لسبب ما, وجدت الغالبية العظمي من أفكاري وخيالاتي دجاجية النزعة هذه الأيام. الدجاجة, هذا الكائن الجميل الذي طالما ظل بالنسبة لي تجسيدا حيا لمعني عبارة من رقصوا علي السلالم فالدجاجة المسكينة ترقص منذ آلاف السنين علي السلالم, فهي طائر, لكنه لا يطير, كما أنه لايمكن تصنيفها باعتبارها حيوانا, فهي لاتلد, حتي وإن كانت, فإن مؤشراتها الشكلية كلها تؤكد أنها طائر, فلها جناحان, وجسمها مغطي بالريش. ورغم أنها تتصرف أحيانا وكأنها طائر, فتفرد جناحيها, وتحركهما, وترتفع بالفعل عن سطح الأرض, لكن ما هي إلا أمتار قليلة جدا, حتي تجدها وقد سارعت إلي الهبوط, وإعادة جناحيها إلي مكانهما. ويبدو أن الدجاجة المسكينة تعي أنها لا محصلة سما ولا محصلة أرض, لذلك فهي من الطيور, أو علي وجه الدقة هي من الطيور التي لاتطير والتي تحرص علي أن تعيش في مجموعات كبيرة, ربما حتي لاتشعر بالوحدة أو الوصمة أو المعايرة لها من قبل الطيور الأخري التي تطير وتحلق في السماء, أو حتي من قبل الحيوانات التي لا تطير مثلها, ولكنها علي الأقل تلد وتبيض وجسمها ليس مغطي بالريش. المساواة بين الكتاكيت وقد زاد احترامي وشعوري بالإعزاز والتقدير تجاه الدجاج أو فلنقل الفراخ حين عرفت بعد بحث وتقص أنها تعيش في مجموعات ذات تركيبة اجتماعية بالغة النظام والتميز. فمثلا تجد إناث الفراخ أو سيدات الفراخ تتعامل مع الصغار من منظور مجتمعي جماعي. فقد تجد فرخة ما ترعي كتاكيت أو صيصان فرخة أخري صديقة أو زميلة لها دون غضاضة, ودون أن تفرق في المعاملة بين كتاكيتها, وبين كتاكيت الفرخة الأخري. كما أنه بعد تمحيص وتفحيص, وجد أن الفراخ التي تأخذ مقاليد القيادة عادة في المجتمع الفراخي تكون صاحبة المظهر الأكثر تميزا والصوت الأعلي. وهي بالتالي تضمن لنفسها الأماكن الأفضل والأكثر تميزا لتبيض فيها. كما يكون لها أولوية الحصول علي الطعام وبالكميات التي تحددها هي, وليس التي تملي عليها. وتبدو الفراخ شديدة الشبه في كل هذه المظاهر الحياتية, حيث التفرقة علي أساس السلطة والقوة وسياسة الذراع. ولا تتوقف أوجه الشبه عند هذا الحد, بل إن العلماء لاحظوا أنه لو اختفت الفراخ التي تتمتع بمكانة متميزة من مجتمعها, فإن بقية الفراخ تتعرض لهزة نفسية واجتماعية عنيفة, ولا تتغلب عليها بسهولة. وهي لاتعود إلي طبيعتها, إلا إذا تمت إعادة تنظيم الحياة في مجتمعها مرة أخري. الديك الفتك ولا تقف أوجه التشابه بيننا وبين الفراخ عند هذا الحد, بل إن الديك ال فتك حين يبدأ في الرسم علي دجاجة ما, فإنه يدعوها لتفتتح مائدة الطعام حين يوضع أمامه. بل أنه يدعها تأكل هي قبل أن يمد منقاره. وبعد ذلك, يعتبر الديك قبول الفرخة لدعوته, وتكرمه عليها بالسماح لها بالأكل قبله علامة من علامات الرضا والموافقة من قبلها ليكون زوجا لها. بعدها يعود الديك ال جنتل ال ذوق الذي يؤثر الفرخة علي نفسه الي ديك جلمف منزوع الذوق عديم الجنتلة, فهو يتجاهلها تماما في أوقات الطعام, وفي أحسن الأحوال إذا كان ديكا متربيا وتمرت فيه العشرة, فهو قد يسمح لها بأكل ما تبقي منه. أما الفرخة, فهي أم متفانية تحب صغارها حتي قبل أن يفقسوا. فالفرخة تقلب كل بيضة نحو50 مرة يوميا, وذلك حتي لا يلتصق بياض البيض بالقشرة الخارجية. وإذا عرفنا أن الفرخة تبيض نحو300 بيضة سنويا, نتأكد من أن الفرخة تقوم بالفعل بعمل مضن لرعاية البيض, حتي ذلك الذي لا يفقس. ويؤكد العلماء أن الماء يشكل نحو75 في المائة من وزن الفرخة.( وغالبا تزيد هذه النسبة لدي الفرخة المصرية ليشكل الماء نحو90 في المائة من وزن الفرخة وذلك إذا كان ما أوردته إحدي الصحف الخاصة الأسبوع الماضي حول حقن الفراخ بالماء قبل بيعها حتي يزيد وزنها صحيحا) سقوط الريش والفرخة مثلنا تماما نحن النساء والفتيات. ولا أقصد هنا في كثرة الكلام, أو لأننا غالبا في جلساتنا النسائية لا نسمع بعضنا البعض, بل نصر علي أن نتحدث جميعا في الوقت نفسه, تماما مثلما تفعل الفراخ! ولكن وجه الشبه المقصود هنا هو أن ريش الفرخة يتساقط ويخف كلما تعرضت الفرخة لضغوط نفسية تسبب لها ضيقا أو اكتئابا, وهو ما يحدث لنا حين نجد شعرنا يتساقط كلما مررنا بظروف نفسية أو عصبية ضاغطة. هذه المعلومات ليست وحدها ما جعل جل تفكيري منصبا علي الدجاج هذه الأيام. ولكني وجدت أن الفرخة الواحدة تجسد مبدأ إصهار جميع فئات الشعب, العامل منها والعاطل, الغني منها والفقير. فالفرخة تباع بعشرات الأشكال والطرق. فمنها ما يباع علي بعضه, ومنها ما يتم إخلاؤه من العظام, وتصنيفه كصدور للأغنياء, وغير الصدور لأنصاف الأغنياء. هناك أكوام الأرجل والرءوس والتي تعد مصدرا رئيسيا للبروتين الحيواني لملايين الأسر في مصر. صدور الأغنياء وأرجل الفقراء ولنتخيل الفرخة الواحدة مقسمة بين صدور علي مائدة عظيم في التجمع الخامس, وأوراك في أكلة موظف في إسكان الشباب, وانتهاء بشوربة رءوس وأرجل علي طبلية أسرة في الدويقة. شيء رائع فعلا. الاروع من ذلك هو الكم المذهل من الأكلات والوصفات المرتكزة علي هذه الفرخة المسكينة التي قضت نحبها من أجلنا, فها هي بالصوص الأبيض والمشروم حسب وصفة الشيف التليفزيوني أسامة, ثم تتحور وتتنكر لتظهر محشوة بالأرز والخضراوات والليمون حسب الوصفة المغربية, وتنتقل بين أرجاء الوطن العربي فتتحول إلي دجاج مسحب شامي, او متبل محمر عراقي, او كبسة دجاج خليجية, او هي تعبر بنا المتوسط لتتحول إلي باستا بستو لدجاج او تعرج يمينا ويضاف إليها الزيتون الأسود حسب الوصفة اليونانية, او تعبر الاطلسي لتتحول إلي كيساديلا الدجاج والتفاح الامريكية اللاتينية, او تكمل دورة كاملة حول الكرة الأرضية وتستقر في صحن ياباني ترياكي الدجاج. وحتي تكتمل الصورة جميلة, هي الفرخة قابعة في بطون المسلمين سنة وشيعة, والمسيحيين كاثوليك وأرثوذكس, وبروتستانت, واليهود والهاري كريشنا, ومن لادين لهم, وذلك دون أن يسأل احدهم عن هويتها الدينية, او اصلها وفصلها. نوبل البطون هي حقا مذهلة تلك الدجاجة التي أرشحها لتنال جائزة نوبل في توحيد بطون سكان المعمورة, فعل الرغم من اختلاف انواعها واشكالها وأحجامها, وضراوة تعرضها لعمليات الحقن بالماء او القتل بالخنق او الذبح, وعلي الرغم من عملها الشاق المضن شبه اليومي في وضع البيض وتدليلة وتقليبه قبل أن يتحول هو الآخر إلي أومليت او في كسرولة مندمجا مع قطع البسطرمة في تناغم جميل, او حتي بعد خضوعه لعملية تمويه شاملة مسماة بالعجة إلا أن الدجاجة في شرق الأرض او غربها, شمالها أو شرقها, علي موائد الفقراء, او الاغنياء, كاملة بعظامها أو مخلية بدونها, ستظل هي الدجاجة التي لا طالت سماء, ولا طالت ارضا, فتحية خالصة إلي كل دجاجة تنقنق دون كلل او ملل. متعة المشاهدة قبل أيام قليلة سمعت صوت خناقة في شارع ألماظة في حي مصر الجديدة ولأنني مصرية صميمة وأحمل جينات حب الفرجة علي الخناقات التي يتبادل فيها المتصارعون الكلمات والعبارات المحملة بالغضب, بينما الناس يتجمعون حولهم بين أهل الخير الذين يحاولون فض الاشتباك وبين أهل الفرجة امثالي الذين يتابعون الخناقة بغرض متعة المشاهدة, فقد هرعت إلي النافذة لاتابع تصاعد الخناقة, ومن ثم انتهاءها, لكن يبدو انني بعيدة عن مجال الفرجة علي الخناقات منذ زمن فقد هالني ما رأيت! فقد وجدت احد بطلي الخناقة, والذي يعمل في شركة مستلزمات مكتبية في العمارة المقابلة, وقد امسك بسكين مطبخ كبيرة, ويلوح بها مهددا علي غرار أفلام العنف والبلطجة, ويحاول ان يفلت من ايدي بقية الموظفين الذين يحاولون اثناءه عن التوجه إلي بطل الخناقة الآخر القابع في عمارة مجاورة وحوله مجموعة من المتفرجين كذلك. وما هي الا ثوان حتي كانت الدماء هي البطل الرئيسي في الخناقة! وقد سمعت ان البطل الآخر كذلك كان ممسكا بسكين, يعني ماحدش أحسن من حد, ورغم انني لا أعرف تفاصيل الخناقة, او تسلسل احداثها, الا ان الفكرة التي سيطرت علي هي: إذا كان هذا هو حال الرجل الناضج الذي يتعرض لضغط عصبي أو استفزاز ما فلا يجد سوي سكين مطبخ ليهرع بها إلي الشارع حتي يشرح الشخص الذي سبب له الضغط العصبي, فكيف يتصرف مع ابنائه في البيت؟ وما شكل الصورة الذهنية التي رسمت في اذهان الصغار عن أبيهم القدوة؟ المؤكد هي أنها صورة عنيفة قبيحة مزرية, لكنها متجسدة لديهم باعتبارهم نموذجا وقدوة تحتذي, اذن من الطبيعي جدا ان ينقل الصغار مثل هذه التصرفات معهم أينما ذهبوا وطبيعي أيضا أن يبادر الصغير في أولي ابتدائي بركل زميله في فناء المدرسة إذا اختلس منه قضمة من الساندوتش, وطبيعي ان ينتظر شقيقه في المرحلة الاعدادية زميلا له علي باب المدرسة فيوسعه ضربا مستخدما الحذاء وربما المطواة لانه سخر منه في الطابور, وطبيعي ان يجود الشقيق الثالث ويطور في رد فعله هو الآخر, فيقدم علي سب معلمه وضربه علقة ساخنة ان تجرأ الأخير وضايقه في الفصل..!! عادي جدا ما هو بابا بيعمل كده! صراع الديوك في اليوم نفسه, طالعت تقريرا من اعداد المركز المصري لحقوق الإنسان رصد من خلاله حالات العنف المعلن عنها في المدارس خلال الشهر الأول فقط من الدراسة, مولتوف ومطاوي واحزمة وضرب بالأيدي والأرجل حفلت بها مدارس عدة, والمثير ان العنف بين الطلاب لم يعد حكرا علي الطلاب المراهقين في المرحلتين الثانوية والاعدادية فقط, بل امتد إلي المرحلة الابتدائية, ولعل بعضنا طالع حادث الطعن بالمطواة الذي وقع ضحيته طفل في الصف الأول الابتدائي علي يد زميل له في الصف السادس, وهو الحادث الذي لم يجد طريقه إلي التقرير لأنه وقع بعد الشهر الأول من الدراسة, والعنف في المدارس بحسب التقرير لم يقتصر علي عنف متبادل بين الطلاب وبعضهم البعض, بل هو من الطالب للمدرس, ومن المدرس للطالب ومن أولياء الأمور للمدرسين, ومن اولياء الأمور لزملاء ابنائهم, والحكاية هيصة. وبعيدا عن محاولة إلصاق التهمة بالأسرة وحدها التي تناست دورها الرئيسي في تربية الأبناء وتنشئتهم او وزارة التربية والتعليم التي انشغلت بحشو المناهج بالرز واللحمة والمعلومات العقيمة, أو رجال الدين الذين انشغلوا بالبحث في حرمانية ظهور صباع رجل المرأة الصغير, او الإعلام الذي انشغل بصراع الاعلانات وتحقيق الأرباح أو.. أو.. فالمؤكد اننا اصبحنا مجتمعا يموج بالعنف, الجميع مكبوت ومقهور, ولا أعني بالضرورة الكبت السياسي, ولكن كلا منا يفش غله فيمن يجاوره, ولأن هذه الطريقة مثلي لإلهاء الجميع, مثلها مثل كرة القدم, فقد تم غض الطرف عن هذا العنف الكامن المتبادل الذي يجري نهارا جهارا بطرق لا أول لها أو آخر. عادي جدا ان ينرفز واحد زميله, فيقوم الأخير بتشريحه, عادي جدا ان يكسر احدهم علي آخر في الشارع, فيقوم الأخير بضربه وسحله في عرض الشارع, عادي جدا ان يفاجأ احدهم بشخص غريب في بيته مع شقيقته فيطعنه ويقطعه اربا ثم يطلق عليه الرصاص علي مرأي ومسمع من الجيران الذين لا يجرأون علي التدخل لأن الجار يعمل في مكان مهم. ونعود إلي مملكة الدجاج هذه المملكة العبقرية, مرة أخري نتقابل وإياها في اوجه الشبه, صراع الديوك صراع دموي وخطير, وقد ينتهي بموت احدهما او كليهما, زمان كنا نحاول منع صراع الديوك الآدمي بالقانون تارة, وبالعرف والمباديء والأخلاق والقيم تارة أخري, واليوم لم يعد هناك لا هذا ولا ذاك, فبتنا نعيش في صراع ديكة مستمر.