كان للغناء الشعبى أكبر الأثر فى مخاطبة الشعب وتشكيل وجدانه، والأغنية الشعبية هى تراثنا وحياتنا، كما أنها ثمرة جهد فنانين حقيقيين امتلكوا ناصية الالتزام والقيم والتقاليد، وحثوا على العمل والكفاح والحب من أجل أسرة صالحة ومجتمع نافع. الإحصاءات تؤكد أن معظم سكان مصر ينتمون إلى الطبقة الوسطى الشعبية، ولهذا يجوز لنا أن نطلق على معظم السكان "شعبيين". هذه النسبة لفتت أنظار أهل الغناء والطرب منذ زمن بعيد فقدموا لهم فنا أصيلا ارتكز على محاور ومرتكزات تمثل الموروث الشعبى لأبناء هذا الوطن. وقد حرص كبار مطربينا فى زمن الفن الجميل "بلا استثناء" على تقديم أغنيات شعبية مازالت محفورة فى الوجدان، فهذه شادية"مصر" تعبر عن قيم وأخلاقيات "ابنة الحارة المصرية" وهى تقول: "تشاورلى عشان أنزل أقابلك. ياخى بعدك بيتنا مهو جنبك " ، وبمنتهى الشجن تغنى كروان الشرق "فايزة أحمد" بيت العز، ياغالى عليا ياحبيبى ياخويا، ست الحبايب، ياتمر حنة، يامه القمر ع الباب"، ولا يفوت "الشحرورة" صباح تقديم أعمال شعبية بسيطة مثل "ع البساطة، الغاوى ينقط بطاقيته، سعيدة ليلتنا سعيدة، سلمولى على مصر"، الصوت الساحر"نجاة" لم تكن بمنأى عن هذا المضمار قدمت "أما براوة، ع اليادى، سمارة، عيون القلب"، أما سابق عصره محمد فوزى فمن منا لايذكر"تعب الهوى قلبى، شحات الغرام، ياولاد بلدنا"، وردة تتحفنا بسلسة أغنيات ذهبية منها "يانخلتين ف العلالي، وحشتوني، لولا الملامة، على عينى ياحبة عيني"، حتى أن كوكب الشرق أم كلثوم، والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ قد تنبها بذكائهما المعروف عنهما إلى هذا اللون الغنائى فقدمت الست "الفوازير لبيرم التونسي، ياصباح الخير ياللى معانا، ياليلة العيد"، وغنى حليم "على حسب وداد، سواح، جانا الهوي، الناجح يرفع ايده". أما اذا انتقلنا إلى أساطين الطرب الشعبى نجد محمد عبدالمطلب يصف معاناته اليومية لمجرد رؤية حبيبه ويقول: " ساكن فى حى السيدة. وحبيبى ساكن ف الحسين وعشان أنول كل الرضا. يوماتى اروحله مرتين. وعبدالغنى السيد يذكرنا دوما كلما سمعناه بقيم أصيلة انقرضت هذه الأيام، اذ يعاتب حبيبه قائلا له: ع الحلوة والمرة مش كنا متعاهدين ليه تنسى بالمرة عشرة بقالها سنين. وأغنيات محمد قنديل - صاحب أقوى صوت الغارقة فى الشعبية مثل "ياحلو صبح، أبوسمرة السكرة، جميل وأسمر، 3 سلامات، ع الدوار"، وعبدالعزيز محمود "عنابي، ياتاكسى الغرام، منديل الحلو"، وشفيق جلال "موال الصبر، أمونه، شيخ البلد"، محمد العزبى " بهية، فكهاني، الأقصر بلدنا"، ومحمد رشدى "كعب الغزال، وسع للنور، وهيبة، عدوية، ياعبدالله ياخويا سماح". الان فى زمن "البعارير" أنظر إلى خريطة هذا اللون الشعبى فأجد الغناء "غثاء"، فلا كلمات أصيلة تدعو إلى أخلاق طيبة، أومعان سامية، أولفظة عفيفة، تعبر عن مروءة وشهامة وجدعنة "أولاد البلد"، بل الموجود كله خارج عن السياق، سوقية وهبوط واسفاف، و"خبط ورزع وألغام موسيقية أشبه بالنهيق " أسموها ألحانا، وأنكر الأصوات وأكثرها قدرة على الصراخ و"التجعير" ، هذه التركيبة يتم مزجها فى خلطة رديئة الصنع فتخرج لنا خلاصة السطحية والنشاز والسفة والنزق، و"كوكتيل" الإيماءات والإيحاءات على شاكلة: الو. ايوة ياحبيبي. أنت واحشنى أوى. أنا قاعدة مستنياك لوحدى. مش هتيجي. مش هروح! آه يبت ياخيبة أعصابك سايبة أو" القصيدة العصماء" اديك.فى الأرض تفحر. اديك.فى السقف تمحر وأسمع سيمفونية الست بوسي: انا مارلين مونرو الاغراء على ابوه اى دكر اجيب بوزة وبوز اللى جابوه وهى نفسها التى أتحفتنا من قبل وقالت: حط إيده ياه. على إيدى ياه بيقولى هاتى بوسة. يامصيبتى يادى الحوسة الواد فاكرها كوسة. أديله ولا ايه؟! أما أوكا وأورتيجا فرسان التدنى الغنائى فاسمع لهما: الوسادة الخالية تعبت منى يا غالية بت هاتى حتة يا بت. بت هاتى بوسة يا بت هل من رقيب. هل من مغيث. يرحم أسماعنا من هذا الغثاء، وينقذ أجيالا يتم القضاء على مشاعرهم، وذوقهم الفنى، وأخلاقياتهم على أيدى حفنة من مدعى الفن.