يضرب الحائط بيمناه يصيب حينا ويخطئ مرات, والصواب يأتي دائما علي قدر العنفوان والقوة والصحة, والأخيرة ولت منذ زمن والله وحده هو القادر علي إرجاعها للتنعم بها, هل صوت النباح وزقزقة العصافير هما اللذان يسمعهما أثناء سيره كل يوم أم يصل صوتهما إليه قبيل خروجه من داره لا يدري.. فكل ما يعرفه عم سيد مبيض المحارة أنه يؤدي ركعتي الفجر ويضع جبهته أرضا عقب تسليمه سائلا الله فضله ونعمه وأن يبارك في رزقه ونجليه أحمد والصغير محمد ويختم دعاءه بالشفاء لزوجته.. ولا يرفع وجهه قبل الإكثار من الدعاء بهداية نجله أحمد طالب الثانوي الذي ينقبض قلبه دائما عليه خشية انسياقه في خطوات الانحراف.. هكذا يبدأ عم سيد ذو السبع والأربعون عاما يومه منذ البكور, لا هم له إلا قوت أسرته حتي غروب الشمس لا تخرج حياة عم سيد عن طقوسه التي تعودها واعتاد عليه جيرانه حتي كانت النعمة التي كما ردد البعض هبطت عليه من السماء. فحدث أن تذكره أقاربه المخلصون عقب وفاة والده المزارع وجد ولديه وعقب اجتماع بحضور محامين لأطراف في العائلة تم تقسيم قطعة الأرض التي كان يمتلكها جده وجاء نصيبه منها عقب بيعه ب300 ألف جنيه وتم دعوة عم سيد لاستلام نصيبه المقدر حسب القسمة بحضور كل الأقارب وهنأه من يحبه وحسده الحاسدون كعادة البعض, وخلال عودة عم سيد إلي منزله لم يتوقف لسانه لحظة عن شكر الله الذي رزقه ب300 ألف جنيه لم يحمل الرجل الطيب خمس هذا المبلغ من قبل ولا أقل, كانت خطواته والرزم تدفيء صدره وبطنه داخل كل جيوب الصديري, كان المسكين يتلفت كل فترة أو ينصت والقلق يلفه وقع خطوات من يتتبعه ولكنها كانت هبات الرياح لم يعرف الرجل كيف وصل بيته ولكنه لم يتحمل الوقوف وزوجته تقبل رأسه ودموعها تنفطر شكرا علي الرزق وجلس عم سيد وساعدته زوجته في خلع جلبابه وأتي ولده الصغير محمد ذو الست سنوات وضحكته تملأ الدنيا بهجة وداعب أبوه طالبا شراء سيارة يركبها وحده ويلف بهم في كل مكان واحتضنه عم سيد مذكرا أن المال كله له ولأمه ولأخيه وإنهم كل حياته وما يملك في دنياه وحضر أحمد وفتح وصلة مطالب هو الآخر ولم لا فهو الكبير وعمره الآن سبعة عشر عاما ويعي كل شيء وتبسم عم سيد ونبهه إلي أنه سيجلس مع أمه ليحددا المطالب الأولي واحتياجات المنزل وسيكون مطالبه هو وأخوه علي رأس الأولويات والاحتياجات المجابة. سكت الابن وضوء المصباح ينعكس علي الأوراق النقدية وبلغ أفكاره ونهض مغاضبا وغادر مكانه وتبادل الأب والأم النظرات ورفعا أيديهما ورددا في نفس واحد الدعاء بالهداية له, وفي اليوم التالي لم يختلف طقس عم سيد عن سابقه بعد اتفاقه مع زوجته علي تلبية الاحتياجات الأساسية وإيداع باقي المبلغ في أي مكتب بريد أو أحد البنوك كذخيرة لنوائب الدهر, وخرج أحمد طالب الثانوي إلي صديقه البائع المتجول المتخذ من الخضروات سلعة ولقمة عيش وبالرغم من تجاوزه سن الخامسة والثلاثين إلا أن أحمد كان ينبهر بحكاوي البائع الفاجرة وكلامه المنحرف, وأثناء حديثهما المعتاد في أمور عدة رفع أحمد صوته بشكل مثير وذكر للبائع أن والده ورث300 ألف جنيه من السماء وينوي حرمانهم منها وأعلن أمامه أنه ينوي حرمان والده من المال واستحواذه عليه, ناقشه البائع في نيته وحذره أنه سيبقي بقية عمره خلف القضبان إذا تم القبض عليه ولكن أحمد فاجأه بسرده خطة لم يملك البائع أمامها إلا الاعتراف أن عقله أخطر من الشيطان ووافقه علي غيه. وبعد عدة ساعات عاد عم سيد من عمله واتجه يغتسل وسأل عن الصغير محمد وأجابته الأم أنه يلعب أمام المنزل وسيعود فور علمه بعودته ليأكل معه.. وبعد دقائق وضعت الأم صحون الطعام وخرجت تطل من النافذة تنادي علي الصغير وأجابها صدي صوتها قبض الأم وأحست بشيء غير طبيعي يحدث وكتمت مخاوفها ورمت طرحتها علي رأسها وانسلت من الباب خارجة تبحث عن الصغير الذي لا يغادر أمام المنزل قبل ذلك سعت الأم في كل اتجاه تسأل عن محمد وأجمع أقرانه أنهم رأوه منذ وقت بعيد واعتقدوا أنه عاد إلي منزله, أكملت الأم المسير يسبق خطواتها دقات قلبها التي كانت تسمعها بوضوح وعند المنزل الثامن المجاور لبيتها كانت دموعها قد فكت بعد طول حبسها وأجابتها أم زميل الصغير محمد أنها لم تره منذ أول النهار جن جنون الأم وقفلت عائدة إلي عم سيد الذي كان يضرب أخماس في أسداس وهو يحث أحمد ابنه الكبير علي النزول معه للبحث عن أخيه الصغير.. مرت ساعة كانت وجوه كل من الأم والأب والجيران خير دليل علي المأساة التي ألجمت الألسنة وأصبح اختفاء محمد لا مراء فيه وكان من حسن أمانيه يأمل ان لا يكون اصاب الصغير مكروه وان الأمر لا يبعد ان يكون احمد تائها وسيتم العثور عليه, وبدأ الجميع في تقسيم منطقة امبابه حيث مسكن الأسرة الي عدة قطاعات وتوزيع أنفسهم عليها ومرت ساعتان ولا جديد غير انهيار الأم وعدم جفاف دموعها وخرج احمد يبحث مع اصدقائه في كل مكان واعلن للجميع عدم العثور عليه ولم يجد عم سيد بدا من الاتكاء علي احد جيرانه والتوجه الي اللواء محمود فاروق مدير الادارة العامة للمباحث الذي استمع الي روايته من اولها واستعاده في عدة تفاصيل ووعد عم سيد خيرا واكد له انه لن ينام حتي يجد له الصغير محمد وسيعود بإذن الله الي بيته وعاد عم سيد الي زوجته التي استحالت عينيها الي لون الدم وشحب لونها وبكي الرجل وهو يشاهد زوجته تتكيء علي احدي قريباتها وتتهيأ للصلاة ودموعها تتساقط علي الأرض حزنا علي نجلها المفقود ورفع عم سيد يده الي السماء راجيا الا يحدث مكروه الي ابنه هل هبط الليل.. كم ساعة مرت لا يعلم عم سيد ولا تعرف زوجته هل تحلم او تعيش اسوأ كوابيسها ولكن دموعها التي لم تتوقف اجابتها انها تمر بسواد لا تعلم متي ينتهي.. بدأ اللواء محمود فاروق قبيل مغادرة عم سيد اتصالاته وتم تشكيل فريق اشرف عليه اللواء جرير مصطفي وتحرك كل من المقدم محمد أمين رئيس مباحث قسم امبابة والعقيد درويش حسين مفتش المباحث والمقدم محمد غراب رئيس مباحث المنيرة الغربية وتم استجواب ومناقشة كل من يعرف الصغير حتي أقرانه وزملائه وتم اعادة الكرة من جديد وتم تضييق النقاش علي عدة اطراف.. وحدثت مفاجأة باتصال هاتفي عبر صوت غريب يطلب فدية300 ألف جنيه من عم سيد لإعادة الصغير حيا وإلا.. جزع الرجل المسكين وهرع إلي رجال الشرطة الذين طمأنوه وطلبوا مسايرة المتصلين وعادت المكالمات عبر صوت غليظ تؤكد عدم تنازلها عن المبلغ مع لومه وتحذيره من ابلاغ رجال المباحث. وكان صوت المتصل مرصودا بالرغم من تكراره من اكثر من رقم مختلف وبتضييق النقاش حول تسرب معلومة الإرث الجديد ل عم سيد وعدد من يعرف بمبلغ ال300 ألف جنيه وبمناقشة أحمد الشقيق الأكبر للصغير من جديد انهار واعترف باستدراجه لأخيه خارج المنطقة إلي البائع صديقه الذي كان ينتظره داخل توك توك وبالفعل تمت عملية خطف الصغير واصطحب البائع المخطوف إلي نور الهدي قريبته التي ترحب بأي عمل يجلب المال وأوت الصغير لديها.. تم إعداد كمين وتمكن المقدم محمد أمين رئيس مباحث قسم امبابة بمعاونة الضباط من القبض علي البائع وقريبته وتسلم الطفل وإعادته إلي ذويه.. وبإخطار اللواء كمال الدالي مساعد الوزير لأمن الجيزة أمر بإحالتهم إلي النيابة التي تولت التحقيق.