حظى نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية (BOT) بأهمية كبيرة منذ أوائل القرن الحالى، نظراً لاتجاه معظم دول العالم خاصة النامية منها، إلى إعادة هيكلة اقتصادياتها القومية، والسعى وراء تحديث بنيتها الأساسية، ومحاولة تخفيف العبء المثقل به كاهل الموازنات الحكومية، بالإضافة إلى الرغبة الجادة فى توسيع مشاركة القطاع الخاص فى دعم الاقتصاد القومى بصورة جديدة. والاستفادة من قدراته فى مشروعات البنية الأساسية. فلقد أحدثت الثورة التكنولوجية الكثير من الضغوط على الحكومات للإسراع بتطبيق الجديد منها فى مشروعات البنية الأساسية الجديدة، وهو الأمر الذى لا طاقة للكثير من الدول به، بسبب محدودية قدرتها لمقابلة الاحتياجات المتدفقة المستقبلية، بالإضافة إلى ضآلة التمويل الحكومى أمام تلك المشروعات التى تستغرق الكثير من رءوس الأموال، ونظراً لما تتكبده الدول النامية من الديون الخارجية والفوائد المتراكمة عليها، نجدها تتجنب اللجوء إلى الاقتراض أو الاستدانة من العالم الخارجى حتى لا تزيد من عبء الدين العام عليها، ومن ثم تفضل اللجوء إلى الأساليب الحديثة فى تمويل مشروعات البنية الأساسية، التى تعد مسئولية إنشائها، وتشغيلها وصيانتها مسئولية أساسية يجب أن تضطلع بها الحكومات، ومن تلك الأساليب نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية.فلقد وجدت هذه الصيغة المناخ المواتى لتطورها فى الدول الغربية، فكان مولدها وتطبيقها المعاصر هناك، كما أن اسمها الذى تتناقله الأدبيات المعاصرة، مستلهماً من لغة أهل الأم، حيث سُمِّى بالBOT وهو كعادة الغرب اختصار لثلاث كلمات باللغة الإنجليزية هي: البناء (Building)، والتشغيل (Operating)، ونقل الملكية (Transferring)، ويعرف نظام البناء والتشغيل ونقل الملكية بانه نموذج أو تركيب، من شأنه أن يوكل للاستثمار الخاص تطوير البنية التحتية. ويركز التعريف علي: استخدام القطاع الخاص فى الاستثمار. أو أنه النظام الذى يتم بموجبه تمويل المشروعات الاستثمارية سواء كانت عامة أو خاصة، وإنشائها، وإدارتها، وصيانتها من قبل القطاع الخاص، الذى قد يكون شركة خاصة واحدة، أو عدة شركات خاصة محلية أو عالمية، تعمل من خلال شركة المشروع، التى تتعهد بإنشاء وتنفيذ، وإدارة، وصيانة المشروع لفترة زمنية معينة هى فترة الامتياز الممنوحة من قبل الدولة المضيفة، وتمكن هذه الفترة شركة المشروع من استرداد ما تكبدته من تكاليف فى المشروع، بالإضافة إلى تحقيق نسبة مرضية من الربح، بعدها تقوم شركة المشروع بنقل ملكية أصول المشروع للدولة المضيفة، وهى فى حالة جيدة دون قيد أو شرط". ولم يعد نظام BOT نظام حديث التطبيق فى عالم الاستثمار والتمويل.وقد يستخدم نظامBOT على انه أداة استثمارية، أو انه أداة تمويلية. فنجد الدولة المضيفة لمشروعات BOT تتعامل معه من منطلق انه نظام تمويلى يسد حاجتها للتمويل والتكنولوجيا والإدارة، بينما يتعامل معه الطرف الآخر المنفذ للمشروع أو الممول له على انه أداة استثمارية يرجى منه العوائد مستقبلية من شأنها إعادة رأس المال المستثمر بالإضافة إلى الأرباح المرجوة من الاستثمار.لذلك يعد نظام BOT صورتين لشئ واحد، أو وجهان لعملة واحدة.احدهما وجه استثمارى يقدم للاقتصاد قيمة حقيقية مضافة وآثار ايجابية مباشرة من خلال زيادة تشغيل العمالة والتأثير على ميزان المدفوعات، وتحقيق التسعير العادل للخدمات العامة، والاثر على سوق المال والتنمية المستدامة، ويقدم للمستثمر عائدا مجزيا، والوجه الآخر تمويلى يُعطى للممول عوائد تفوق مخاطر التمويل، ويؤمن له طرق استرداد رأس المال. كما يجب التفرقة بين نظام BOT كنظام إستثمارى تمويلى له آثار إيجابية على الاقتصاد، وبين الممارسات المنحرفة لتطبيقه والتى تتجسد وتظهر بصورة واضحة عندما تكون فترة الامتياز طويلة، تصل إلى 99 سنة الأمر الذى يظهر العديد من السلبيات منها: حرمان الدولة من الاستفادة بخير مواردها مدة طويلة من الزمن. بالإضافة إلى خروج الثروات الاقتصادية للخارج فى صورة مدفوعات للخارج. وأيضا ثغرة التجديد حيث نجد أن بند إمكانية تجديد حق الامتياز الذى قد يتواجد فى العديد من اتفاقيات BOT لمصلحة شركة المشروع يمثل ثغرة خطيرة لاستنزاف موارد الدولة دون مقابل، ذلك لأن السؤال الذى يطرح نفسه هو أن مقابل حق الامتياز الممنوح لأول مرة كان ذات المشروع وعينه، بينما لم يتم التطرق إلى المقابل الذى تحصل عليه الدولة من جراء منحها المستثمر فترة امتياز جديدة، وهل هذا التجديد يتم فى حالة توافر ظروف معينة فقط مثل عدم تمكن شركة المشروع من تغطية تكاليفها والأرباح المتوقعة خلال فترة الامتياز الأولى نتيجة لسوء تقديرات دراسة الجدوى؟ أم أنه يتم بناءا على رغبة المستثمر فى ذلك؟. واستفادة الشركة المنفذة للمشروع بإعادة استثمار العوائد فلو كانت العلاقة بين الشركة المنفذة والدولة المضيفة علاقة شراكة تستحق فيها الأخيرة حصة سنوية من الأرباح، وتمتنع عن تسلمها حتى نهاية فترة الامتياز لتحصل على ذات المشروع وأصله، فخلال هذه الفترة الطويلة تقوم الشركة المنفذة بإعادة استثمار هذه الحصة والتربح منها. كما ينبغى على الدولة ان تتوخى الأثار السلبية لهذا النظام ومنها، أثر التطور التقنى والتكنولوجى على المشروع خاصة فى الفترة القريبة لانتهاء حق الامتياز، فلن يتواجد دافع لدى شركة المشروع فى إحلال التكنولوجيا الجديدة المتطورة محل الأخرى ويتجسد ذلك بصورة ظاهرة عندما يتحقق للشركة المنفذة ما ترغبه من أرباح. وأيضا ضعف الناحية الأمنية بسبب خطورة ترك هذه المشروعات المهمة تحت أيدى أجنبية، الهدف الوحيد الذى يحكم آلية عملها هو تحقيق الأرباح الرأسمالية. وكذلك الآثار السلبية لفترات الامتياز طويلة المدى على الأجيال اللاحقة وحقوقها حيث أن فترة امتياز قدرها تسع وتسعون سنة تمثل ثلاثة أجيال مما يعنى حرمان ثلاثة أجيال من امتلاك المشروع. وأخيراً، عند إجراء مقارنة بين تكلفة نظام BOT الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية على الدولة مقابل حصول الدولة على قروض لإنجاز المشروع والاستعانة بإدارة محترفة تظهر أن تكلفة الBOT أعلى خاصة فى ظل الممارسات الحالية له فى التطبيق وضياع العدالة فى توزيع الحقوق بين الدولة والشركة المنفذة لمصلحة الأخيرة.