مش ممكن ده يحصل وهب واقفا وزبد صراخه مازال عالقا بفمه وعيناه تلمعان بغضب مخيف لم أعبأ به...في هدوء أخبرته انه لامفر من ذلك, ليس عليه سوي أن يذهب إليهم في بلدتهم للعزاء ثم يختلي بوالده ليخبره ان( المرحوم) قد تقدم اليها قبل وفاته وينتهي كل شيء ولكن قاطعته في حسم لم يعتده مني وعيناي تواجهان عينيه بلا مراوغة, لامكان للكن, ابنة أختك كانت هناك ورأت كل شيء ولن يمكنها السكوت طويلا كنت اعرف ان ماجري لن يمر بسلام كما تمنيت لذا لم اجد سوي ان أخبره بنفسي ولكن هل يمكن ان اخبره بكل التفاصيل. ترددت في البداية لكن ثقتي في ابنه أخته التي( لاتبتل في فمها فولة) كما يقال دفعتني الي مصارحته مهما كانت العاقبة. لم أكن هناك لكني اعرف ابنتي ويكاد يتراءي لي انهيارها حين رأت جثته محمولة فوق تلك الطاولة البيضاء ثم انبعاث صرخات وفاته تملأ الأرجاء. اعرف ماحدث دون ان يحكي لي, لكن ماجهلته هو تلك العيون التي رقبتها لتذيع سرها الألسن. كانت تحبه هكذا أخبرت والدها الذي وقف مذهولا للمرة الثانية, نكست رأسي, اعرف أن عباءة اللوم ستلقي علي الان وعلي ان اظل صامتة قدر استطاعتي, لم ينطق ربما كان ماحدث اكبر من تصوره ورأيت الحسرة تتقافز فوق ملامحه واختنق صوته. انسحب وسمعت ارتطام الباب في قوة هزت كل أركان ثباتي. *** كنت اختلس النظرات اليه فبدت ملامحه اقل اختناقا عند عودته ولكن عينيه تبحثان عنها ثم مالبث ان ناداها. تردد نداؤه فهرعت اليه وأعاصير الخوف تجتاحني.. أخبرته إنها لدي خالتها اليوم, ولم يعلق واراحني هذا كثيرا واستطاعت أنفاسي أن تنتظم. جلست إلي جواره واضطرابي يسأله عما حدث دون أن أنطق, جاءني صوته متهدجا يخبرني انه طلب أن يتم أخوه الخطبة ولكن بعد( الاربعين), دون أن أدري دققت علي صدري وأنا اشهق فنظر الي وشرر غضبه يلفحني منذرا بأن الامر قد انتهي, غير مصدفة قلت اذكره: لكن.. لكنه وأشرت الي ساقي دون أن أكمل عبارتي, أشاح بنظره عني: اعرف. فقمت من جلستي لأواجهه متسائلة: وتنوي ان تزوجه لها!! *** لم يكن موجودا وهذا ما طمأنها فعادت الي البيت, لم ادر كيف اكسر صمتي لأخبرها بما نوي عليه, ظللت فترة أراقبها وهي تغير ملابسها,ملامحها جميلة كأهل أبيها ولكن يكسوها حزن حاولت مداراته دون جدوي, حزنت لذلك الجمال الذي قدر له ان يدفن بقية حياتها..لم تطاوعني الكلمات والتصق لساني بحلقي فخرجت من الحجرة دموعي تسبقني ولم انطق بشيء. لاذت بغرفتها وسري الخوف بأوصالها عند سماع صوته وازداد انكماشها حين رأته يتصدر باب غرفتها, لم يكن خوفي اقل منها فظللت أرقبة وأنا في نفس موضعي دون أن تطأ قدمي غرفتها امتثالا لأمره.. أغلق الباب خلفه وقتلني الانتظار. انفتح الباب بعد مدة ظننت أن قلبي توقفت دقاته فيها وطلب ان اعد الغداء, هرعت الي غرفتها فوجدتها اشد انكماشا وذبولا وان كانت لاتواري حزنها تلك المرة, عرفت انه اخبرها بقراره والذي لا تملك أي منا رده وضممتها الي صدري وابتلعت دموعها التي بدت بلا نهاية. *** تباعدت زيارتها لنا مع مضي الوقت وبدا أنها تستسلم لذلك الوضع, ربما اعتياد الالم يولد التبلد, كان هذا يحزنني, فكرت مرارا ان أخبره بما تعانيه مع زوجها ولكن تتبخر كلماتي علي شاطئ فمي.. وتنحسر أمواج غضبي للأعماق. مع الأيام ملت الشكوي ولكن ذلك الحزن الذي عرف طريق وجهها لم يرحل وكأنه وجد مأواه الأخير بلا رجعة. انتفاخ بطنها وفرحتنا لم يؤثرا فيها شيئا وكان هذا يعتصرني فأشعر بأنفاسي تختنق لها خاصة حين اراه بجوارها فيتبلور نقصه. كل مره ابحث في وجه زوجي عن نظرة ندم فلا اجدها وكأن الندم لم يتعرف عليه بعد. انفردنا وأنا اسألها عن حملها أطرقت وجادت علي بكلمات واهية تطمئنني, عدت اسدي لها نصائح لم تعرها اهتماما, لمحت شرودها وهي تعبث بتلك( الدبلة) في إصبعها ضاقت مع الحمل هكذا أخبرتها متجاهلة ماتعانيه فرفعت الي عينيها ناظرة في حدة: ومنذ متي كانت مقاسي, ثم قامت من جلستها مباعدة بين ساقيها وظهرها محني بثقلها وذلك الانتفاخ يتكور احيانا فتصدر منها آههه مكتومة. عباس الوجه هو دون ان يذكر سببا أبدي دهشة لجهلي لم أتوقعها حين سألته عما به, نظر اليها وكأنه يستشهد بها غير مصدق واخبرني من وسط ذهوله أنها ستلد بعد أسبوع.,.نظرت اليها غير مصدقة أنها لم تخبرني, تململت في جلستها نسيت هكذا أجابت وساد الصمت وأنا أحاول استيعاب الموقف. *** لم تكن لحظة يسيرة تلك التي قررت فيها أن تهب ابنها للحياة ليتنسم هواءها, عانت كثيرا وان كان هذا متوقعا ولكن آلامها فاقت طاقة احتمالها بعد الجراحة التي اختارتها بإرادتها وسط ذهول لنا جميعا ولكن احدنا لم يملك الاعتراض..بدي الفرح علي وجهه مخالفا لنظرة الكره في عينيها وهي تحمله بيد واهنة دون ان تمنحة شيئا من حنانها, وبدت نظرة صبر في عينيه اشعرتني بمدي ذنبها وذنبي ايضا..ربما لأنني يوما تركتها وحيدة أمام إعصار والدها فرضخت مرغمة لقراره. حملت تلك القطعة الحمراء الصغيرة وقربتها من قلبي محاولة أن امنحها حنانا لن تجده معتذرة عن ذنب لم اقصده في يوم. ولاء جمال يوسف/ قنا