وسط حالة الدفع بالمجتمع الي هوة اليأس والتي يشترك في تشكيلها وترسيخها قوي مختلفة بعضها عن عمد وبعضها عن عدم دراية وبعضها يقف تحت الشجرة بانتظار أن تسقط الثمرة في حضنه, فيتحقق حلمه في تقويض المجتمع المدني ويرتد بنا إلي أغلال العصور الوسطي وأنساق الدولة الدينية التي ترفض التنوع والتعدد فتصبغ المجتمع ومن ثم الوطن بصبغتهم الأحادية الاستبعادية الاقصائية, في إعادة انتاج لحالة اجتزناها قبلا حين داهمتنا هزيمة يونيو الكارثية, وفي استغلال لحالة عدم الإتزان حينها تعالت الدعوات بالكفر بالدولة المدنية التي أخذتنا بعيدا عن الدين فكانت الهزيمة القاسية والتي جاءت مخالفة لجبال الأحلام والأوهام, إلي درجة أن أحد رموز المرحلة الجديدة أعلن في زهو أنه سجد لله شكرا علي هذا الإبتلاء, وتوالت دعوات الكآبة ومخاصمة الأمل تسري بين أوصال الوطن, حتي بعد نصر اكتوبر المجيد وكسر وهم التفوق الصهيوني, ظلت دعاوي الانكسار قائمة, وامتدت يد الغدر لتغتال قائد النصر, في يوم عرسه, وهكذا كادت دوامة اليأس تبتلعنا, اختفت النكتة المصرية اللاذعة, واختفت التحيات المصرية في الاسواق والبيوت والمنتديات والشوارع ليحتل مكانها العبوس والجهامة في الطريق إلي فقد الأمل. لكن من يقرأ تاريخ مصر والمصريين عبر العصور يتيقن أن كل هذا غثاء لا يعدو كونه جملة اعتراضية سرعان ما تنتهي ليعود التدوين الي سياقه, ويسترد الوطن عافيته, وتعود الطبيعة المصرية الي سماحتها والاندماج الإنساني إلي تفاعله واكتماله, ويعود الدين الي موقعه الروحي الإرشادي الدعوي والرعوي, الذي يضبط المرء باتجاه الانفتاح علي كل ما هو انساني ليصبح مواطنا صالحا وقيمة مضافة لتفعيل الرحمة والمحبة والتآخي في ترجمة معاشة لقيم الدين وتعاليمه السامية التي لا تغازل السياسة ولا تسعي لمغنم أرضي أو تمايز علي حساب المساواة والعدالة والحرية. وعندي ما يؤكد ذلك عبر ما يموج به فضاء الإنترنت, في' الفيسبوك' ذلك المنتدي المفتوح الذي يجمع الشباب فيما يشبه حديقة الهايد بارك الشهيرة, كل يقول ما يعن له, ويتفاعل معه جميع الأطياف مؤيدين ومعارضين في تفاعل علينا ان نقرأه بعناية وتدقيق وندرس كيف نحوله إلي حراك علي الأرض خارج إطار الفضاء المتخيل, الي دعم للأحزاب والقوي السياسية فيما يحسب خطوات عملية لتأكيد الديمقراطية عمليا. وقد وصلتني رسالة تحمل تجربة شبابية فنية بسيطة في عمق ومتخمة بالمعاني في سلاسة استطاعت ان تهرب من براثن الاستعلاء والمباشرة, فوجدت قبولا وتفاعلا أكدته التعليقات المتتالية وتناقله بسرعة علي صفحات الاصدقاء, الأمر الذي دفعني للبحث عن موقع اصحاب هذا العمل, وفيه امتداد لتجربتهم في العديد من الأعمال الفنية, رأيت أن أنقل لكم بعضا منها, وبداية لنتعرف علي هؤلاء الشباب من مؤلف الي ملحن إلي مؤد إلي مخرج وهم في العمل الأول والذي يحمل عنوان' ست تريزا وجوزها بشاي... عزموني علي حفلة شاي' كلمات: هاني الجبالي- لحن محمد سعيد- غناء محمد مراد- إخراج عصام ستاتي, وقبل أن نطالع عملهم أتمني أن يلتفت اليهم القائمون علي الإعلام والفنون وتشكيل الوجدان الجمعي ومن يشكون من اختفاء الكلمة الحلوة والمعني العميق والبسيط واللحن المستساغ والاداء الذي يملك التواصل مع الشباب, فها نحن أمام تجربة حية موثقة, تقول كلماتها: ست تريزا وجوزها بشاي عزموني علي حفلة شاي عم بشاي كان لسه مقدس كان لابس في رقبته صليب رحت الحفلة عطوني ملبس والبتيفور والشاي بحليب ست تريزا طيبة خالص وبتحلق شعرها جرسون عندها ابن مؤدب جدا دكتور بيطري واسمه ريمون كان في التختة بيقعد جنبي وكان في الماتش بيوقف جون ياما لعبنا زمان علي البسطة وياما ضحكنا كمان بجنون فاكر مرة بطحته في راسه غصبن عني واحنا عيال شده ابويا ف حضنه وباسه خده وراح عل الاستقبال صاحبي ريمون كان ياخد العادة ويعلق علي بيته فانوس بعد صلاة العيد نتمرجح وعم بشاي يدينا فلوس ست تريزا تيجي باترمس وتاخدني مع جورج وتادرس عند العدرا في عيد الخوص أمي الحاجة تحمي وابورها تغرف صحن وتجري تزورها وتطبطب علي كتفي تقولي شفت وصانا رسولنا ازاي وتأتي التجربة الثانية تحت عنوان شعبنا واحد, كلمات أحمد الخميسي- لحن فتحي الخميسي- إخراج عصام ستاتي, لنقرأها معا ونتدبر فحواها, لنطمئن أن الجذوة المصرية لم ولن تنطفئ بل هي باقية ومتجددة ما بقي الزمن وما بقيت الحياة, تقول كلماتها: شعبنا واحد مش شعبين قمري الغالي نزل م العالي ميل قال لي مافيش قمرين نيلي وجالي وشفته قبالي ميل قال لي ما فيش نهرين شعبنا واحد مش شعبين, وشفت بلادي بطول الوادي جرجس كتفه ف كتف حسين وفاطمة بتضحك مع مادلين شفنا جنود وبقلب أسود لما تجود وف يوم موعود دمها واحد مش دمين, دمنا واحد مش دمين.. شعبنا واحد مش شعبين انتهت الكلمات ولم تنته المعاني.. ولم تخفت الرسالة فهل وصلت للمرسل اليهم وهل ستصل لمستهدفيها؟ ... وتبقي تحية واجبة لجوقة الشباب الذي أكد مصرية الأمل ومصرية المستقبل.. وأن مصر أم ولود. [email protected]