في عام1799 اكتشف ضابط فرنسي قطعة حجرية ترتفع لحوالي المترين, وذلك أثناء تفتيشه في صحراء مدينة رشيد, لهذا سميت هذه القطعة الحجرية ب حجر رشيد وهو الحجر الذي حوي54 سطرا مكتوبة بثلاث لغات( الهيروغليفية والديموطيقية والاغريقية) حجر رشيد لم يصنع شهرة المدينة فحسب, بل انه تمكن من أن يكون مفتاحا لمعرفة لغة المصريين القدماء أيضا ليفتح آفاق الحضارة الفرعونية علي مصراعيها أمام الحضارة البشرية الحديثة. ورغم أن حجر رشيد ينتمي للحضارة الفرعونية فإن قدر الآثار الفرعونية في رشيد لم يكشف عنها بعد نتيجة لطبقات الطمي التي طمستها, ومع هذا فإن رشيد لم تخل من ثروة أثرية غير مسبوقة, حيث تعد ثاني أغني محافظات مصر بعد القاهرة بالآثار الإسلامية, ورغم هذه المكانة فإن الاهمال والتجاهل ظلا عنوان علاقة القاهرةبالمدينة سنوات كثيرة لدرجة أن البعض طالب بفصل المدينة عن المحافظة أسوة بمدينة الأقصر التي تحولت الي محافظة مؤخرا, هذه المطالبة بفصل رشيد عن المحافظ تعد محاولة للفت النظر الي أهمية المدينة وقيمتها في ميزان السياحة والآثار. تأكد ذلك عندما دار الحديث عن مشروع تطوير آثار مدينة رشيد, خلال احتفال محافظة البحيرة هذا العام بعيدها القومي, الذي يوافق التاسع عشر من شهر سبتمبر, تخليدا لذكري انتصار أهالي رشيد وتصديهم لحملة فريزر, لتتجدد مرة أخري مطالب بعض الأثريين بضرورة فصل رشيد عن محافظة البحيرة, وجعلها مدينة مستقلة مساواة بالأقصر, قبل أن تصبح محافظة مؤخرا مؤكدين أن رشيد لاتقل في أهميتها عن الأقصر, ومؤكدين أنها تعد ثاني أكبر مدينة, بعد القاهرة, تضم آثارا إسلامية ومنازل تراثية. مجلس أعلي المدينة أحد الأصوات المطالبة بالفصل والاستقلال الدكتور محمد حمزة أستاذ الآثار بكلية الآثار جامعة القاهرة الذي أكد أن رشيد لم تأخذ الاهتمام الذي تستحقه, والذي يمكن أن يضعها بقوة, علي الخريطة السياحية المصرية, رغم امتلاكها جميع المقومات, وذلك, سواء بمعمارها الفخم ذي الطراز الرشيدي المميز, أو الموقع والتاريخ المميزين, مشيرا الي ان الموافقة علي رشيد مدينة مستقلة سيتطلب أن يكون لها ميزانية مستقلة, ومجلس أعلي يشرف علي إنفاق الميزانية واستثمارها الاستثمار الأفضل. وطالب حمزة بضرورة وضع خطة استراتيجية تهدف لتحويل بعض المناطق والمدن مثل رشيد لمحميات أثرية, أو ما يسمي عالميا مدينة تراث عالمي, طبقا لتصنيف منظمة اليونسكو, وذلك للمحافظة علي التراث والاستفادة منه, وانقاذه من الإهمال, مشيرا الي ان الادعاء بأن الآثار الإسلامية ليس لها مردود سياحي واقتصادي مثل الآثار الفرعونية لا أساس له من الصحة ولايصلح مبررا لإهمالها, لكونها تراثا وتاريخا, كما أنها يمكن أن تصبح مزارا سياحيا اذا تم الترويج الكافي لها ووضعها علي خريطة السياحة وبرامجها بشكل لائق. ولفت حمزة الي ان مشكلة الآثار الإسلامية تتمثل في أن مسئوليتها موزعة بين أكثر من جهة, سواء المجلس الأعلي للآثار, ممثلا في قطاع الآثار الإسلامية, أو وزارة الأوقاف, أو المحليات التابعة للمحافظات التابع لها الأثر, مطالبا بضرورة توجيه جهة المسئولية دون تدخل من باقي الجهات علي أن يكون القائمون علي مشروعات التطوير من المتخصصين لضمان أن تتم وفق قواعد ومواثيق الترميم الدولية, حتي يعود الأثر لصورته الأصلية, بعيدا عن التشوهات التي تنتج عن عمل غير المتخصصين, والتي غالبا ماتتم دون دراسات استشارية قبلية ليكون المسئول عن التنفيذ شركات للترميم وليس شركات مقاولات لمراعاة كل مايتعلق بالأثر والبيئة المحيطة به, حيث تتمثل مشكلة الآثار الإسلامية وصيانتها في وقوعها في مناطق التكدس السكاني, الأمر الذي يتطلب تطوير المنطقة المحيطة بالأثر ورفع وعي السكان به. وبسؤال الدكتور مختار الكسباني مستشار الأمين العام للمجلس الأعلي للآثار وأستاذ الأثار الإسلامية أكد ان المطالبة باستقلالية رشيد لم يعد لها داع حاليا, وبخاصة بعد مشروع التطوير الذي بدأه المجلس الأعلي للآثار بالمدينة, وماتبعه من اهتمام الأجهزة التنفيذية بضرورة تحسين ورفع كفاءة البنية التحتية والمرافق, قائلا: للأسف محافظو البحيرة السابقون كانوا ينظرون لرشيد باعتبارها مدينة ريفية وليست أثرية أو سياحية, وهو ما انعكس علي مناطق التراث بها, مشيرا الي ضرورة تضافر جهود مجلس الوزراء وهيئة الآثار ووزارة الثقافة والسياحة وأجهزة المحافظة للنهوض بمشروع تطوير مدينة رشيد ووضعها علي خريطة السياحة المصرية, بالاضافة الي بذل مجهودات جادة لعودتها كمركز اقتصادي من خلال مشروعات الحرف البيئية والتقليدية, مثل السجاد اليدوي, والنسيج, والآثاث اليدوي, وغيرها من السلع التراثية التي تجذب السائحين. وأشار الكسباني الي ان المجلس الأعلي للآثار يمكن ان يكون بيت خبرة في هذا الميدان من خلال مراكز الحرف التراثية وتسويقها في الأماكن السياحية. وطالب الكسباني بضرورة إقامة منشآت سياحية برشيد لاستيعاب الزيارات لأكثر من يوم, حيث لايوجد بالمدينة سوي فندق واحد فقط. حديقة مصر لم نكتف بالحديث عن التطوير ومناقشة الخبراء والمسئولين وقررنا الذهاب هناك لرشيد ليس فقط لرصد رؤية حقيقية من الواقع ولكن الاهم التعرف علي رأي اهل رشيد سواء في التطوير او مطالب الاستقلال, ولاادري لماذا تأكدت من حقيقة اللقب الذي يطلق علي المدينة وهو حديقة مصر حيث ان الطريق المؤدي اليها تحيط به الحدائق من الجانبين سوآء بأشجار النخيل الباسقة او بأشجار الفاكهة حتي تكاد لاتشعر بحرارة الجو من حولك. وصلنا المدينة وكانت البداية من منزل كوهية الاثير الذي يتخذه مسئولو الاثار هناك مقرا لادارة العمل بمشروع التطوير, فوجدنا في انتظارنا مجموعة العمل بقيادة محمد التهامي مدير عام اثار رشيد غير اننا فضلنا ان تكون جولتنا عملية بداخل المدينة, وبالفعل اصطحبنا اثنان من مفتشي الاثار برشيد, هما سعيد سعد, ومحمود الفخراني, وبدأنا نسلك طريقنا داخل طرق المدينة,ووسط شوارعها الضيقة,وبين زحام المارة,وزبائن الباعة, الجائلين, المتتشرين ببضاعتهم المختلفة. في منزل محارم التراثي, بشارع دهليز الملك, الذي انشأه عبدالحميد محرم, في القرن الثامن عشر الميلادي, وتم تسجيله كأثر بالقرار الوزاري رقم357 لسنة1951, حكي لنا الاثري سعيد سعد بعضا من حكايات مباني رشيد التي تميز تراثها المعماري قائلا: اهم مايميز معمار رشيد وبيوتها يبدأ من الشكل الخارجي بالطوب الرشيدي المميز باللونين الاحمر والاسود, بجانب التخطيط الدقيق, بدءا من الدور الارضي, واستغلال كافة المساحات, واشهر مايمكن ان نجده هو حجرة الاغاني, او ممر الاغاني, في جانب حجرات استقبال الضيوف, واقامة حفلات السمر والانشاد, الذي يجمع بين بنوارالمسارح القديمة والحرملك في البيوت التراثية, حيث تجلس فيه النساء للاستمتاع والمشاركة في الاحتفالات مع الاحتفاظ بخصوصيتهن بعيدا عن الرجال. واضاف سعيد: يغلب علي مباني رشيد التراثية استخدام البلاطات الخزفية, حيث كانت رشيد خلال العصر العثماني ثالث مركز لصناعة هذه البلاطات واستخدامها في البناء بمزيج من صناعة القرنين الثامن عشر والتاسع عشر, مشيرا الي مراعاة عوامل الطقس والظروف البيئية في البناء, واتجاهات الرياح والامطار, بحيث نجد ملاءمة البيوت لطقس رشيد البارد شتاء, وذي الرطوبة المرتفعة, صيفا يغلب استخدام الاخشاب بما لايقل عن40% من كتلة المباني, بشكل يجعل البيوت معالجة علي طراز الجو البحري للتقليل من الاحساس بارتفاع درجة الحرارة مع الرطوبة المرتفعة وبخاصة في فصل الصيف. وبداخلطاحونة ابوشاهين الاثرية اوضح الاثري محمود الفخراني ان عثمان أغا الطوبجي اوقفها كوقف عام1808 ليكون عائدها صدقة جارية للانفاق علي المسجد المحلي بالمدينة, مشيرا الي انها تتكون من مسطاحين لطحن القمح والذرة والشعير بالتجهيزات اللازمة لذلك وملحق بها اسطبل للحيوانات. واكد الفخراني ان مشروعات الترميم والتطوير الجارية في مباني وتراث رشيد يواجه بمشكلة ارتفاع منسوب المياه الجوفية, وزيادة نسبة الاملاح, وهو مايتطلب استخدام نظام العزل, واتخاذ احتياطات وقائية اثناء العمل للحفاظ علي ماتم,و ضمان عدم تأثر الجدران والاساسات التي يصل سمكها ل70 سم ويحدث فيها تفريغات يتم شغلها بالدواليب وغيرها في استغلال حقيقي للمساحات وكراهية للفراغ, علي حد قوله.