قرار الأحزاب السياسية المعارضة الرئيسية دخول الانتخابات التشريعية بكل قوة انتصار حاسم لأنصار التغيير الديمقراطي, وفشل سياسي ذريع لدعاة المقاطعة من الناشطين المستقلين الذين يفتقدون الخبرة السياسية, ويندفعون بدون تفكير منهجي الي تبني مواقف متطرفة بناء علي سيناريوهات مستقبلية من نسج الخيال! كان بعضهم يظن ان التغيير الديمقراطي يمكن ان يتم بضربة واحدة! او كما صرح الدكتور البرادعي مرة بكل خفة وبساطة من ان الشعب هكذا قال ينبغي ان ينزل الي الشوارع مرة واحدة فيسقط النظام! وان لم يسقط بسبب او لآخر فليس هناك غير العصيان المدني! قررت الاحزاب السياسية المعارضة الرئيسية حزب الوفد وحزب التجمع والحزب الناصري بالاضافة الي جماعة الاخوان المسلمين خوض الانتخابات بكل قوة, والتنافس في كل الدوائر الانتخابية قرار احزاب المعارضة دخول الانتخابات قضي عمليا علي حكا ية التوقيعات, وضاع سدي الجهد الذي بذل في الحصول عليها! شوهؤلاء مع ان فيهم باحثين سياسيين لهم خبرة في البحث السياسي تبين انهم يفتقدون الي فهم ابسط قواعد التغيير الديمقراطي في مجتمع كالمجتمع المصري تراكمت فيه خبرات التعددية السياسية والحزبية طوال الحقبة الليبرالية 1923 1952 , وخبرات الحزب السياسي الواحد في الحقبة الثورية 1952 1970 , ثم خبرات التعددية السياسية المقيدة 1974 حتي الان . اكتسبت الجماهير عبر هذه المراحل التاريخية المتنوعة خبرات متعددة واحتفظت الذاكرة التاريخية بأخبار الانتخابات النيابية في العصر الليبرالي, كما ان الممارسة السياسية في العصر الثوري في نموذج الحزب السياسي الواحد الاتحاد الاشتراكي العربي مازالت حية في الاذهان, اما خبرة التعددية السياسية المقيدة التي اسسها الرئيس الراحل انور السادات فما زلنا نعيش في صميم تفاعلاتها. بعد ان مرت علينا خبرات الانتخابات النيابية عديدا من المرات, وشهدنا مصرع احزاب سياسية متطرفة ظنت انها بالانقلاب يمكن ان تقفز الي السلطة, او باستخدام الشعارات الدينية التي يمكن ان تخدع الجماهير! قررت الاحزاب السياسية المعارضة الرئيسية حزب الوفد وحزب التجمع والحزب الناصري بالاضافة الي جماعة الاخوان المسلمين خوض الانتخابات بكل قوة, والتنافس في كل الدوائر الانتخابية. واصيب دعاة المقاطعة بصعقة كبري, وصدرت من بعضهم تصر يحات تدل علي خيبة الامل لان دعوتهم الساذجة للمقاطعة لم تلق اي استجابة! وكان وفد من اعضاء الجمعية الوطنية للتغيير قام بعدة زيارات لأحزاب المعارضة داعيا اياها للمقاطعة والح وفد الجمعية في ذلك إلحاحا ثقيلا دعا الدكتور السيد البدوي زعيم حزب الوفد الي ان يصرح قائلا انهم يمارسون الارهاب الفكري علينا. وبالرغم من ان الجمعية الوطنية للتغيير التي رأسها الدكتور البرادعي وضمت نخبة من الشخصيات الممتازة وضعت برنامجا للتغيير السياسي يتضمن اهدافا مشروعة ومطلوبة وسبق لجميع احزاب المعارضة ان طالبت بها, الا ان الجمعية وعلي راسها الدكتور البرادعي ظنت وهما انها تستطيع تحقيق التغيير الديمقراطي بمفردها مستبعدة في ذلك احزاب المعارضة السياسية! ومن الغر يب ان تأخذ هذه الجمعية موقفا معارضا لاحزاب المعارضة مع انه كان من المفروض ان تنسق معها, لو كانت فهمت حقيقة بسيطة وان كانت اساسية مفادها انه لا د يمقراطية بغير احزاب سياسية! كررنا ذلك عشرات المرات في محاولة منا لجذب اعضاء الجمعية الوطنية للتغيير من آفاق الخيال السياسي الي ارض الواقع, غير انهم اصروا بناء علي المخططات الوهمية للبرادعي لجمع خمسة ملايين توقيع للضغط علي النظام في المضي في خطواتهم السياسية المتعثرة. واضطروا نظرا لفشلهم في جمع التوقيعات الي التحالف مع الاخوان المسلمين الذين في استعراض للقوة التنظيمية جمعوا الكترونيا ! آلاف التوقيعات. وقد صرح بعض قادة الجمعية في لحظة صدق مع النفس قائلا: لا نعرف ماذا سنفعل بهذه التوقيعات! قرار احزاب المعارضة دخول الانتخابات قضي عمليا علي حكا ية التوقيعات, وضاع سدي الجهد الذي بذل في الحصول عليها! وقد ادي الفشل الذريع لبعض دعاة مقاطعة الانتخابات واتجاه العصيان المدني المزعوم ان يراجعوا موقفهم, للكشف عن اسباب الفشل, في حين ان البعض الآخر ممثلا في بعض الشراذم السياسية اجتمعوا في مقر حزب العمل المجمد لكي ينتقدوا احزاب المعارضة التي لم تقبل المقاطعة واندفعوا للاستعداد للانتخابات! وانتقال هذه الفئات الي هوامش النظام السياسي ونعني حزب العمل المجمد تعبيرا عن اليأس المطلق ورمز دلالة في انهم ينتقلون في الواقع من قلب المشهد السياسي حيث احزاب المعارضة الرئيسية الي اطرافه حيث المجمدين سياسيا والمهمشين شعبيا! وقد سبق لي عد يدا من المرات ان قررت ان ممارسة النقد الذاتي ضرورة لتقدم الشعوب. وهذا النقد الذاتي ينبغي ان تقوم به القيادات السياسية والفكرية وخصوصا في حالة الفشل في تحقيق الاهداف المعلنة, او التحولات الفكرية بالنسبة للمفكرين. وقد ذكرت في هذا السياق ان ممارسة النقد الذاتي ليست فضيلة عربية, وانما هي فضيلة غربية بل إنها احد اسباب تقدم الحضارة الغربية في تقديرنا. وقد بدأت بوادر ممارسة النقد الذاتي في المجتمع العربي في لحظات حاسمة من تاريخ بلادنا وخصوصا بعد الهزيمة العربية في حرب فلسطين عام1948, وبعد الهزيمة في يونيو1967 غير انه في ممارسات اخري مارست بعض الجماعات السياسية كالقوميين او الاسلاميين او الماركسيين او الناصريين النقد الذاتي بطريقة جادة. وقد لفت نظري ان بعض قادة الجمعية الوطنية للتغير وعلي رأسهم المنسق السابق الدكتور حسن نافعة مارس بجسارة النقد الذاتي لأداء الجمعية في سلسلة عواميد له نشرت في جريدة المصري اليوم. ولم يتردد في الاعتراف علنا بالاخطاء, وهذا يحمد له في الواقع, ويدل علي اهمية ممارسة النقد الذاتي لمن يعملون بالسياسة ايا كانت توجهاتهم. غير انه احس بعد ان انجز مهمته في النقد الذاتي لاداء الجمعية الوطنية للتغيير بأن ذلك قد يعده البعض اعترافا علينا بالهزيمة السياسية الكاملة وبالفشل النهائي للجمعية. وبذلك عاد في مقال مهم له نشر في المصري اليوم بتاريخ17 اكتوبر عنوانه ومازال حلم التغيير حيا والجمعية لم تمت لكي يجمع خيوط النقد الذاتي, و يبلور موقفا جد يدا يحاول فيه ان يضع خطة مستقبلية لاستمرار تحالف الجمعية مع الاخوان المسلمين, و يتضمن المقال افكارا متعددة تستحق المناقشة الجادة!