الاجتهاد من الأدلة الكثيرة الدمغة علي صلاحية الاسلام كدين سماوي لكل زمان ومكان, ويكون الاجتهاد وسيلة لحل المشكلات والقضايا التي تطرأ علي المجتمع الاسلامي وفقا للكتاب والسنة لأن الاسلام يهدف في النهاية إلي تحقيق السعادة للانسان في حياته سواء في الدنيا أو الآخرة, غير أن واقع المجتمعات الاسلامية يؤكد أن الاجتهاد غائب عنه. حول معني الاجتهاد ومدي حاجة المجتمع له وشروط المجتهد ومعوقات الاجتهاد كان لنا هذا التحقيق. في البداية تؤكد الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر أن باب الاجتهاد مفتوح منذ عهد النبي صلي الله عليه وسلم ولم يغلق إلا في فترة اثناء القرن الرابع الهجري, غير أن السؤال الذي يطرح نفسه الآن أين هم المجتهدون؟ وحتي نوفي القول بأن الاسلام صالح لكل زمان ومكان, وحتي نطبق قوله صلي الله عليه وسلم يبعث الله علي رأس كل مائة عام لهذ الأمة من يجدد دينها, إذا نحن أمام عدة قضايا حيوية, ومهمة ملقاة علي عاتق المسلمين وهي مسئولية خطيرة تتمثل في أن المستجدات كل يوم في شأن والعقل المعاصر لايواكب تلك المستجدات, وكل ما يفعله أن يقف أمام التراث الموروث. ويشير إلي أن المجتمع الاسلامي يحتاج إلي المجتهد الذي يعطي اجتهاده لقضايا عصره مثلما كان يفعل الأئمة الأربعة فليس لدينا هذا المجتهد بهذا المعني, ولذلك ظهرت منذ عدة عقود لسد هذا العجز المعاصر المجامع الفقهية والتي انتشرت في بلادنا سواء في المشرق العربي أو المغرب العربي, ولكن حتي هذه المجامع لايضطلع علماؤها بالدور الذي كان يقوم به الأئمة الأربعة في أزمانهم مما يعني أن هناك معضلة حقيقية, فهناك المتربصون بالتراث وكأنه هو الذي يؤذي هذا العصر, وهناك من يقدس التراث الصحيح والضعيف منه, وهو بيت القصيد الذي تراه في الآونة الأخيرة ما بين متربص ومهاجم وما بين مقدس ورافض. ويقول الدكتور محمد الدسوقي أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة أن المشكلة الحقيقية في الاجتهاد الذي فتح بابه منذ عهد الرسول صلي الله عليه وسلم هي من الذي يحق له الاجتهاد؟ فليس أي انسان له أن يجتهد في الدين, وهو ما يكشف أن المسلمين في حاجة إلي متخصصين دارسين يستطيعون دخول ميدان الاجتهاد, وهذا الامام الشاطبي له كتاب الموافقات في بيان المقاصد حيث يوضح فيه من هذه المقاصد أن يكون المجتهد علي دراية واعية بظروف البيئة التي يجتهد فيها فلا يغفل عن مشكلات وأقضية محيطة, لأن الهدف من الاجتهاد هو معالجة المشكلات والقضايا, وقد يختلف العلاج من بيئة إلي أخري, ولذلك قرر الفقهاء أنه لاينكر تغيير الفتوي بتعيير الزمان والمكان, فإذا كانت هناك قضية في الماضي ولها حكم, قد يتغير هذا الحكم في العصر الحالي, مما يؤكد علي أن الاجتهاد يحقق صلاحية الاسلام في كل زمانا ومكان, غير أن المشكلة في عصرنا الحاصر أن بعض المجتهدين أو الذين يقومون بالفتيا ثقافتهم ضعيفة وغير متعمقين في تخصصاتهم, وحتي تكون الفتوي معقولة ومقبولة وصالحة للنطق بها لأنه لا عبرة بكلام لايعرف سبيله إلي العمل به لقوله تعالي يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وهذا هو الخطأ, فالاسلام دين الحياة المتجددة التي تكفل للانسان كرامته وسيادته في الدنيا والآخرة, غير أن أدعياء الاجتهاد هم الذين يسيئون للاجتهاد والإسلام, بالاضافة إلي أن بعض الذين يحرفون الكلم عن مواضعه بسبب الأهواء والرغبات الخاصة فيسيئون للاجتهاد, والواقع الحالي يشهد بذلك فتعارص الفتاوي واتهام البعض للآخرين بتهم غير مقبول.. و الاسلام يحذر من ذلك والرسول صلي الله عليه وسلم يقول إذا رأيت من أخيك أمرا يحتمل99% كفرا ويحتمل1% خير فقط فاحمله علي الخير لحسن الظن بالمسلم. ويري الدسوقي أن المشكلة الحقيقية تتمثل في الأمية الدينية, فلدينا مشاعر إسلامية لكن لايوجد لدينا فقها بأحكام الدين الصحيح لقوله صلي اله عليه وسلم من يرد الله به خيرا يفقه في الدين, وليس معني هذا الحديث أن يتحول كل المسلمين إلي فقهاء ولكن من يبحث عن إجابة لسؤال سرعي يجد العالم المتخصص لقوله تعالي: فأسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون. ويقول الشيخ محمد فايد امام وخطيب بأوقاف الاسكندرية ان الاجتهاد هو بذل الفقيه أقصي الوسع في استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية, علما بأن الأدلة التي يجتهد فيها هي القرآن والسنة ومجال الاجتهاد يكون في كل حكم شرعي ليس فيه دليل قاطع, فقد ورد عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه كان يجتهد في شئون الحياة المختلة ويري فيها رأيا, فإذا تبين له أن المصلحة تتطلب غير ما رأي رجع صلي الله عليه وسلم عن رأيه وفعل ماهو خير كما حدث في يوم بدر لما أراد أن يعسكر بجيشه في مكان ما فأشار عليه الحباب بن المنذر بأن يعسكر عند ما بدر منه فنزل صلي الله عليه وسلم علي رأيه, وقوله صلي الله عليه وسلم لقوم يلقحون النخل لو لم تلقحوا لصلح فخرج شيصا ثم مر بهم صلي الله عليه وسلم وسألهم ما لنخلكم؟ فقال قلت كذا وكذا فقال صلي الله عليه وسلم: أنتم أعلم بأمور دنياكم. وفي رواية: وإنما أنا بشر إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر مما يؤكد أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد فرق بين ما هو وحي من الله عز وجل لا يصح للمسلمين أن يتجاهلوه أو يميلوا عنه إلي غيره وبين ماهو من اجتهاده ورأيه في الشئون الدنيوية وهذا متروك للمسلمين الأخذ به أو تركه إذا تبين لهم أنه أصلح مما يؤكد أيضا أن الثوابت التي جاءت في الاسلام من كتاب وسنة لايجوز لأحد أن يضعها خلف ظهره, بل عليه أن يسلم بكل ما جاء فيها. وحذر فايد ممن يجهلون بالدين الذين يحكمون عقولهم في نصوص الشرع ويعرضون النصوص من الكتاب والسنة علي عقولهم, فإن وافقت عقولهم أخذوا بها. وإن لم توافق عقولهم تركوها, مؤكدا مايترتب علي ذلك من خطر عظيم لاسيما إذا كان لهم منابر يوصلون أفكارهم من خلالها إلي العوام فيغررون بهم يوقعوهم في فخاخهم. ما المسائل الجديدة التي تقع وغيرها من الأحداث المتتالية التي لايجد العالم فيها نصا قاطعا في الكتاب والسنة فعليه أن يجتهد في استخراج حكمه, فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد. غير أن المجتهد لابد وأن يكون مسلما مكلفا أي بالغا عاقلا حتي يتمكن من فهم النصوص والاستنباط منها, بالاضافة لكونه عادلا فلا تقبل فتوي الفاسق ويجب أيضا علمه بالحديث والتفسير وعلومهما والمامه بالسنة باعتبارها المصدر الثاني للتشريع وهي الشارحة للقرآن, وكذلك معرفته باللغة العربية وأصولها وأصول الفقه من أدلة إجمالية وقواعد عامة وضوابط وشروط وضعها أهل هذا العلم, فضلا عن معرفته لأحوال عصره وظروف مجتمعه الذي يعيش فيه ليتمكن بذلك من تكييف الوقائع التي يجتهد في استنباط أحكام لها فيأتي حكمه عليها سليما وفهمه لها صحيحا.