكتبة بشأن ضرورة المحافظة علي التراث الفكري والعلمي في مختلف مجالات المعرفة, والمساهمة في نقل هذا التراث للأجيال المتعاقبة تأكيدا لأهمية التواصل بين أجيال الأمة عبر تاريخها الحضاري, و ذلك كما أوضح الدكتور إسماعيل سراج الدين في تقديمه لسلسلة إصدارات المشروع, و يضيف سراج الدين إن الإنتاج الثقافي لاشك- تراكمي, وإن الإبداع ينبت في الأرض الخصبة بعطاء السابقين, وإن التجديد الفعال لا يتم إلا مع التأصيل, و ضمان هذا التواصل يعتبر من أهم وظائف المكتبة التي اضطلعت بها منذ نشأتها الأولي و عبر مراحل تطورها المختلفة. و يعد اختيار القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين/ التاسع عشر والعشرين الميلاديين علي وجه الخصوص رغبة من المكتبة في تصحيح الانطباع السائد بأن الإسهامات الكبيرة التي قام بها المفكرون والعلماء المسلمون قد توقفت عند فترات تاريخية قديمة, ولم تتجاوزها. وحيث الحقائق الموثقة تشير إلي غير ذلك, و تؤكد أن عطاء المفكرين المسلمين في الفكر النهضوي التنويري إنما هو تواصل عبر الأحقاب الزمنية المختلفة, بما في ذلك الحقبة الحديثة والمعاصرة التي تشمل القرنين الأخيرين. يهدف هذا المشروع إلي تكوين مكتبة متكاملة ومتنوعة, تضم مختارات من أهم الأعمال الفكرية لرواد الإصلاح والتجديد الإسلامي خلال القرنين المذكورين. وتسعي مكتبة الإسكندرية لإتاحة هذه المختارات علي أوسع نطاق ممكن, عبر إصدارها في طبعة ورقية جديدة, وعبر النشر الإلكتروني أيضا علي الإنترنت علي موقع المكتبة والموقع الخاص بالمشروع, كما تستهدف في المقام الاول إتاحة هذه المختارات للشباب وللأجيال الجديدة بصفة خاصة. وفيما يخص كتاب البيان في التمدن وأسباب العمران لرفيق العظم, فيمثل مقدمة رائعة لمشروع رفيق العظم وأفكاره التنويرية, حيث أنه أول كتاب ألفه وكان في بداية العقد الثالث من عمره, وصدرت طبعته الأولي عام(1304 ه-1887م) عن المطبعة الإعلامية بمصر, ويقع الكتاب في78 صفحة, ومقسم إلي: مقدمة و ثلاثة أبواب وتسعة فصول وخاتمة. في مقدمة الكتاب يوضح رفيق العظم سبب تأليفه للكتاب, ألا وهو القيام بما يجب علي الإنسان من الخدمة الوطنية اللازمة علي سائر أفراد الهيئة الاجتماعية التي تعبر عن مهمات مصالحها بإجراء جميع الوسائل الباعثة علي تقدمها وعمران بلادها مؤكدا أهمية وضرورة توفير ثروة الهيئة الاجتماعية, وما أفضي إليه الإهمال والكسل من الأهالي. ذاكرا أن الغرض من الكتاب هو بيان أصول التمدن الناشئ عنه عمران البلاد. في الباب الأول للكتاب يعالج رفيق العظم مسألة التمدن, حقيقته وشروط وأسباب تحققه, بالإضافة إلي مناقشته لصلة التمدن بالشريعة الإسلامية, حيث يري ان أصول الشريعة الإسلامية هي أساس تمدن جميع النوع البشري, لاشتمالها علي الآداب الدينية و العدالة والتمسك بجميع الخصال الحميدة المندوب إلي كل فرد من أفراد الأمة. كما انتقد مفهوم العامة للتقدم و تمسكهم بالشكل و القشور, فيلاحظ أن الاهتمام بالشكل من اللباس و الزينة و غيرهما لا يحققان التقدم, كما ينكر عليهم اكتفاؤهم بتعلم الفرائض الدينية عن تعلم الأصول و القواعد المبنية علي العدل الداعية إلي التمدن. و في الباب الثاني تناول رفيق العظم قضية التعليم, ذلك أن أهم أسباب التقدم ولع الامة بالعلوم و المعارف, و خص بالذكر التعلم الذي هو جزء من التربية المعنوية, و هي تربية روحية تعني بتهذيب العقل و ترويض الذهن و الفكر. أما في الباب الثالث و الأخير ناقش الكاتب أثر الحرية و العدل في التمدن و العمران. حيث يري أن الحرية العمومية التي هي حق للفرد علي الوطن ينبغي أن تكون مؤسسة علي العدل وحسن نظام الأمة, فتكون بذلك كافلة لجميع مصالح الأمة. أما العدل فيقول إنه أساس الملك وسبب العمران ووسيلة لتقدم الاوطان باسطا صفات الحاكم العادل وأثرها في الرعية. وختم رفيق العظم كتابه باستعراض التاريخ الحضاري الإسلامي, ومظاهر التمدن والعمران وأسبابه, ثم انتقل إلي التمدن الأوروباوي ذاكرا أن بدايته من أسبانيا يوم كان المسلمون يسيطرون عليها, وأوضح أن انتشار المعارف والعلوم في أوروبا نتج عنه تقدم صناعي وتجارب واختراعات.