سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تحيا مصرفي قلب الأمم المتحدة الخطاب الفصل
الرئيس أمام الأمم المتحدة: أقف أمامكم كواحد من أبناء شعب رفض الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين
القضية الفلسطينية علي رأس أولوياتنا رغم الأزمات التي تهدد منطقتنا
وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي خطابا تاريخيا, مساء أمس, أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة, أعاد من خلاله تقديم مصر الجديدة إلي العالم والتعريف بدورها في الدفاع عن قضايا أمتيها العربية والإسلامية, واضطلاعها بالحفاظ علي السلم والأمن الدوليين. وفيما يلي نص الخطاب: السيد الرئيس, يسرني في البداية أن أتقدم إليكم ولبلدكم الشقيق, بالتهنئة علي توليكم رئاسة الجمعية العامة لهذه الدورة, معربا عن ثقتنا في قيادتكم الحكيمة لأعمالها, ومساندتنا لكم في أداء مهامكم.. وأنتهز هذه الفرصة لتوجيه التحية لسلفكم لجهوده المتميزة كرئيس للدورة السابقة.. كما أجدد دعمنا الكامل للسكرتير العام في مساعيه لتحقيق مقاصد ميثاق الأممالمتحدة. أصحاب الجلالة والفخامة والسمو, السيدات والسادة, أقف أمامكم اليوم كواحد من أبناء مصر, مهد الحضارة الانسانية, ومن هذا المنبر أستهل حديثي بتوجيه التحية لشعب مصر العظيم, والمصريين القادمين من كل الولاياتالأمريكية, شعب مصر العظيم, الذي صنع التاريخ مرتين خلال الأعوام القليلة الماضية.. تارة عندما ثار ضد الفساد وسلطة الفرد, وطالب بحقه في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.. وتارة أخري, عندما تمسك بهويته, وتحصن بوطنيته فثار ضد الإقصاء, رافضا الرضوخ لطغيان فئة باسم الدين, وتفضيل مصالحها الضيقة علي مصالح الشعب. تلك بإيجاز شديد, معالم اللحظات الفارقة التي عاشتها مصر في الفترة الماضية, لكنها ليست إلا مرحلة من مسيرة ممتدة, بطول وباتساع آمال وتطلعات المصريين ليوم أفضل وغد أكثر ازدهارا. لقد بدأ العالم في إدراك حقيقة ما جري في مصر, وطبيعة الأوضاع التي دفعت الشعب المصري, بوعيه وحضارته, إلي الخروج منتفضا ضد قوي التطرف والظلام, التي ما لبثت أن وصلت إلي الحكم, حتي قوضت أسس العملية الديمقراطية ودولة المؤسسات, وسعت إلي فرض حالة من الاستقطاب لشق وحدة الشعب وصفه.. ولعل ما تشهده المنطقة حاليا, من تصاعد التطرف والعنف باسم الدين, يمثل دليلا علي الأهداف الحقيقية لتلك الجماعات التي تستغل الدين, وهو ما سبق لنا أن حذرنا منه مرارا وتكرارا. إن قيم العدل والمحبة والرحمة التي جاءت في اليهودية والمسيحية والإسلام قد تحولت علي يد تلك الجماعات إلي طائفية مقيتة وحروب أهلية وإقليمية مدمرة يقع ضحيتها أبرياء من أديان مختلفة. السيد الرئيس, السيدات والسادة, يدرك الشعب المصري, وأدرك من واقع المسئولية التي اتحملها منذ انتخابي رئيسا, أن تحقيق أهدافنا بدأ ببناء دولة مدنية ديمقراطية, في ظل المبادئ التي سعينا إليها من خلال الالتزام بخريطة المستقبل, التي توافقت عليها القوي الوطنية المصرية, والتي تكتمل بإجراء الانتخابات البرلمانية, بعد أن قال الشعب المصري كلمته, وعبر عن إرادته الحرة في الانتخابات الرئاسية, ومن قبلها الدستور, لنبني مصر الجديدة.. دولة تحترم الحقوق والحريات وتؤدي الواجبات, تضمن العيش المشترك لمواطنيها دون إقصاء أو تمييز.. دولة تحترم وتفرض سلطة القانون الذي يستوي أمامه الكافة, وتضمن حرية الرأي للجميع, وتكفل حرية العقيدة والعبادة لأبنائها.. دولة تسعي بإصرار لتحقيق النمو والازدهار, والانطلاق نحو مستقبل واعد يلبي طموحات شعبها. وفي إطار العمل علي تنفيذ ذلك, بدأت مصر في تنفيذ برنامج شامل طموح لدفع عملية التنمية حتي عام2030, يستهدف الوصول إلي اقتصاد سوق حر, قادر علي جذب الاستثمارات في بيئة أمنية مستقرة.. ولعل في مشروع قناة السويس الجديدة, هدية الشعب المصري إلي العالم, ما يؤكد جدية هذا التوجه, وعلي حرص مصر الجديدة علي بناء غد أفضل لأبنائنا وشبابنا, ولذا أدعوكم للمشاركة في المؤتمر الإقتصادي الذي سيعقد في مصر خلال شهر فبراير المقبل, من أجل تحقيق التنمية وبناء المستقبل, ليس لمصر فحسب, وإنما للمنطقة بأكملها. إن هذه الخطوات تعبر باختصار عن مضمون العقد الاجتماعي, الذي توافق عليه المصريون في دستورهم الجديد, لبناء حاضر ومستقبل مشرق لشبابنا, ولتأسيس دولة المؤسسات وسيادة القانون, التي تحترم القضاء, وتضمن استقلاله, وتفعل مبدأ الفصل بين السلطات دون تراجع أمام إرهاب يظن أن بمقدروه اختطاف الوطن وإخضاعه. ذلك الإرهاب الذي عانت مصر ويلاته منذ عشرينيات القرن الماضي, حين بدأت إرهاصات هذا الفكر البغيض تبث سمومها, مستترة برداء الدين للوصول إلي الحكم وتأسيس دولة الخلافة, اعتمادا علي العنف المسلح والإرهاب كسبيل لتحقيق أغراضها, وهو ما أفرز حفنة من المتطرفين ترتكب الفظائع باسم الدين.. وهنا أريد أن أؤكد, أنه لا ينبغي السماح لهؤلاء الإساءة للدين الإسلامي الحنيف, ولمليار ونصف المليار مسلم, الذين يتمسكون بقيمه السامية; فالدين أسمي وأقدس من أن يوضع موضع الاختبار في أية تجارب إنسانية, ليتم الحكم عليه بالنجاح أو الفشل. إن الإرهاب وباء لا يفرق في تفشيه بين مجتمع نام وآخر متقدم.. فالإرهابيون ينتمون إلي مجتمعات متباينة, لا تربطهم أية عقيدة دينية حقيقية, مما يحتم علينا جميعا, تكثيف التعاون والتنسيق, لتجفيف منابع الدعم الذي يتيح للتنظيمات الإرهابية مواصلة جرائمها, إعمالا لمبادئ ميثاق الأمم لمتحدة وتحقيقا لأهدافها. السيد الرئيس, السيدات والسادة, إن ما تعانيه منطقتنا من مشكلات ناجمة عن إفساح المجال لقوي التطرف المحلية والإقليمية, وحالة الاستقطاب إلي حد الانقسام والاقتتال, أضحي خطرا جسيما يهدد بقاء الدول ويبدد هويتها.. مما خلق للإرهاب وتنظيماته بيئة خصبة للتمدد وبسط النفوذ. ومن هذا المنطلق, فإن الأزمات التي تواجه بعض دول المنطقة, يمكن أن تجد سبيلا للحل يستند علي محورين رئيسيين, لدعم بناء الدولة القومية, يشمل الأول, تطبيق مبدأ المواطنة وسيادة القانون بناء علي عقد اجتماعي وتوافق وطني, مع توفير جميع الحقوق, لاسيما الحق في التنمية الشاملة, بما يحصن المجتمعات ضد الاستغلال والانسياق خلف الفكر المتطرف; أما المحور الثاني, فهو المواجهة الحاسمة لقوي التطرف والإرهاب, ولمحاولات فرض الرأي بالترويع والعنف, وإقصاء الآخر بالاستبعاد والتكفير. وقد طرحت مصر بالفعل, وبتوافق مع دول جوار ليبيا, مبادرة ترسم خطوات محددة وأفقا واضحا لإنهاء محنة هذا البلد الشقيق, يمكن البناء عليها للوصول إلي حل سياسي يدعم المؤسسات الليبية المنتخبة, ويسمح بالوصول إلي حل سياسي شامل, يضمن وقف الاقتتال ويحفظ وحدة الأراضي الليبية, وحتي يمكن تنفيذ ذلك, ينبغي وقف تهريب السلاح إلي ليبيا بشكل فعال, وعدم التساهل مع التيارات المتطرفة التي ترفع السلاح وتلجأ للعنف, ولا تعترف بالعملية الديمقراطية. وفي سوريا الشقيقة, وعلي الرغم من متابعتنا للوضع الإنساني المحزن, وما خلفته الأزمة السورية من دمار وضحايا أبرياء, فإنني أثق في إمكانية وضع إطار سياسي, يكفل تحقيق تطلعات شعبها, وبلا مهادنة للإرهاب أو استنساخ لأوضاع تمرد السوريون عليها.. وأود أن أؤكد, دعم مصر لتطلعات الشعب السوري في حياة آمنة, تضمن استقرار سوريا وتصون سلامتها الإقليمية, ووحدة شعبها وأراضيها. كما يمثل تشكيل حكومة جديدة في دولة العراق الشقيقة, وحصولها علي ثقة البرلمان تطورا مهما, يعيد الأمل في الانطلاق نحو تحسن الأوضاع في العراق, ونجاح المساعي الداخلية والخارجية الرامية إلي تحقيق الاستقرار, واستعادة المناطق التي وقعت تحت سيطرة تنظيم داعش الإرهابي, بهدف الحفاظ علي وحدة الأراضي العراقية, ووقف نزيف الدماء محققا تطلعات وآمال الشعب العراقي, ومساعيه لعودة الأمن والاستقرار للبلاد. وعلي الرغم من تعدد الأزمات التي تهدد منطقتنا, والتي تحدثت عن بعضها, تبقي القضية الفلسطينية علي رأس إهتمامات الدولة المصرية.. فمازال الفلسطينيون يطمحون لإقامة دولتهم المستقلة علي الأراضي المحتلة عام1967, وعاصمتها القدسالشرقية, تجسيدا للمبادئ نفسها التي بنيت عليها مسيرة السلام بمبادرة مصرية, منذ سبعينيات القرن الماضي, وهي مبادئ لا تخضع للمساومة, وإلا تآكلت أسس السلام الشامل في المنطقة, وضاعت قيم العدالة والإنسانية.. ويقينا, فإن استمرار حرمان شعب فلسطين من حقوقه, يوفر مدخلا لاستغلال قضيته لتأجيج أزمات أخري, ولتحقيق البعض لأغراض خفية, واختلاق المحاور التي تفتت النسيج العربي, وفرض الوصاية علي الفلسطينيين, بزعم تحقيق تطلعاتهم. ولا يمكن أن أغفل الإشارة إلي الاهتمام الذي توليه مصر لقضايا قارتها الافريقية. إن التضامن والإخاء الذي يجمع بين شعوبها, وأيضا التحديات المشتركة التي تواجهها, تفرض علينا العمل بمزيد من الجد ووضوح الرؤية لتحقيق طموحات شعوبنا, في الديمقراطية والتنمية, والحفاظ علي كرامة الفرد, وايلاء الاهتمام الواجب لشبابنا, وتطلعهم لمستقبل أكثر إشراقا, إن نجاحنا في ذلك هو ضمان مستقبل دولنا. وأدعو من هذا المنبر أن يتكاتف المجتمع الدولي, انطلاقا من إنسانيتنا المشتركة للتصدي لوباء الايبولا, الذي تتعرض له عدد من دول غرب إفريقيا. إن مكافحة هذا المرض هي مسئولية جماعية لرفع المعاناة عن غير القادرين, كذلك لتوفير الحماية لعالمنا الذي تنحسر المسافات فيما بين أرجائه بفضل طبيعة العصر وما بلغه من كثافة التواصل. السيد الرئيس, السيدات والسادة, إن ما سبق يضع مسئولية خاصة علي مصر, ودولتها القوية التي سبق لها مواجهة الإرهاب والتطرف في تسعينيات القرن الماضي, والتي أثق في نجاحها في اجتثاث جذور التطرف, بفضل هويتها الوطنية.. ومصر قادرة دوما, علي أن تكون منارة حضارية تدعم استعادة النظام الإقليمي لتماسكه.. ولن يتواني المصريون عن القيام بدورهم هذا, تجاه محيطهم, الذي يأتي في القلب منه, الأمن القومي العربي, والذي تعتبره مصر جزءا لا يتجزأ من أمنها القومي, بناء علي الانتماء المشترك, والمصير الواحد, وحرصا علي استقرار هذه المنطقة المهمة والحيوية للعالم. إن رؤية مصر للعلاقات الدولية, تقوم علي احترام مباديء القانون والمعاهدات والمواثيق الدولية, القائمة علي الاحترام المتبادل, ومراعاة المصالح المشتركة والمنفعة المتبادلة.. ومصر كما تعلمون من الدول المؤسسة لمنظمة الأممالمتحدة, وأسهمت بقوة ولا تزال, في جهود تحقيق أهدافها, خاصة في مجالات حفظ وبناء السلام وتحقيق التنمية.. ومن هنا; فإن تطلع مصر للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن لعامي2016 و2017, ينبع من حرصها علي توظيف عضويتها, لتحقيق مقاصد المنظمة ومصالح الدول النامية, لاسيما في إفريقيا, والمضي بجدية لإصلاح منظومة الأممالمتحدة, ضمن رؤية قوامها الندية والمساواة.. ولذا, فإنني أدعو الدول الأعضاء لدعم ترشح مصر لعضوية مجلس الأمن الدولي. السيد الرئيس, السيدات والسادة, نقلت إليكم وبكل تواضع, رسالة المصريين, نساؤهم قبل الرجال, وشبابهم قبل الشيوخ.. وهي رسالة تعبر عن الأمل وعن الإرادة والتصميم علي العمل, وعن الانفتاح للتعاون مع الجميع, لتخطي كل العقبات والصعاب.. مؤكدا أن شعب مصر بعد ثورتيه, بات المصدر الوحيد لما نتخذه من سياسات داخلية وخارجية, في إطار سعينا لتحقيق الاستقرار والتنمية.. تلك هي مصر التي استعادت ثقتها بنفسها.. مصر التي تعلي قيم القانون والحرية.. مصر بهويتها العربية وجذورها الافريقية, مهد حضارة المتوسط ومنارة الإسلام المعتدل.. مصر التي تصبو نحو تسوية الصراعات في منطقتها.. مصر التي ترنو إلي تحقيق قيم العدل والإنسانية في عالمها.. وإنني علي يقين من قدرة المصريين علي العطاء, فهي الميراث الذي خلفه أجدادنا, وهي معيننا الذي لا ينضب بإذن الله. تحيا مصر... وتحيا شعوب الأرض المحبة للسلام... وتحيا مباديء الإنسانية وقيم التسامح والتعايش المشترك والسلام عليكم ورحمة لله وبركاته.