لم تثر جماعة أو حركة أو حزب في مصر, والعالم العربي عموما, جدلا مثل ذلك الذي أثارته جماعة الإخوان علي مدي أكثر من80 عاما, ومازالت تثيره. ولم تدخل جماعة أو حركة أو حزب في صراع ضد عشرات الحكومات المتوالية إلا جماعة الإخوان التي كان الصدام هو القاعدة والتعاون استثناء في علاقاتها مع الحكومات التي تولت الحكم في مصر, وخصوصا منذ منتصف ثلاثينيات القرن الماضي وحتي الآن. ولم تحظ حركة أو جماعة أو حزب بمثل مالقيته جماعة الإخوان من اهتمام أكاديمي وبحثي, ومع ذلك فقليلة هي الكتابات التي تجمع المعرفة الصحيحة بها والنظرة الموضوعية إليها وسط فيض لاينتهي من الكتب والأبحاث والدراسات, فمنذ سبعينيات القرن الماضي, كثر المهتمون بظاهرة الإسلام السياسي كتابة وبحثا, وتنوعت دوافعهم, وتباينت مقاصدهم, بينما قل المعنيون حقا منهم بفهم هذه الظاهرة وتحليلها ووضعها في سياقها التاريخي والموضوعي. هذا التحليل الموضوعي الذي يضع الظاهرة في سياقها التاريخي يسعي الي استشراف مستقبلها القريب, هو مايهدف اليه كتاب الإخوان بين التاريخ والمستقبل.في الحلقتين السابقتين كشف وحيد عبدالمجيد عن مشروع برنامج الإخوان المسلمين للحزب الذي كان في نيتهم تأسيسه, وفيه إقرار كامل بأن تتولي مرجعية دينية مكونة من هيئة كبار علماء الدين( الإسلامي طبعا) البت في أمور الدولة, فضلا عن تبني البرنامج فكرة الوصاية الكاملة علي النساء والأقباط, ففي حال النساء اعتمد المشروع علي فتاوي تحول بين المرأة وبين ما يعرف في أدبياتهم بالولاية, وفي حال الأقباط تم استبعادهم لأن الدولة سوف تكون منوطة بأدوار دعوية وجهادية لن يكون للأقباط مكان فيها. لاحظ غير قليل ممن ناقشوا مشروع برنامج الإخوان أهمية الفصل, أو علي الأقل التمييز, بين السياسي والدعوي في عمل الإخوان ودورهم, بل أرجع أحدهم الخلل في بنية الجماعة نفسها, وليس فقط في المشروع, إلي التداخل بين المجال الديني الدعوي والمجال السياسي منذ أن وصف الإمام حسن البنا هذه الجماعة بأنها ليست( جمعية خيرية ولا حزبا سياسيا ولا هيئة لأغراض محدودة المقصد, وإنما روح جديدة تسري في قلب هذه الأمة) والمشكلة الأزلية التي يعاني منها الإخوان وفق هذا الطرح, هي أنه ما زال هناك اعتقاد في أن التكوين الدعوي والديني للجماعة يصلح لصياغة أفكارها السياسية والاستراتيجية, وهو ما اتضح فشله الذريع مع برنامج الحزب الذي عكس تخبطا شاملا وعجزا حتي عن التعبير السياسي عن أفكار الجماعة, وأصبح من الصعب تصور مستقبل سياسي لعضو الجماعة من خلال الرؤية الدعوية التي تعتبر علاقاته بالسياسة مكملة لهذه الرؤية أو وظيفة شرعية مثلها مثل دوره في النشاط الاجتماعي والخيري. ويتفق مع هذا الطرح, مع اختلاف في الرؤية, رأي ذهب إلي وجود تيارين داخل الإخوان أحدهما متمرس بالعمل السياسي, والآخر منشغل بالدعوة, أحدهما إصلاحي منفتح والآخر محافظ ومنغلق ووفقا لهذا الرأي( يبدو أن كفة التيارالثاني هي الأرجح في دائرة القرار). وثمة رأي آخر, في هذا السياق الخاص بالدعوة والسياسة, ذهب إلي أن مشروع البرنامج أظهر أن مواقف الجماعة مازالت علي تأرجحها وضبابيتها, مدللا علي ذلك بشواهد من أهمها عدم تطرق واضعي المشروع إلي ما يسميه( جوهر وشكل الرابطة المستقبلية بين البرنامج والحزب) وتجاهل( أفكارا نوقشت من قبل داخل دوائر الإخوان, وخصوصا الكتلة البرلمانية, حول أهمية تنظيم العلاقة بين المكون الديني الدعوي والمكون السياسي بالفصل الوظيفي بين الجماعة والحزب. غير أنه إذا أردنا تشخيصا موضوعيا لمشكلة الإخوان الأهم والأكبر في اللحظة الراهنة, انطلاق مما ورد في المشروع بشأن العلاقة بين الدولة والدين وقد تجسدت في علاقة بين المجلس النيابي وهيئة كبار علماء الدين, فعلينا أن نبحث عنها في المنهج, وبالتالي في الفكر فأزمة الإخوان الأهم هي في عجز فكرهم السياسي وعدم قدرته علي أنه يسعفهم بما يعبر عن رغبتهم في التطور فالمشكلة ليست في أنهم يضمرون غير ما يعلنون بخلاف ما يعتقده من يظنون فيهم الظنون المشكلة هي في أزمة العقل الأصولي السني حين يتصدي لمسألة الدولة والنظام السياسي دون أن يمتلك الأدوات اللازمة للتوفيق الخلاق بين مالا يستطيع أن يتجاهله ومالا يقدر علي تجاوزه فلا هو قادر علي تجاهل ضرورات السياسة العصرية وأسسها الديمقراطية, ولا في إمكانه أن يتجاوز موروثات دولة( أو بالأحري دول ودويلات وإمارات) الخلافة في مرحلة ما قبل الديمقراطية ويجوز أن نلخص جوهر أزمة الإخوان علي هذا النحو, وبقدر من الاختزال, في العجز عن بلورة صيغة توفق( ولا تلفق) بين سيادة الأمة التي تقوم عليها أي دولة حديثة, وسيادة الشريعة بالمعني الموروث الذي أصابه الجمود لفترة طويلة بسبب غياب الاجتهاد. وهذا هو المصدر الأول لارتباك الإخوان في تعاملهم مع قضية الدولة والسلطة والحكم علي مدي نحو ثمانية عقود فهم مرتبكون بين مبدأ الحكم للشعب ومبدأ الحاكمية لله... يتقدمون خطوة إلي الأمام ويعودون أخري إلي الوراء, لأسباب اهمها عدم القدرة علي الارتقاء إلي المستوي الذي تتطلبه مواجهة معضلة كبري علي هذا النحو. فقد تعاملت جماعة الإخوان معها بطريقة أقرب إلي التلفيق منها إلي التوفيق الخلاق الذي ينتج عنه مركب جديد يجمع بين مبدأي الحكم للشعب والحاكمية لله, ولكن انطلاقا من أن السيادة النهائية هي للأمة صاحبة الحق في اختيار حكامها ومساءلتهم ومحاسبتهم وانتخاب من ينوبون عنها ويستمدون سلطتهم منها وليس من أي هيئة أو جهة غيرها. كان هذا, ومازال, هو جوهر أزمة الجماعة, ومصدر ارتباكها وعنوان عجزها عن التكيف والاندماج. ومن هنا كان الخوف الذي أثاره مشروع برنامج الإخوان من أن يؤدي ضعف القدرة علي الاجتهاد الخلاق في قضايا الدولة والسلطة إلي الوقوع في أسر الدولة الدينية. ولا مخرج من هذا المأزق الكبير إلا إعطاء أولوية قصوي لبلورة رؤية للعلاقة بين الدولة والدين تقوم علي توفيق خلاق بين سيادة الأمةوسيادة الشريعة مما يجعل النظام السياسي ديموقراطيا من عدمه ليس التفاصيل الكثيرة التي حواها المشروع, وإنما المبادئ التي يقوم عليها وفي مقدمتها مبدأ سيادة الأمة فهذا المبدأ هو الذي يجعل السلطة النهائية هي للهيئات المنتخبة من كل أصحاب حق الاقتراع, وليس فقط من بضع عشرات أو مئات من علماء الدين وهو ما يشكل ملامح عقدة الديمقراطية لدي الجماعة. كانت المسألة الديمقراطية عقدة أساسية بالنسبة إلي تيار الإخوان المسلمين منذ تأسيس تنظيمه الأم في مصر وما زالت هذه العقدة مستمرة بالرغم من التقدم الذي حققته بعض تنظيمات الإخوان في بلاد عدة, ومن بينها مصر وربما يجوز القول إن شيئا من التفكيك حدث في هذه العقدة من حيث المبدأ, كما هي الحال علي مستوي تفاصيل المسألة الديمقراطية. ولكن مصدرها الرئيسي, الذي يعود إلي قضية المرجعية, ما زال مستعصيا علي التفكيك فالإصرار علي مرجعية أحادية للنظام السياسي لا ينسجم مع أحد أهم مقومات الديمقراطية التعددية التنافسية المفتوحة, سواء كانت هذه المرجعية فكرية أيديولوجية فلسفية أو دينية فأحد الفروق الأساسية بين النظام الديمقراطي والنظام الشمولي هو أن الأول متحرر من المرجعيات إلا ما يتوافق عليه المجتمع بحرية كاملة من مبادئ دستورية عبر حوار وطني عام يقود إلي صيغة يقبلها جميع الأطراف والفئات السياسية والاجتماعية. وهذا هو جوهر المعضلة التي تواجه الإخوان المسلمين وغيرهم من تيارات الإسلام السياسي حين يحدث تقدم في موقفها تجاه المسألة الديمقراطية وقد حدث هذا التقدم فعلا. فالنظام السياسي عند الإخوان المسلمين هو نظام ديمقراطي بالمعني الإجرائي الذي يفهمه كل من يؤمن بالديمقراطية. نظام يقوم علي أن الشعب هو مصدر السلطات, الأمر الذي يجيب بشكل واضح علي سؤال طالما أربك حركات أصولية طورت خطابها السياسي باتجاه قبول الديمقراطية ولكن بصورة غامضة وهو: أين, إذن, موضع مفهوم الحاكمية لله في هذا الإطار؟ فالخطاب السياسي لجماعة الإخوان المسلمين يقول إن المواطنة, وليس الدين, هي أساس العلاقة بين النظام السياسي والشعب, وانها تؤيد التداول السلمي للسطة بما يعني ضمنيا أنها لن تحتكر الحكم إذا فازت في الانتخابات, بالرغم من أن الكثير من الأحزاب والتيارات الأخري لديها شك عميق في ذلك. فالسيناريو الذي أطلق عليه في تقرير التنمية الإنسانية العربية لعام2004 فخ الانتخابات لمرة واحدة يخلق خوفا من وصول حركة إسلامية إلي السلطة في انتخابات حرة, فتنفرد بالحكم. وعندئذ تصبح هذه الانتخابات هي الأولي والأخيرة. فالتقدم الذي حدث في موقف الإخوان المسلمين وتيارات إسلامية أخري باتجاه المسألة الديمقراطية يظل محصورا في الجوانب الإجرائية في النظام السياسي, وبمنأي عن الأساس الذي يقوم عليه. فالقول بأن هذا النظام ديمقراطي بمرجعية إسلامية ينطوي علي تناقض في بنيته. وهذا تناقض يخالف الأساس الذي يقوم عليه النظام الديمقراطي, من حيث أنه يستمد وصفه هذا( الديمقراطي) من كونه يقوم علي حرية الاختيار بين أحزاب وقوي وحركات لكل منها أو لبعضها مرجعيات, وليس علي الارتهان لمرجعية واحدة. وهذا, كله, فضلا عن أن هذا التكييف للنظام السياسي( نظام ديمقراطي بمرجعية إسلامية) يصطدم بمشكلة ممتدة في الفكر الإسلامي السني عبر الزمن, وهي عدم وضوح مفهوم المرجعية أصلا. فهذا مفهوم غامض ليس له أصل واضح في الفكر الإسلامي السني, بينما يتعارض مدلوله في الفكر الشيعي تعارضا مباشرا بل كاملا مع المفهوم الديمقراطي. فالمرجعية في الفكر الشيعي تعبر عن معني شمولي, يفترض أن يكون بعيدا عما يقصده القائلون بالديمقراطية في إطار مرجعية إسلامية. وقد رأينا كيف عملت آليات النظام السياسي الإيراني باتجاه إقصاء القوي الوطنية غير الأصولية التي لعبت أدوارا مقدرة في الثورة علي النظام الشاهنشاهي, ثم في تمهيش الاتجاهات الإصلاحية الإسلامية في دخل السلطة التي باتت أحادية مغلقة. غير أن ما يعنينا هنا, ليس هو طابع النظام السياسي الإيراني الذي يمكن أن يختلف عليه المختلفون, بل التطبيق المحدد لمفهوم المرجعية الدينية والدور الذي تلعبه في التشريع. وهذا هو بيت القصيد بالنسبة إلي ما يطرحه القائلون بنظام ديمقراطي في إطار مرجعية دينية. فهم يقولون إن البرلمان المنتخب من الشعب هو الذي سيشرع في إطار الاجتهادات التي يطرحها علماء الدين( المرجعية). وهذا طرح قريب مما جري عليه العمل في إيران, من حيث الآليات وطريقة إدارة العلاقة بين المشرع والمجتهد, وليس من زاوية نوع المرجعية وأصولها. فقد فرضت الآليات المتبعة في إيران أن تكون سلطة التشريع الحقيقية بين يدي المراجع من علماء الدين وليس في البرلمان المنتخب, فالإقرار بوجود مرجعية خارج البرلمان يمنحها بالضرورة وفي كل الأحوال سلطة مراقبة أداء هذا البرلمان وما يصدر عنه في ضوء القاعدة العامة التي طبقت في إيران, ويتبناها بعض الإسلاميين العرب, وهي ضمان الانسجام بين القوانين التي يتم سنها والشريعة الإسلامية. غير أن المشكلة ليست فقط في الموضع الحقيقي لسلطة التشريع, ولكن أيضا في العملية التشريعية نفسها. فهناك خلاف بين علماء الدين المسلمين في كل مكان علي معيار انسجام التشريع مع الشريعة. فهل المعيار هو التطابق التام أم عدم التعارض أو عدم التمايز أو عدم المغايرة؟ وفي تجربة إيران, من حيث الآليات لا الفكر مرة أخري, هيمن في البداية رأي أنصار التطابق, وأدي ذلك إلي مآزق حرجة, من بينها مثلا الصعوبة التي وجدها علماء مجلس صيانة الدستور لسنوات متوالية في الموافقة علي الميزانية العامة للدولة, لأنهم لم يستطيعوا الاتفاق علي أن الضرائب تتطابق مع الشريعة. وأدي ذلك مع الوقت إلي تدعيم مركز القائلين بأن المهم هو ألا تكون القوانين مغايرة للشريعة. كما أصبح الاجتهاد القائل إن هناك حالات تستدعي ترجيح المصلحة علي الشرع مقبولا في الممارسة. ومع ذلك يظل هناك خلاف بين علماء الدين الذين يريد الإخوان المسلمون مكانا مرجعيا لهم في مؤسسات النظام السياسي, الأمر الذي أوقعهم في المأزق الذي أنتج فكرة هيئة العلماء التي وردت في مشروع برنامجهم الذي سبقت مناقشته وليس هذا هو المأزق الأول, ولا هو الأكثر خطرا, في تاريخ جماعة الإخوان المسلمين في مصر. فقد كان إصرارهم علي مرجعية لا يملكون رؤية واضحة لهم أحد أهم أسباب الصدام الذي حدث بينهم وقيادة ثورة يوليو1952. فقد طلبوا أن تعرض التشريعات والقرارات الرئيسية علي لجنة تضم أعضاء من الجماعة والجيش, فأدرك الزعيم جمال عبدالناصر أنهم يريدون وضع الثورة ومجلس قيادتها تحت وصايتهم. ومع ذلك لم يستوعب الإخوان المسلمون الدرس, وظلوا مصرين علي مرجعية دينية في غياب القدرة علي تنظيرها وبلورة رؤية واضحة لها يمكن أن تقنع غيرهم بأنها لن تكون المعبر الذي يقود إلي دولة دينية من الناحية الفعلية. ولمساعدتهم في السعي إلي بلورة رؤية قد تساعد في حل العقدة التي ما زالت مستعصية, ربما يكون عليهم أن يبدأوا بالتفكير في عدد من الاسئلة التي يمكن أن تسهم الإجابة عليها في إحراز شيء من التقدم, وهي كيف يمكن تجسيد مفهوم المرجعية في الواقع عمليا ونظاميا؟ ومن يعبر عنها؟ وكيف..؟ وأي صورة ستكون عليها.. وكيف يتم اختيار أعضائها.. وهل سيراعي فيهم أن يكونوا متفقين أو متجانسين..؟! وفي صيغة أكثر وضوحا بافتراض أن هناك أكثر من حزب أصولي, هل يمكن تصور أن يكون لكل حزب من هذا النوع علماؤه, الذين يمثلون مرجعيته التي تختلف مع مرجعية الحزب الأصولي الآخر, ثم يأتي كل من هذه الأحزاب بعلمائه ليكونوا مرجعية للنظام السياسي في حال فوزه بالغالبية؟ وفي حال مصر علي وجه التحديد كيف ستكون علاقة هذه المرجعية بالأزهر وعلمائه, وهل فكر الإخوان وغيرهم من الإسلاميين الذين يطرحون فكرة النظام الديمقراطي ذي المرجعية الدينية في موقع الأزهر في الإطار الذي يتصورونه, أم أن هذا الإطار ما زال محض خطوط عامة لم يحدث تفكير في كيفية تطبيقها, ثم كيف ستسير العلاقة بين المرجعية أيا تكون صورتها والمجلس التشريعي المنتخب, وهل يكون اعتراض المرجعية علي تشريع أصدره هذا المجلس نهائيا, ما الذي يبقي من مبدأ السيادة للشعب الذي تمتنع الديمقراطية في غيابه؟! ثم ماذا لو اختلفت المرجعية علي تشريع ما, فرأي بعض علمائها انه لايخرج علي مباديء الشريعة فيما رأي بعض آخر أنه يحل حراما أو يحرم حلالا؟ وليست هذه إلا عينة من أسئلة كثيرة يثيرها مفهوم النظام الديمقراطي في إطار مرجعية إسلامية, بما وضح فيه وما غمض. فالواضح فيه يتعارض مع أهم مقومات الديمقراطية التي تمتنع حين تحضر المرجعية الأحادية التي تقترن بالنظام الشمولي. أما الملتبس فيه فهو يعود إلي عدم قدرة أصحابه علي تقديمه في صياغة تنسجم مع مقومات الديمقراطية, أو علي الأقل لا تتعارض معها تعارضا جوهريا. والمعضلة, هنا, هي أنه لاتوجد دلالة محددة وواضحة لمفهوم المرجعية في الفكر السني. وقد رأينا المرجعية الشيعية في التطبيق سلطة دينية عليا تمتلك الحق في مراجعة كل ما يقوم به غيرها بينما لا تسأل هي أو تراجع. فليست هناك صيغة أخري معروفة للمرجعية التي يقول بعض الإخوان إنها لا تعني سلطة دينية وليس لديهم اجتهاد محدد يوضح كيفية تجسيد هذه المرجعية بطريقة لا تجعلها سلطة دينية متعالية تراجع كل مايصدر عن المؤسسات الدستورية في الدولة والمجتمع لتجيزه أو تهدره. والحال أن مجرد وجود هيئة ما فوق المؤسسات الدستورية يؤدي إلي دولة دينية حتي إذا كان نظامها السياسي مكتمل الأركان من الناحية الإجرائية, وحتي إذا لم يكن أعضاء هذه الهيئة من رجال الدين. فحكم هؤلاء ليس شرطا للدولة الدينية لأن العبرة بدورهم والصلاحيات المخولة لهم وطبيعة سلطتهم. فالعبرة ليست بمن يحكم, بل بكيف يحكم.