من خلال لقاءاتي القليلة مع الرئيس السيسي ومتابعاتي المستمرة للملفات الرئيسة التي يعكف علي إنجازاها, كان لي هذا التصور للملامح التي يرسم الرئيس معالمها. زيادة معدل التنمية إن زيادة معدل التنمية هو التحدي الأبرز الذي يواجه الرئيس السيسي, لكن تحقيقه بالشكل المأمول يواجه عقبات وعراقيل ضخمة, إرث ضخم من الترهل الإداري, والفساد والمحسوبية, ومصانع متهالكة معظمها تحقق خسائر, وعمال أجورهم لا تكاد تكفي أساسيات الحياة. ولا يقتصر الأمر عند حد البنية الأساسية المتهالكة والجهاز الإداري ثقيل الوزن بطيء الحركة, فهناك مخاطر أضخم وهي عصابات الإرهاب التي تحيط بنا من الشرق والغرب والجنوب وبرغم الضربات القوية لجيشنا علي معاقل الإرهاب, فإنه يواصل ضرباته هنا وهناك يستنفد الموارد ويخيف الاستثمار ويقتطف أجمل الزهور المشروعات التي وضعها الرئيس علي سلم الأولويات لتجر قاطرة التنمية متنوعة وضخمة ويمكنها أن تكون دافعة للاقتصاد المصري, لمكانة لائقة, تتوزع المشروعات بين الزراعة والصناعة والإسكان والطرق والتعليم والصحة ومعظم الخدمات وهي طموحة وعملية في الوقت نفسه أي قابلة للتنفيذ, لكنها تحتاج إلي استثمارات ضخمة يمكن توفيرها من خلال المصريين, خاصة البنوك والمستثمرين العرب والأجانب لكن مع ضخ الاستثمارات في مشروعات ذات عائد اقتصادي بعيد سيكون علينا التحمل لفترة ليست بالقصيرة. ملف العدالة الاجتماعية ملف العدالة الاجتماعية يحتل مقدمة أولويات الرئيس, وهو يري عن يقين وصدق أن الفئات الفقيرة تحتاج إلي اهتمام كبير وأنها عانت كثيرا وتستحق أن تعيش حياة لائقة ولا يتعلق الأمر بالبعد الإنساني فقط- رغم أهميته- إنما يتم تأهيل هذه الشرائح لتكون قادرة علي الإنتاج بكفاءة وتتحول إلي منتجين حقيقيين من خلال عمليات تأهيل وتدريب وتعليم ورعاية صحية بما ينتشلها تماما من دائرة الفقر. وان كان الرئيس لا ينظر من خلال المنظار الضيق للعدالة الاجتماعية الذي يري أنها مجرد أن نأخذ من الأغنياء لنعطي للفقراء وإنما يري أنه يمكن الارتقاء بوضع هذه الشرائح دون مصادرات لثروات الأغنياء أو شركات رجال الأعمال وإنما بتخصيص جزء مهم من الاستثمارات لعلاج قضايا الفقر من جذورها, ويمكن لرجال الأعمال- بل واجب عليهم- المشاركة في برامج مكافحة الفقر, لأنها في النهاية تصب في صالح المجتمع بأكمله وتجنبه مخاطر كثيرة, وتعظم من فرص الاستثمار وتزيد معدلات الإنتاج والقوة البشرية الناتجة عن زيادة الإنتاج القومي وبالتالي مستوي المعيشة. وإذا كان الرئيس يشعر بان العديد من رجال الأعمال لم يكونوا علي المستوي المأمول في حملة التبرع لصندوق تحيا مصر فانه مازال يراهن علي تفهمهم لحقيقة الأوضاع وأن يؤدوا الدور المنوط بهم لكي نقيم نهضة حقيقية وشاملة وان يراعوا البعد الاجتماعي وليس مجرد تعظيم الربح بأية طريقة. هنا يأتي دور الدولة في مكافحة الثراء غير المشروع وهو الناجم عن سلوكيات بعضها باستغلال ثغرات القوانين وأخري بالتحايل عليها وثالثة بخرقها من أجل تحقيق الثراء غير المشروع وهذا يتطلب منظومة متكاملة من القوانين والأجهزة الرقابية لتحقيق هذا الهدف والقضاء علي الفساد بآليات واضحة وحاسمة. يحاول الرئيس أن يجنب رجال الأعمال المخاوف من اللجوء إلي المصادرة والتأميم وان تتولي أجهزة الدولة التشريعية والرقابية تصحيح المسار ومكافحة كل أشكال الفساد, وهي مهمة ليست سهلة, في ظل تراكم جرائم الفساد حتي باتت وكأنها من الأمور الطبيعية, بل تبدو كأنها قدر مفروض علينا, ومن الصعب الفكاك منه, بعد أن تحول الفساد إلي منظومات وشبكات تتخلل معظم أجهزة وقطاعات الدولة. ملف الحريات العامة والشخصية يأتي ملف الحريات العامة والشخصيةمن ضمن الملفات المهمة والشائكة, وفي ظل ظروف أمنية معقدة وصراعات ومؤامرات تخطت الحدود المحلية بوجود دول وقوي إقليمية ودولية تعمل علي إسقاط الدولة المصرية سواء من خلال دعم الجماعات الإرهابية أو تعطيل عملية التنمية وخلق المشكلات لمصر تحاصرها وتجهض مشاريعها في النهوض والتقدم. فكل دولة تكون في حالة حرب أو تتعرض للخطر تصبح مضطرة للتضحية ببعض الحقوق في مجال الحريات العامة والخاصة حتي تتجنب المؤامرات التي يتعاون فيها الأعداء في الداخل والخارج, فما بالنا والوضع شديد الخطورة والتعقيد بوجود جماعات ومنظمات وأفراد متورطين في التآمر علي الدولة بكل مؤسساتها يستهدفون إسقاطها لتعيش فوضي واضطرابات وحروبا وفتنا لا يعلم مدي خطورتها إلا الله. لمست خلال لقاءاتي القصيرة التي جمعتني مع الرئيس مدي حرصه علي هذا التوازن بين الحريات والأمن فهو يشير إلي الأخطار التي نعرفها جميعا والتي تمر بها المنطقة العربية, حيث الإرهاب علي أرضنا بدءا من وجود جماعات إرهابية مزودة بأسلحة وإمكانيات متطورة, بما يؤكد وجود داعمين لها في المنطقة وخارجها, وهناك خلايا إرهابية نائمة في كل محافظات مصر, بل الكثير من الأجهزة والمؤسسات, ولهذا يحرص الرئيس علي تأكيد احترام حرية الإعلام لكنه يخاطب ضمائر الإعلاميين مراعاة الظروف التي تمر بها مصر وأن يتحلوا بروح المسئولية وأن يضعوا بأنفسهم ميثاقا للشرف الإعلامي يخرج بالإعلام عن السلبيات التي يلمسها الجميع المؤكد أن مصر تتعرض لحملات إعلامية تتزامن مع العمليات الإرهابية وجميعها لها هدف واحد وهو تقويض الدولة, وفي مثل هذه الظروف نحتاج إلي دور إيجابي للإعلام و لا يعني هذا أن يصمت الإعلام عن أية سلبيات أو مخالفات لكن هناك فرقا بين من يحاول أن يضخم من السلبيات وكأنها سلوك عام و ممنهج بما يبرر للبعض النيل من كيان الدولة و مؤسساتها وبين من يتناول السلبيات لتجاوزها وتصحيحها بما يقوي من كيان الدولة ويزيد من فاعلية أجهزتها وتحسين أدائها. الملف الأمني يعد الملف الأمني هو الأكثر حضورا ومتابعة من الرئيس, فالإرهابيون يتربصون بالدولة و أجهزتها وشعبها ودفع الجيش والشرطة والمواطنون ثمنا غاليا من أرواحهم وسلامتهم, ولأن الحرب علي الإرهاب تتطلب منتهي السرية في معارك غير تقليدية تتحرك فيها الجماعات الإرهابية علي مساحة واسعة مدعومة بأجهزة مخابرات دول تتربص بمصر سرا وعلانية ولهذا يمكن للإرهاب أن يضرب في أي وقت وفي أي مكان وهو ما يجعل المعركة صعبة وطويلة وقد تمكنت قواتنا المسلحة والشرطة في توجيه ضربات قوية إلي الإرهابيين وأحبطت الكثير من عملياتهم ونجحت في محاصرة الإرهاب والتضييق عليه لكن لا يتم الإعلان عن كثير من هذه الجهود حتي لا يستفيد منها الإرهابيون لكن خلاصة القول أن مصر نجحت بفضل من الله ويقظة وجاهزية جيشها و شرطتها من تجاوز الكثير من الأضرار والخسائر في الأرواح والممتلكات وأن الجهود المبذولة تتجاوز حدود مصر إلي مساعدة أشقائنا في المنطقة من اجل التخلص من هذا الخطر. الملف العربي والإفريقي ويبقي الملف العربي والإفريقي أحد الملفات الشائكة أمام الرئيس, إذ لا يمكن لمصر أن تنهض و تحقق أهدافها في التنمية والبناء والاستقرار وامتلاك عناصر القوة, بمعزل عما يحدث في محيطها الإقليمي والذي يتعرض الآن لأعتي الزلازل منذ زمن بعيد, قد تفوق المخاطر التي تعرضت لها المنطقة في الحربين العالميتين الأولي والثانية, فالحروب والقلاقل تجتاح معظم دول المنطقة وأخذت شكل الحروب الأهلية وهي أخطر ما يواجه كيان أي دولة, وامتدت من العراقوسوريا في الشمال الي السودان واليمن والصومال جنوبا إلي ليبيا و المغرب العربي غربا وللأسف فإن عدم وجود رؤية عربية أشعل هذه الصراعات والحروب. وفي ظل هذه التعقيدات يسعي الرئيس السيسي إلي تهدئة الأجواء الساخنة خاصة بين المحورين الرئيسيين الأول بقيادة إيران ويضم سورياوالعراق وحزب الله وبدعم روسي, والثاني بقيادة السعودية ويضم تركياوقطر بدعم أمريكي, وقد ظهرت بعض الخلافات بين السعودية وكل من قطروتركيا حول الملف السوري بالأساس ويريد كل من أردوغان وتميم بن حمد تشكيل معارضة بقيادة جماعة الإخوان وهو ما ترفضه السعودية وبعد أن تجاوبت السعودية مع مقترح التخلي عن فكرة إسقاط نظام بشار الأسد عادت لتتمسك به بعد احتلال الحوثيين للعاصمة اليمنية ومعظم شمال ووسط اليمن والساحل الممتد من باب المندب وحتي الساحل السعودي. لقد كان الرئيس واضحا في موقفه من التحالف الدولي ضد داعش وهو أن مواجهة الإرهاب يجب أن تكون شاملة مع تأكيد الحرص علي سلامة ووحدة أراضي كل من سورياوالعراق, وتحاول مصر إعادة الروح إلي الجامعة العربية لتكون بديلا عن المحافل الدولية, التي تتيح للدول الكبري التدخل بما يزيد من تعقيدات الوضع الإقليمي ويؤجج الخلافات, ومكانة مصر تؤهلها لأن تكون وسيطا موثوقا بين الجانبين المتناحرين فمصر نسجت علاقة متوازنة بين كل من روسيا والولايات المتحدة ويمكنها أن تلعب دورا مؤثرا في تخفيف حدة الاحتقان بين إيران والسعودية بما يحفظ المصالح العربية ويجنبها المخاطر المحدقة بها. إن لمصر مصالح مباشرة في تجنيب المنطقة خطر حرب واسعة وأشد ضراوة, فمن ناحية كانت الشام وما زالت محورا رئيسا في الأمن القومي المصري وأي تفكك لسورياوالعراق قد يزيد من مخاطر الإرهاب والحروب المذهبية والطائفية التي سريعا ما تنتقل وتنتشر في محيطها. في الوقت نفسه تعتبر مصر علاقتها مع السعودية وباقي دول الخليج إستراتيجية- باستثناء قطر- ولهذا فان لمصر مصلحة في التوصل إلي حلول سياسية في الملف السوري وكذلك الملف اليمني. إن حالة الفوضي المدمرة التي تمر بها المنطقة تفاقمت نتيجة تراجع الدور المصري الذي كان دائما عامل استقرار وتفاهم وجاء دخول لاعبين إقليميين مثل قطروتركياوإيران ليربك الأوضاع ويزيدها تفاقما خاصة مع طموح دويلة قطر لتلعب دورا يفوق قدرتها فراحت تساند جماعات إرهابية اشترت ولاءها بالمال, فإذا بها تزيد الأمور اضطرابا, كما شطحت أحلام أردوغان بعيدا في ظل هذا الفراغ الكبير; فتصور أن بمقدوره أن يعيد أمجاد تركيا العثمانية, بينما إيران توسع من نفوذها بهدوء أحيانا وبتدخل سافر أحيانا لتنافس صراع الهيمنة علي المنطقة وتأتي عودة مصر السيسي إلي المحيط العربي و الإقليمي لتعيد مناخا من العقلانية في إدارة الخلافات بما لا يجعلها تخرج عن السيطرة أو تسمح لجماعات إرهابية أو قوة دولية أن تواصل سياسة الفوضي المدمرة. هكذا أري الملفات الأساسية أمام الرئيس السيسي وأتابع تعامله الهادئ والفعال مع كل مفرداتها المتشابكة إلي حد التعقيد. من المؤكد ان مصر تمر بمرحلة دقيقة وخطيرة في ظل ما يدور حولنا وما يحدث من مؤامرات في الداخل, وكان من الممكن ان تكون المخاطر أشد بكثير لولا هذا التعامل الذكي والهادئ مع كل هذه التعقيدات وهو ما يجعلني متفائلا بأن مصر ستجتاز هذه المرحلة, لتكون أقوي وأكثر فاعلية وتحتل مكانتها اللائقة. إن الرئيس السيسي لا يتعامل بمبدأ المسكنات أو عمليات التجميل السطحية وهو ما بدا واضحا في تعامله مع عجز الموازنة, وتصديه لقرار خفض الدعم بكل شجاعة وثقة, وهو يعلم جيدا أن مثل هذه القرارات ستزيد الأعباء علي المواطن المصري, لكنه يراهن علي علاج حقيقي ربما يتطلب إجراء جراحات أو تعاطي أدوية مرة المذاق لفترة قد تطول لكن نتائجها ستكون إصلاحا حقيقيا وجذريا يعيد البناء علي أعمدة صلبة وإن تأخر مردودها لبعض الوقت.