مجموعة من الأقسام الخاصة يقدمها مهرجان أبوظبي في هذا العام بالتنسيق مع العديد من الجهات العالمية في مجال السينما. عرض ضمن تلك الفعاليات بعض من الأفلام المهمة علي المستوي العالمي منها قسم الأفلام المرممة وعرض فيها فيلم المومياءThemummy:thenightofcountingtheyears وهذا هو العرض الأول للنسخة ال35 مللي في الشرق الأوسط بعد أن عرضت في مهرجان كان هذا العام والتي تم ترميمها بتنسق وتعاون بين المركز القومي للسينما وشركة مارتن سكورسيزي لدعم السينما في العالم. فيلم المومياء هو واحد من أهم الأفلام التي صنعت في تاريخ السينما المصرية علي الإطلاق. فالمخرج شادي عبد السلام كان واحدا من أهم مهندسي الديكور ومصمي الملابس في تاريخ السينما المصرية. ولعل تلك الصفة الفنية هي التي جعلت من فيلم المومياء تحفة فنية من الناحية التشكيلية. ويعتبرها النقاد فيلما يدرس بخصوص الألوان والتناسق في التكوين. غير أن النسخ التي كنا نشاهدها سابقا كانت باهتة الألوان وربما تقترب من كونها بالأبيض والأسود. أصابني شيء من التردد عند مشاهدة هذا الفيلم في عرضه دون فعاليات المهرجان. إذ دون مشاهدة فيلم قديم لعدة مرات يقف حائلا ضمن مشاهدته مجددا. غير أنه تردد في أروقة المهرجان أن تلك النسخة المرممة اقتربت من أن تكون98% من النسخة الأصلية الأمر الذي يعني أننا سوف نشاهد الفيلم تقريبا كما قام بصناعته طاقم العمل في عام01969 الذي لايتغير في الفيلم هو الدراما أو الحوار وطريقة التمثيل, ولعلها كانت النقطة الأساسية التي استندت فيها رؤيتي لهذا الفيلم الكلاسيكي, تلك الفلسفة العميقة التي بدت جلية في سيناريو الفيلم وأحداثه التي تدور في عام1881 أي قبل الاحتلال البريطاني لمصر بعام واحد. الجانب الفلسفي العميق في الفيلم هو حالة التغير والدهشة والحزن أو لنقل الصدمة التي تصيب الفتي ونيس أحمد مرعي إبن كبير عائلة الحروبات بعد أن يعلم أن مصدر الدخل الذي تعيش عليه القبيلة ليس إلا سرقة الموتي الفراعنة وبيعها لتاجر يدعي أيوب شفيق نور الدين تلك الصدمة الوجودية التي تصاحب حضور بعثة من الدارسين ومنقبي الآثار التابعين للحكومة. من المؤكد أن كل هذا لم تتغير صورته لدي عند مشاهدة النسخة المرممة فالدراما كما كانت والتمثيل الهادئ وايقاع المونتاج المتهمل والمتأمل بالضبط مثلما شاهدته في المرات الأولي منذ عقدين تقريبا, كذلك الحوار بالعربية الفصحي وما له من عمق فلسفي وشعري كبير. الشيء الوحيد الذي تغير هو الألوان في الصورة السينمائية. إنني أشاهد الفيلم وكأن كل التفاصيل الشكلية لم أرها من قبل. كنت أتصور أن ثياب كبار رجال قبيلة الحروبات مثل العم القصير عبد العظيم عبد الحق والعم الأطول عبد المنعم أبوالفتوح قبيلة الحروبات كانت سوداء تماما ومن الداخل بيضاء وهي ثياب قد تدل علي قيم متحفظة وبعد الترميم نكتشف أن بها شريطا أزرق داكنا علي الأكمام لايعطي معني رمزيا إنما يعطي معني جماليا. أيضا فإن زي الفتاة الحسناء التي يعجب بها ونيس نادية لطفي لم يكن أسود تماما بل حمل لون بنفسجيا داكنا من عند الأكمام السوداء وهو لون رومانسي حالم وكانت ترتدي ثوبا داخليا أقرب للبرتقالي يعطي درجة من السخونة. الأهم من ذلك كله هو زي أيوب الأقرب إلي أزياء تجار العصور الوسطي في أوروبا بالسواد والقلنسوة الروسية وكذلك الوشاح الأحمر الداكن فيما يقترب من ملابس المرابين في المسرحيات العالمية أنه زي يوحي بمايمكن تخيله عن زي شايلوك في مسرحية شكسبير تاجر البندقية. لاشك أن الوضوح اللوني يغير من العديد من المعاني والجماليات المطروحة في ذلك الفيلم المتميز إذ أنه دفعني لأن أفكر فيما أن شادي عبد السلام لم يكن مجرد مخرج يفكر في الحالة الاستاتيكية الفنية التي تميز الفيلم من الناحية التكوينية والاخراجية وهي حالة تقترب إلي حد كبير من الفن التشكيلي في العصور المصرية القديمة المختلفة أنه لم يضف إلي هذا حالة من التسطيح اللوني الأقرب إلي الابيض والأسود وكأنه ينظر إلي الحضارة المصرية علي أنها حضارة حجارة فقط, بل تعامل مع الحالة التشكيلية في الفيلم علي أساس أن الجداريات والبرديات الفرعونية كانت ذات الوان قوية ومبهجة في كثير من الأحيان. .... هذا العام يقوم المهرجان بالتنسيق مع متحف الفن الحديث في نيويورك بعمل قسم خاص تحت عنوان خرائط الذاتMappingSubjectivity. وفيها عرض فيلمان للمخرج الفلسطيني إليا سليمان هما سجل اختفاء ويد إلهية. الفيلم الأول كان قد حصل به سليمان علي جائزة قسم آفاق في مهرجان فينيسيا عام1996 وفي عام2002 يحصل فيلم يد إلهية علي جائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان السينمائي. الفيلمان بالإضافة إلي فيلم الأخير الزمن الباقي, الذي عرض في أبو ظبي العام الماضي وحصل علي جائزة أفضل فيلم شرق أوسطي, هي حالة من اللغة السينمائية التجريبية الخاصة, إذ أن هذه الثلاثة أفلام تنتمي لنوعية واحدة من طرق السرد أقرب ماتكون إلي اللوحات التشكيلية المتحركة. أن سليمان في الواقع ليس من نوع المخرجين الذين يستخدمون فكثرة تقنيةحركة الكاميرا بل أن الحركة التي يعرضها علي الفيلم هي في الأساس حركة داخل الكادر, وفي كثير من الأحيان تبدو الحركة داخل الكادر نادرة ورتيبة. الثلاثة أفلام تسمح بخلق صورة ساخرة عن العديد من التفاصيل الانسانية التي تربط الجيران بعضهم البعض في أحد أحياء مدينة الناصرة التي هي مسقط رأس المخرج. من الجميل في رصد تلك التفاصيل أنها قد تتشابه بشكل كبير مع أي حي في مدينة عربية أخري, وربما يكون هذا هو أحد أهداف المخرج من ذلك فمدينة الناصرة واحدة من مدن كثيرة في داخل حدود فلسطين1948 اسرائيل التي تتمتع بثقافتها العربية, وهذا ما يؤكد بساطة وطبيعة وخصوصية المخرج في الثلاثة أفلام. وربما يكون مشهد الأب في بداية فيلم يد إلهية وهو يسب كل من حوله من جيرانه, إنه علاقة اعتيادية لاتدل علي حب أو كراهية فقط هي تدل علي حالة من السخرية من كل شيء إنها تماما مثل تلك اللقطات التي يرصد بها سليمان حالة الاستهتار بكل شيء التي يقوم بها هو وأصدقاؤه سواء في سجل اختفاء أو في فيلم من الزمن الباقي. البعد السياسي في أفلام إليا سليمان يبدو شديد البساطة من ناحية الشكل لكنه علي المستوي الفكري حالة شديدة من التركيب والعمق. إننا في فيلم سجل اختفاء نجد شخصية الفتاة العربية التي تبحث عن شقة في القدس وتحاول أن تتصل من خلال الهاتف في الشارع ببعض الأشخاص الذين يعرضون شققهم للإيجار لنجد في ردود أفعالهم في الهاتف تشريحا عميقا لحالة العنصرية الشديدة لدي الاسرائيليين. المكالمات بالعبرية. وهم إما يغلقون الهاتف بعد أن يستعلموا عن عرقها من لهجتها أو أنهم يتصورون أنها روسية. ولعل الرؤية تأخذ بعدا فنتازيا في فيلم يد الهية عندما تقوم الفتاة بقوة جمالها بتحطيم الحاجز بين رام اللهوالقدس. في سجل اختفاء نحن أمام مرحلة مصاحبة لأوسلو كانت فيها الحالة ليست بالسوء الذي كان في بداية القرن العشرين والتي صاحبها اغلاق تام لكل الأراضي الفلسطينية داخل نطاق اتفاقية أوسلو. الأمر الذي دفع سليمان لأن يخلط بين علاقة الحب بينه وبين حبيبته تأخذ أبعادا سياسية في فيلم يد إلهية إننا أمام شكل من التمزق بين الحبيبين اللذين يتقابلان عند هذا الحاجز. لكن السخرية السياسية تظل هي العنصر السائد البعد الأهم في عملية مقاومة الاحتلال. فالفتاة الفلسطينية ذات الجنسية الاسرائيلية والتي تتقن العبرية تحصل علي اللاسلكي وتتلاعب بقوات الشرطة الاسرائيلية. بينما نجد الحبيبة في يد الهية تقوم بدور النينجا في مقاومة القوات الخاصة الاسرائيلية ويستعير اليا سليمان طريقة الأفلام الصينية الخاصة بالرياضات القتالية. أما الدور الذي يقوم به سليمان نفسه نجده في مشهد دخوله لناصرة وهو يأكل المشمش ثم يلقي بالنواة علي دبابة فيدمرها في فيلم يد الهية, كذلك عندما يطير بألوان مرسوم عليها ياسر عرفات لتتحرك من أمام حاجز الجيش الاسرائيلي أما في الزمن الباقي فنجده يقفز بالزانة من فوق الجدار الفاصل بين الأراضي الفلسطينية واسرائيل في تحد خيالي لهذا الفصل العنصري. من المؤكد أن أفلام إليا سليمان تبدو علي الضفة الأخري تماما. ليس فقط من كل الأفلام التي تناولت القضية الفلسطينية بشكلها التقليدي المباشر. بل أيضا علي النقيض من طرق السرد التقليدية التي تعتمد علي شخصيات وحبكة وتطور في الحبكة. وهي التي تدفع العديد من السينمائيين في العالم العربي لعدم التعاطف مع أفلام إليا سليمان لتطور بنائها. غير أن تلك الأفلام ربما تستعير روحها من أفلام تشارلي شابلن ولعل أقرب الأفلام لتلك النوعية النوعية التي يقدمها إليا سليمان هو فيلم مذكراتي العزيزة(CaroDiario) للمخرج الايطالي ناني مورتي والذي حصل به علي جائزة الاخراج في مهرجان كان عام.1994