ظللنا طوال الأعوام الماضية نحلم بسنوات مصرية تسودها العدالة الاجتماعية في كل مكان من أرض( المحروسة).. سنوات تحمل المساواة بين كل المصريين .. سنوات يختفي منها الموظف الوزير ويرحل الوزير الموظف.. سنوات كان الأمل ولايزال يؤيد هذه الأحلام ليقيني أن عقلية الشعب المصري قد تغيرت خاصة عقلية القادة المسئولين.. هكذا يقيني في التغيير للأفضل لأن أسوأ ما تصاب به الأمة أن يفقد أهلها الثقة بعضهم ببعض فالثقة هي أساس تماسك الأمم وترابطها بينما تفكك الأمم وفشلها مرده فقدان الثقة ولذلك فإن ما أصابنا ونعانيه في( أم الدنيا) يعود لضياع الثقة وفقدانها و بالتالي إهدار الأموال وتبديد الملكات.. الأمر الذي يسبب عبئا ثقيلا علي القائم لقيادة مصر فإن لم ينجح في إعادة الثقة بين الجميع فلن تؤتي جهوده أو مشاريعه ثمارها مهما كانت نتائجها علي الورق لأن أي صلاح إن لم يؤسس علي الثقة فلن يفلح أبدا في دفع خطوات التقدم للأمام..!! إن ضياع الثقة بين المصريين منذ آماد الآماد هي التي جعلت المؤرخين يرمون المصريين بقبولهم الضيم فهذا( ابن خلدون) يقول: كأنما فرغوا من الحساب قاصدا أننا لا نحاسب أنفسنا علي كل مانفعله ولا نتعظ من أخطائنا ثم قرأت كتابا آخر أثبت فصلا عن أهل مصر وما لحق بهم من صنوف العواقب الوخيمة يقول هذا الفصل من الكتاب: أن الشيخ تاج الدين كان يقول: إن الحكماء وأهل التجارب ذكروا أنه من أقام ببغداد سنة وجد في علمه زيادة ومن أقام بالموصل سنة وجد في عقله زيادة ومن أقام بدمشق سنة وجد في طباعه غلظة ومن أقام بمصر سنة وجد في أخلاقه رقة وحسنا...!! والرقة والذل قريب بعضهما من بعض.!! وقال القاضي الفاضل: أهل مصر علي كثرة عددهم وماينسب من وفور المال إلي بلادهم مساكين يعملون في البحر ومجاهيد يدأبون في البر..! تلك كانت بعض قطوف تراثيات تاريخنا نستدعيها للعظة والتمني علي الرئيس أن يختص دائرة حكمه أو قيادته بمجموعة من التراثيين أهل البحث والتنقيب يعرضون عليه صورا من حوادث الزمان التي هي في حقيقتها جذور أحداث الحاضر حتي يتجنب عثرات القادم وشبهة القرار وعدم تكرير زلات الماضي مهما تبدلت أثواب الحدث أو تغيرت المسميات.. علي الرئيس أن يعني بالتربية عناية غير مسبوقة حتي تستطيع أجيال المحروسة إغلاق كل أبواب التيه والتغريب والمسخ آنذاك تعود ريادة المصريين وينشرون صفحات ابتكاراتهم يتقون بها أشد المحن يطوون صفحات الذل و الاستبداد التي استوطنت وادبهم عقودا طوالا رسخت الأباطيل وطرحت الحقائق جلبت المال السياسي ونبذت المساعي الصالحة وطاردت العقول البانية..!! ما أكثر الدروس التي يجب أن نستذكرها ونعيدها علي الأسماع خاصة الناشئة لعل أخطر هذه الدروس وأولاها تضحية الحاكم الذي يجب أن يصرف همته لإحقاق الحق وإبطال الباطل متناسيا كل شهوات الحكم ورغائب السلطة والجاه وكفي بنا نحن أهل المحروسة ماتجرعناه من أبهة الحكم وإسراف الحكام وتبذير المسئولين علي حساب قهر الشعب وضياع حقوقه...!! غير أن الإنصاف يقتضي أن نؤكد أن صلاح الحكم وعدمه لا يعود علي الحاكم وحده من غير الشعب فإن الشعب له نصيب في صلاح أمور البلاد فالحكم منظومة متناغمة بين الحاكم والمحكوم أو هي فعل ورد فعل والنتيجة حصيلة هذه العلاقة فلايجب أن ينعي أحدهما الآخر من كلا الطرفين فالحاكم والمحكوم كفتي ميزان هذا الوطن إن استقامت كفتاه استقامت أحوال البلاد والعباد فما أصدق ما وصل إلينا من الأثر: كما تكونوا يولي عليكم.. إنه قانون عادل يخبرنا عن حسن التواصل بين طرفي المعادلة( الحاكم والمحكوم)!! وفد أخبرتنا وقائع التاريخ أن استبداد الحاكم وظلمه لا ينجح إلا إذا وجد الحاكم البيئة المستقبله لاستبداده من ضعف المحكوم وهوانه علي نفسه وغياب همته و فطنته وفكره فإن صحوة الشعب ويقظته تعين الحاكم علي وضع خطط الإصلاح ونجاحها.. فكم من دعوات لمصلحين لو تؤت ثمارها لأنهم نثروا دعوتهم في بيئة بشرية غير مهيأة لاستقبال موجات الإصلاح فكذلك الحاكم والمحكوم علاقة تبادلية إرسال واستقبال فلن تتحقق أية نهضة بدون تهيئة النفوس لاستقبالها وهذا عبء آخر أمام الحاكم القائم..!! كفانا نحن أبناء( أم الدنيا) ما مر بنا من صنوف القهر والنظم الفوقية الاستبدادية التي أترفت الحاكم علي حساب شقاء الناس وإثراء المسؤولين علي حساب فساد الوزارات والمصالح وتبديد مصالح الناس فتراكمت النكبات وهذا عبء آخر يضاف إلي قائمة أعباء القادم للحكم..! لقد تغيرت أحوال البلاد وتبدلت أفهام العباد فلم تعد الغاية من الحكومة أن يستبد الحاكم برأيه وينهي بأمره ولم تعد الغاية من التربية القهر والعقاب فما أحوجنا إلي سيادة العدالة والحرية وتحقيق سبل التربية القويمة بتبصير طلاب العلم بحقائق الحياة فلم تعد المواربة وتشويه الواقع وسيلة من وسائل الحكم ولم يعد الدجل الحكومي وسيلة لقضاء مصالح العباد..! وبعد فلسنا في مصر بدعا من الخلق إن اعتز أحد بتاريخه فليس أعظم من تاريخنا.. علينا أن نعلم أن لكل أمة من الأمم محاسن ومساوئ فلنا مثل ما لهم مع الاخذ في الاعتبار أن الغرب الأوروبي والأمريكي رغم مالديهم من مساوئ فلم تمنعهم من التقدم والتحضر.!! فلماذا نحن قعود ولماذا نحن دون الأمم في مواجهة أنفسنا والالتزام بقواعد الاصلاح؟! أيها المصلحون أكثروا من الأمل وأنتم أيها الحكام أكثروا من العدل والتزموا المساواة وعليكم بصناع الهدم في الأمة فإنهم ليسوا كلهم كما أتصور تحت سلطان القانون ولنبدأ مع القائم لقيادة مصر وعودة حاسمة حازمة قوامها العمل للحياة وتبا لهؤلاء الذين يدمرون ملكات الإخلاص والبناء ولا يأس بالموت إذا الموت نزل.. كم أتمني أن تتحول الناس في مصر إلي الصدق والشجاعة علي أن تتصدر قائمة الاصلاح الأخلاق.. إن في ذمتنا للجيل القادم أمانة وعهدا أن نسلمه تاريخا نقيا خاليا من الزيف والتشويه أن نسلمه بلدا قويا له ماله من الشموخ والريادة وإلا فقد أضعنا الأمانة وخنا العهد؟! (ولنا عودة إن كان في العمر بقية)