إن التنمية لا تحدث في فراغ, فالتنمية تحدث ضمن مضمون محدد للمجتمع واستجابة لظروف مجتمع بعينه. وهي تؤثر علي جميع جوانب المجتمع, كما أنه من المفترض إن تسهم جميع جوانب المجتمع في عملية التنمية. هذا ويؤثر النمو الاقتصادي والتحول التكنولوجي علي العلاقات الإنسانية والهياكل المجتمعية والقيم وأساليب الحياة في المجتمع. كما إن تنمية الموارد الطبيعية بالإضافة إلي الموارد الاجتماعية والبشرية تجعل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية أكثر تواؤما وتسهل الاندماج والتجانس الاجتماعي وتوفر أساسا صلبا ومرنا من اجل تحقيق التقدم طويل الأجل. و الظروف الاجتماعية القائمة هي نقطة البداية لجهود التنمية فهي تحدد إلي درجة كبيرة أولوياتها واتجاهاتها. إن النمو الاقتصادي هو بمثابة مفهوم يتصل بتنامي أو( تدهور) قدرة المجتمع علي توفير الأسس المادية للوجود الإنساني والاجتماعي. ويعرف النمو الاقتصادي باعتباره معدل التغيير في قدرة( طاقة) أي نظام اقتصادي علي إنتاج سلع وخدمات للوفاء بمتطلبات الاستهلاك والاستثمار للمواطنين. وهو يتصل بمعدل التغيير في معدل الإنتاج لمجتمع معبرا عنه بالناتج القومي الإجمالي عبر فترة زمنية محددة( سنة ميلادية عادة).وطبقا للفهم الذي تحققت له السيادة مع نهاية الخمسينات, فإن الدول الأقل نموا سوف تتقدم فقط إذا ما اكتسبت سمات الدول الصناعية الغنية والتي توفر بالتالي الأصول المنهجية للتنمية. وهي تقرر أن التنمية تحدث علي مراحل متعاقبة مستقلة عن الظروف التاريخية والثقافية القائمة في الدولة. كما أن عملية التنمية هي في جوهرها عملية خطية للتحديث ويجب علي الدولة أن تهدف إلي ضغط هذه العملية إلي أقصر أمد زمني. وقد افترض( روستو) عدد من المراحل للتنمية أولها المجتمع التقليدي: حيث المجتمعات التقليدية هي التي تكون فيها أساليب الإنتاج بدائية إلي حد كبير. والإبداع نادر, ويعمل أغلب الناس في الزراعة والأعمال المتصلة بها فترة ما قبل الانطلاق وهي مصحوبة ببعض من التغييرات العقائدية والمؤسساتية والتي يتم من خلالها بناء البديل العصري للمجتمع التقليدي. ومرحلة الانطلاق وهي الفترة من الوقت الذي تلاقت فيه كل الأشياء مع بعضها البعض, حيث تم التغلب نهائيا علي كل العقبات والمقاومات القديمة المانعة للنمو المتواصل. وتتميز بتزايد سريع للغاية للنشاط الاقتصادي الذي يتم تغذيته عن طريق ازدهار مفاجئ من المدخرات والاستثمارات والتغييرات التكنولوجية الجذرية وظهور طبقة من المبادرين الذين يقدمون علي المشروعات حيث تتحسن الإنتاجية الزراعية وتبدأ الموارد بما فيها السكان تتجه إلي الأنشطة الصناعية في المدن. ثم الاندفاع نحو طريق النضوج, ويميز هذا النضوج الفترة التالية للانطلاق والتي صار التصنيع فيها صلب العود في صناعات بعينها أو في قطاعات رائدة وتمثل عصر الاستهلاك الجماهيري. وبمجرد بلوغ النضوج تتواجد احتمالات توسعة الاستهلاك إلي ما وراء ضرورات الحياة الأساسية مثل الغذاء والكساء والمأوي من خلال استخدام الفائض لتخفيف التوتر الاجتماعي المصاحب للعمل والإنتاج. كانت تلك هي الخطوط العريضة للنظرية العامة في التنمية الاقتصادية. أما مفهوم التنمية: فإنه يعني ضمن ما يعني غالبا-محاولات الرقي الإيجابي بمستوي مجتمع أو شعب ما, ليكون في مستوي من القوة, يضارع أو يشابه أمثالا من الشعوب الأخري المعاصرة له. وللتنمية أربعة أبعاد: تنمية اقتصادية وتنمية اجتماعية وتنمية سياسية وتنمية أمنية. وتلك بمثابة المجالات الأربعة للحياة العامة. ولابد عند الشروع في التنمية من العمل في كل تلك المجالات الأربعة( المترابطة مجتمعة).وضرورة إحداث توازن فيما بينها. فالتنمية الاقتصادية لابد أن يصاحبها تنمية اجتماعية, وسياسية وأمنية ملائمة, وإلا اختل التوازن وتعثرت التنمية. وفي أغلب الحالات لا يمكن الشروع في التنمية الاقتصادية المتكاملة والاجتماعية الشاملة دون أن يلازم ذلك تنمية سياسية ملائمة علي اعتبار أن بالإمكان إدراج مجال الأمن ضمن مجال السياسة. أما مفهوم التنمية البشرية المستدامة: فهو يعني إدارة النظام الاقتصادي بحيث يعيش المجتمع علي عائد الموارد مع الحفاظ علي الموارد ذاتها وتحسينها. أي أنها تؤدي إلي تحقيق رفاهية للمجتمع لا تتناقص بمرور الزمن. وبمعني آخر عدم إشباع حاجات الحاضر علي حساب المستقبل أو الجيل الحالي خصما من حاجات الأجيال القادمة. فهي تتعلق بالعدالة بين الأجيال, وحق الأجيال القادمة في التمتع بمستوي معيشة لا يقل عن المستوي الحالي علي الأقل إن لم يكن أفضل منه. ويعتبر تدخل الدولة أمرا مهما لحياة الجيل الحالي وللأجيال القادمة أيضا. وتشير الدراسات الحديثة إلي الأثر الكبير الذي يحدثه تحسن التعليم والصحة والغذاء في توليد النمو الاقتصادي. وكذلك علي أهمية العنصر البشري كمحرك رئيسي للتقدم والتنمية البشرية هي بمثابة عملية توسيع اختيارات الشعوب والمستهدف بهذا هو أن يتمتع الإنسان بمستوي مرتفع من الدخل وبحياة طويلة وصحية بجانب تنمية القدرات الإنسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم. ففي عام1991 صدر تقرير التنمية والذي أكد ان التنمية البشرية لا تؤدي مهامها بدون أن يكون هناك نموا اقتصاديا مصاحبا وإلا لن يكون هناك تحقيق في تحسن في الأحوال البشرية عموما. وفي عام1994 صدر تقرير التنمية من الأممالمتحدةالذي اوضح ان التنمية البشرية هي نموذج من نماذج التنمية والتي من خلالها يمكن لجميع الأشخاص من توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلي اقصي حد ممكن وتوظيفها أفضل توظيف في جميع الميادين. وهو يحمي كذلك خيارات الأجيال التي لم تولد بعد. ويخلص التقرير إلي أن التنمية المستدامة تعالج الإنصاف داخل الجيل الواحد وبين الأجيال المتعاقبة. وقد بدأ مفهوم التنمية البشرية يتضح عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية الحرب العالمية الثانية وخروج البلدان التي شاركت في الحرب مصدومة من الدمار البشري والاقتصادي الهائل خاصة الدول الخاسرة. فبدأ بعدها تطور مفهوم التنمية الاقتصادية و واكبها ظهور التنمية البشرية لسرعة إنجاز التنمية لتحقيق سرعة الخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه بسبب الحروب. ومن هذا التاريخ بدأت الأممالمتحدة تنتهج سياسة التنمية البشرية مع الدول الفقيرة لمساعدتها في الخروج من حالة الفقر التي تعاني منها. وقد تطور مفهوم التنمية البشرية ليشمل مجالات عديدة منها:التنمية الإدارية والسياسية والثقافية, ويكون الإنسان هو القاسم المشترك في جميع المجالات السابقة. ولهذا فتطور البنيةالإدارية والسياسية والثقافية له مردود علي عملية التنمية الفردية من حيث تطوير أنماط المهارات والقيم والمشاركة الفعالة للإنسان في عملية التنمية إلي جانب الانتفاع بها. وعلي هذا يمثل منهج التنمية البشرية الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها المخططون وصانعو القرار لتهيئة الظروف الملائمة لإحداث التنمية الاجتماعية والاقتصادية. وبعد كل هذا يمكن إجمال القول أن التنمية البشرية هي المنهج الذي يهتم بتحسين نوعية الموارد البشرية في المجتمع وتحسين النوعية البشرية نفسها للحياة. إن الإنسان هو محرك الحياة في مجتمعه ومنظمها وقائدها ومطورها ومجددها. كما أن هدف التنمية تعني تنمية الإنسان في مجتمع ما بكل أبعاده الاقتصادية والسياسية وطبقاته الاجتماعية, واتجاهاته الفكرية والعلمية والثقافية. وفي العقد الأخير من القرن الماضي تنامي الوعي بقيمة الإنسان هدفا ووسيلة في منظومة التنمية الشاملة, وبناء علي ذلك كثرت الدراسات والبحوث والمؤتمرات التي عقدت لتحديد مفهوم التنمية البشرية وتحليل مكوناتها وأبعادها, كإشباع الحاجات الأساسية, والتنمية الاجتماعية, وتكوين رأس المال البشري, أو رفع مستوي المعيشة أو تحسين نوعية الحياة وتستند قيمة الإنسان في ذاته وبذاته إلي منطلقات قررتها الديانات السماوية التي تنص علي كرامة الإنسان الذي جعله الله خليفة في أرضه ليعمرها بالخير والصلاح.