تثار العديد من التساؤلات حول الملاح المحتملة لشكل البرلمان القادم, وما إذا كانت الانتخابات البرلمانية ستفضي إلي مؤسسة تشريعية ذات تركيبة تعبر عن تيار مدني متجانس. أم تجمع بين شخصيات يعبرون عن اتجاهات مختلفة متصارعة, وبالتالي ينعكس ذلك علي طبيعة أدائها العام؟ وهل يمكن أن تحدد التحالفات الحالية التي تتغير بين حين وآخر شكل البرلمان المقبل, أم أن التنبؤ بشكل البرلمان القادم يحتاج إلي عدة شهور قادمة تكون كافية لاستقرار التحالفات الانتخابية المتغيرة الحجم بين حين وآخر؟. حدود استقرار التحالفات الحزبية: يشكل مدي استقرار التحالفات الحزبية المتغير الأهم الذي ربما سيحدد الملاح المحتملة لشكل البرلمان القادم, خاصة أن الأحزاب التي نشأت قبل ثورة25 يناير أو بعدها سواء كانت أحزابا مدنية أم ذات مرجعيات دينية تعاني جميعها من معضلة حقيقية تتمثل في افتقاد كل منها شيئا ما ضروريا للفوز في الانتخابات القادمة, لذا فهي تبحث عن حليف يعوضها ما تفقده من جوانب نقص. وهو الأمر الذي كان له تأثيرة المباشر علي تفشي ظاهرة الدخول والخروج من التحالفات بشكل مستمر بحثا عن هذا الهدف. وهو العنصر الحاسم الذي أسهم في جعل التحالفات غير مستقرة وقابلة للتصدع في نماذج متعددة. أحزاب ماقبل25 يناير: لايمكن القول إن ثمة تحالفات نقية تتشكل فقط من الأحزاب التي نشأت قبل ثورة25 يناير, وإنما الواقع يكشف عن تبلور تحالفات تسعي أحزاب من هذه الفئة لقيادتها, ويأتي في مقدمتها حزب الوفد الذي يسعي لتشكيل تحالف الوفد المصري ليضم أحزاب: التجمع, والمحافظين, والاصلاح والتنمية, والوعي, إلي جانب تيار الشراكة الوطنية. ويعتد القائمون علي التحالف الذي مازال في طور التشكيل, بعراقة الحزب, ودوره في قيادة الحركة الليبرالية المصرية, برغم أن البعض يري أن أداء الحزب يتسم بالمحدودية, وافتقاده للتفاعل مع القضايا الجماهيرية الملحة, وأنه ظل معارضة مستأنسة خلال حكم الرئيس المعزول حسني مبارك. ويبدو أن المعضلة الحقيقية التي تواجه تحالف الوفد المصري تتمثل في وجود مكونات حزبية غير متجانسه, مثل: الوفد( الليبرالي), والتجمع( اليساري). كما يعاني من نفس المعضلة أيضا تحالف العدالة الاجتماعية الذي تقوده الأحزاب الناصرية, والذي يضم أحزابا ليبرالية, وهو مايعني إجمالا احتمالية عدم استقرار مثل هذه التحالفات, لاسيما أن البرامج الانتخابية لمكوناتها تخاطب جماهير ذات مرجعيات أيديولوجية غير متجانسة. أحزاب مابعد25 يناير: يمكن تصنيف الأحزاب السياسية التي تشكلت بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير إلي مستويين أساسيين: الأول: أحزاب لديها قواعد شعبية, وشبكات اجتماعية, قادرة علي الحشد والتعبئة, إلا أن البعض يعتبرها وريثة الحزب الوطني, وأن قواعدها الشعبية تأتي من الأوساط الاجتماعية التي طالما ناصرته, وهي الأحزاب المنضوية تحت لواء تحالف الجبهة المصرية الذي يضم العديد من الأحزاب, أبرزها: الحركة الوطنية, والمؤتمر, ومصر بلدي, وقد تجلت فاعلية أعضاء هذه الأحزاب قبل تشكيلها في الحشد بوضوح خلال الانتخابات الرئاسية2012, عندما نجحت في الحشد والتعبئة للفريق أحمد شفيق, مايعكس قدرتها علي إعادة حشد الناخبين لمرشحيها خلال الانتخابات البرلمانية القادمة, وبرغم مايواجه تحالف الجبهة من تحديات مثل توجيه الانتقادات إليه بوجود رموز من الحزب الوطني وشخصيات تحسب علي نظام مبارك ضمن قوائمه, فإنه يعد من أكثر التحالفات استقرارا, لا سيما أنه يخاطب شرائح اجتماعية بعينها, ويقدم برنامجا انتخابيا محدد الملامح, فضلا عن امتلاكه موارد مالية ضخمة, وخبرات انتخابية سابقة لبعض كوادره, أما المستوي الثاني فيتشكل من الأحزاب النخبوية, وهي تلك الأحزاب التي تبنت شعارات ثورة25 يناير البراقة في, العيش والحرية والعدالة الاجتماعية], وأبرزها أحزاب: المصري الديمقراطي الاجتماعي, والدستور, والعدل, والمصريين الأحرار. وبرغم أن الأخير نجح في الاندماج الحزبي مع حزب الجبهة الديمقراطية, وفي ظل امتلاكه موارد مالية منحته مركزا تفاوضيا قويا مع التحالفات الانتخابية الجارية, فإن افتقاده لقواعد اجتماعية وجماهيرية ستكون محددا مؤثرا علي مدي استقرار الائتلاف الذي يسعي إلي قيادته للوصول إلي البرلمان. الأحزاب ذات المرجعيات الدينية: شكلت ثورة30 يونيو نقطة تحول فارقة في مسيرة الأحزاب ذات المرجعيات الدينية, لاسيما بعد الرفض المجتمعي لمحاولات حزب الحرية والعدالة والأحزاب التي دارت في فلكه لتوظيف الشعارات الدينية لتحقيق مكاسب سياسية انتهازية بهدف تنفيذ مشروع التمكين. وهو ما أدي إلي أن يحظر الدستور الجديد إنشاء الأحزاب علي أسس دينية. ومع إعلان عدد من الأحزاب صراحة قرارها خوض الانتخابات البرلمانية القادمة. ومنها حزبا: النور, ومصر القوية, فإن قرار المحكمة الإدارية العليا بحل حزب الحرية والعدالة, سيضع مثل هذه الأحزاب في مأزق ربما سيدفعها إلي تبني وسيلتين للوصول إلي مقاعد البرلمان القادم. الأولي: تكييف أوضاعها القانونية, وتعديل مواثيقها وأهدافها بما يتماشي مع الدستور الجديد, وهو ماسيتيح لها خوض الانتخابات البرلمانية القادمة بصورة مشروعه. أما الوسيلة الثانية وفي حال تطبيق قرار الحل علي باقي الأحزاب المشابهة لوضعية حزب الحرية والعدالة: فمن المرجع أن تتجه هذه الكيانات نحول التسلل إلي قوائم الأحزاب الأخري, فضلا عن خوض المنافسة علي مقاعد الفردي عبر مرشحين مغمورين أو خلال نائمة غير معروفة. ملامح محتملة: مابين الأحزاب الوريثة للحزب الوطني, والأحزاب ذات المرجعيات الدينية وقدرتهما علي الحشد والتعبئة, وامتلاكهما موارد مالية وخبرات انتخابية سابقة, والأحزاب التي تشكلت بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير ونخبويتها وافتقادها للوقاعد الجماهيرية ستظل ملامح البرلمان القادم غير محددة المعالم, ومضطربة, وربما أسيرة للصفقات والتحالفات الانتخابية, لاسيما بعد فشل التيار المدني في تدشين تحالف للم شمل الأحزاب المدنية لخوض واحدة من الانتخابات المصيرية بقائمة موحدة علي المقاعد المخصصة للفردي والقائمة. لذا فمن المرجح أن تستقر التحالفات الانتخابية في غضون ثلاثة أشهر علي أقصي تقدير, وبعدها يمكن تحديد ملامح مجلس النواب, خاصة أن هناك إمكانية لوصول معظم التيارات السياسية سواء الليبرالية أو الناصرية أو حتي الإسلامية, فضلا عن التيارات الشبابية, وسيظل المحدد الأهم الذي ينعكس علي أداء البرلمان هو مدي قدرة أي من هذه التيارات علي الدخول في ائتلاف يمكنها من حيازة الأكثرية البرلمانية حتي يتسني له تشكيل الحكومة, وفق القواعد الدستورية, وهو الأمر الذي بلا شك حال تحقيقة سينعكس علي الاستقرار المؤسسي بشكل كبير. أحد برامج المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية