بين يوم وليلة تغيرت التحركات الأمريكية- الأوروبية من حالة الصمت والترقب تجاه تهديدات التنظيمات المسلحة فى العراق وسوريا إلى حركة بطيئة مترددة ترفع شعار التحالف لمواجهة الخطر القادم. المتتبع لهذا التحول يمكنه أن يلحظ جليا أنه جاء بعد تحرك عربى استشعر مبكرا ما تمثله هذه التنظيمات من تهديدات جسيمة على دول العالم بلا استثناء فقد شهدت الساحة العربية جهودا فاعلة تقودها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية ودولة البحرين استكمالا لمساع كويتية استهدفت بالأساس تهيئة الأجواء لتصفية الخلافات مع دولة قطر، وتوجت هذه الجهود بالاجتماع الخماسى لوزراء خارجية السعودية- مصر قطر- الإمارات- ومستشار وزير خارجية الأردن لتنتقل معها أهداف تنقية الأجواء إلى مسارات دفع الشرور والمخاطر، فالمفاوضات التى دارت فى الاجتماع الخماسى تطرقت إلى تكوين محور عربى جديد يضم مصر مع دول مجلس التعاون الخليجى ليصبح مظلة دفاع وحماية عن المصالح العربية ضد المخاطر الجسيمة التى تحيق بها. ربما يعتقد البعض أن هذا المحور العربى لن يكون ذات فاعلية فى ظل الخطوات التى تقوم بها أمريكا حاليا لتأسيس تحالف دولى يواجه خطر هذه التنظيمات إلا أن حقيقة الأمر تؤكد أن المحور العربى يمثل السبيل الوحيد لمواجهة هذا التحدى خاصة أن هذه التحركات انطلقت من قاعدة إعادة ترتيب الأولويات وفقا للمصالح الإستراتيجية لدول العالم العربى كما أن الموقف الذى تتبناه واشنطن لتشكيل تحالف دولى لمواجهة داعش لم يزل قيد التصريحات دون الفعل على أرض الواقع وهو يعتمد بالأساس منهج الدعم والمساندة لجهود دول المنظمة وليس التدخل والمواجهة حيث خرجت تصريحات أمريكية تشير إلى أن الولاياتالمتحدة لن تعود إلى العراق وأنها لن ترسل قوات برية إلى المنطقة وكذلك التصريحات التى صدرت عن القمة الأوروبية التى عقدت فى بروكسل 30 أغسطس والتى أكدت أهمية أن يكون هناك تحرك منسق لدول المنطقة لمواجهة تعديات داعش مما يؤكد أن دول أمريكا وأوروبا لن يتحملوا مسئولية محاربة الإرهاب على ارض العرب لأنهم معنيون بالأساس بمحاربته على أرضهم ولكنهم سوف يدعمون الجهود الإقليمية لمواجهته باعتبار ذلك خط الدفاع الأول عن بلادهم، وبالتالى فإذا قدر لهذا التحالف أن يرى النور فمن المرجح انه سيكون فى الإطار العربى الإقليمى بدعم أمريكى أوروبى وهو ما يعنى أن الانطلاقة لابد أن تكون عربية وأن الخطوات التى بدأت دول الخليج ومصر فى اتخاذها يجب أن تستمر وتتجه إلى آفاق أكثر عمقا ليصبح هذا المحور مشاركا فى صناعة الأحداث أو إعادة توجيهها ووضع سيناريوهات التعامل مع التطورات السريعة على أرض الرافدين وسوريا. القصد من ذلك ليس تسليح الجيوش واجتياز حدود العراق وسوريا وإنما التأكيد على امتلاك هذا المحور العربى زمام المبادرة فالخطر داهم حقا والتحدى ليس بالهين ويخطئ من يحصر التهديدات التى تواجه عالمنا العربى فى داعش أو القاعدة فقط فهذه مجرد مقدمة لمخاطر وتحديات عديدة يموج بها العالم كله وتنذر بإعادة رسم الخريطة السياسية والاقتصادية العالمية ومن ثم فإن هناك ضرورة ملحة لتأسيس موقف عربى مشترك وموحد يكون قادرا على توقع ما سوف تؤول إليه التحركات الغربيةوالأمريكية بحيث لا يتم استدراجنا إلى معركة لا نمتلك آليات إنهائها أو تعديل مساراتها. المحور العربى الذى يتشكل بنيانه حاليا لا يجب أن يقتصر على توحيد الرؤى والجهود لمواجهة التنظيمات المسلحة ولكنه يجب أن يكون النواة الرئيسية لإعادة إحياء آمال الشعوب العربية فى تحقيق حلم التكامل العربى هذا الحلم الذى تجاوز عمره ستين عاما دون أن يرى النور وأدت الخلافات العربية تجاه بعض القضايا الدولية إلى دخوله مرحلة الغيبوبة رغم إيمان قادة وشعوب الدول العربية بأهميته الإستراتيجية للأمة فالاقتصاد والسياسة وجهان لعملة. إحياء حلم التكامل الإقتصادى العربى ليس شرطاً أن يتم وفقاً للأطر التقليدية لمفهوم التكامل وبما يترتب عليها من توحيد للعملة أو إزالة الحواجز الجمركية بين الدول على غرار تجربة الاتحاد الأوروبى ولكن يكفى ان يكون محققا لموقف إقتصادى عربى تجاه القضايا والمتغيرات التى يموج بها العالم والتى سيكون لها آثار عديدة على الاقتصاد العربى دون استثناء حيث لا يخفى على أحد أن الاقتصاد الأوروبى وكذلك الأمريكى يواجهان ضغوطا اقتصادية حاكمة أعتقد أن الفرصة مواتية ليكون المحور العربى الجديد طريقا لإعادة اكتشافات مواطن قوتنا وعلاج نقاط الضعف بها وإذا كان عالمنا العربى يواجه أزمات ليست بسيطة فهل يمكن أن نخرج من هذه الأزمات بنجاحات تعتمد على إعلاء المصالح الإستراتيجية المشتركة فوق اى اختلافات فى المواقف تجاه بعض القضايا العارضة؟