إن تزايد حدة التوتر بين موسكو ومينسك علي أعلي المستويات ليس وليد اليوم أو السنوات الأخيرة, فروسيا التسعينيات وتصرفات الرئيس الروسي الأول بوريس يلتسين وسلوكياته هو المحيطين به كانت تسبب ازعاجا ملحوظا للرئيس البيلوروسي الكسندر لوكاشينكو, غير أن موسكو التسعينيات لم تسع ابدا للسيطرة علي مينسك او الإطاحة بالرئيس لوكاشينكو. العلاقات ساءت اكثر طوال حكم الرئيس فلاديمير بوتين, ولكنها اليوم علي حد الموسي, فقد قام الرئيس الروسي دميتري ميدفيديف بتوجيه رسالة متلفزة عبر مدونته علي الانترنت للشعبين الروسي والبيلوروسي انتقد فيها تصرفات الرئيس البيلوروسي الكسندر لوكاشينكو, مماعكس بالفعل مدي تدهور العلاقات بين القيادة الروسية والرئيس البيلوماروسي الذي تحدث مؤخرا بكثير من التشكيك والتحامل علي القيادة الروسية, وأعلن دعمه الكامل ليوري لوجكوف الذي أقاله ميدفيديف من منصبه كعمدة موسكو, علما بأن تدخل لوكاشينكو في أمر من هذا القبيل يعتبر تدخلا سافرا في الشئون الداخلية لروسيا. هذا هو المعلن, لكن المخفي يدور في مجمله حول خطة روسيا للسيطرة علي غاز او شبكات نقل الغاز او الاثنين معا في أراضي الجمهوريات السوفيتية السابقة, ويبدو أن هذا الموضوع يشكل استراتيجية لموسكوالجديدة, لأنها لم تتوان عن اعتماد اقصي درجات القسوة مع الثوار البرتقاليين في أوكرانيا والدخول في مواجهة صارمة مع أوروبا والولايات المتحدة, وكسبت موسكو الجولة مطيحة بالثوار البرتقاليين ومدشنة سيطرتها علي شبكات نقل الغاز في الأراضي الاوكرانية ووضع رئيس موال لها100% واصبحت شركة الغاز الأوكرانية في قبضة عملاق الغاز الروسي غاز بروم وتم تغيير الدستور الأوكراني ليستعيد الرئيس كل صلاحياته بعد أن تحولت اوكرانيا إلي جمهورية برلمانية رئاسية. الأمور تتكرر اليوم مع بيلوروسيا( المشاغبة), وفي الحقيقة, فالرئيس لوكاشينكو يمنح نفسه حقوقا اضافية بالوصاية السياسية والإعلامية علي القيادة الروسية, ويستخدم بعض الأوراق غير المريحة لموسكو كوسيلة ابتزاز, مما يثير غضب الكرملين ومجلس الوزراء الروسي بقيادة الرئيس السابق فلاديمير بوتين, لكن قبضة موسكو قوية وثقيلة عندما يتعلق الأمر بخطوط استراتيجية او خطط مصيرية. إن كلمة الرئيس الروسي المصورة مشابهة تماما للرسالة التي وجهها ميدفيديف إلي الرئيس الأوكراني السابق فيكتور يوشينكو قبيل الانتخابات الرئاسية الأوكرانية, ونحن نعرف جيدا ان يوشينكو فقد بعدها كل مستقبله السياسي ورصيده أيضا, ميدفيديف حذر من ان الرئيس لوكاشينكو بتصريحاته المذكورة فقد وإلي الأبد صورة السياسي الذي يستطيع تطبيع العلاقات مع روسيا مهما بلغت الأمور بينهما من تعقيد, وان السيد لوكاشينكو تجاوز ليس فقط حدود الأدب واللياقة الدبلوماسية, بل وأبسط مباديء الحياء والخجل. إن روسيا, وببساطة, ترغب في الاستيلاء علي شركة الغاز البيلوروسية بتشكيل شركة متحدة تكون لروسيا الأسهم المسيطرة فيها, ومينسك ترفض, لانها تعرف جيدا أنها لن تستفيد اي شيء من هذه الصفقة التي ستضع يد موسكو علي شبكة نقل الغاز الروسي إلي غرب أوروبا عبر الأراضي البيلوروسية. لقد وضع ميدفيديف بشكل صريح لرئيس لوكاشينكو في منزلة الرئيس الأوكراني يوشينكو, غير أن الأخير اسوأ حظا, فإلي جانب ما جاء في المدونة, ظهرت علي الشاشات الصغيرة مشاريع تليفزيونية فضحت بطريقة غير مفهومة للمواطن الروسي الوجة الحقيقي للرئيس البيلاروسي, مما دفع احدي الصحف الروسية إلي القول بأن الكرملين يتصرف وكأنه لايفهم ان الرئيس لوكاشينكو ليس بطة عرجاء كما كان الحال بالنسبة للرئيس الأوكراني قبل عام من الآن, وتساءلت عن الهدف الذي يتوخاه الكرملين من وراء نشر رسالة الرئيس ميدفيديف ومن وراء التصريحات التي أدلت بها مديرة مكتبه الصحفي والتي تتضمن نصائح للرئيس البيلوروسي بالاهتمام بشئونه الخاصة, فهل يتوقع الكرملين من لوكاشينكو ان يقدم تنازلت اقتصادية او ان يتنحي عن السلطة, يبدو أن هذا لن يحدث ابدا, وبالتالي يضع الكرملين بذلك نفسه في موقف حرج, ويذكر العالم بال العقد الامبراطورية تجاه جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق, ودفعت الصحيفة الروسية برأي مفاده انه لمن المحزن جدا, متابعة الآلة الدعائية الروسية الخرقاء الطائشة وهي تنفذ مهمة ليست من اختصاصها اصلا, ذلك ان زعزعة نظام ديكتاتوري يتطلب عملا سياسيا دقيقا. كلام الصحيفة في غاية الخطورة والأهمية, لأن هناك احاديث علي درجة عالية من الحساسية تدور حول نية موسكو الإطاحة بالرئيس البيلوروسي اثناء او بعد الانتخابات الرئاسية في نهاية العام الحالي2010, وهذه الأحاديث التي تدور بقوة في مؤسسات روسية تري أن لوكاشينكو بدأ يتقارب مع الصين التي تتسلل بهدوء وحنكة إلي كل المناطق التي يفترض ان تكون روسيا قد ورثتها عن الاتحاد السوفيتي السابق, وفي حال اي صدام بين موسكو وبكين سيكون لوكاشينكو علي المحك, خاصة وأن الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس الروسي ميدفيديف مؤخرا إلي الصين فشلت فشلا ذريعا اصاب القيادة الروسية بصدمة افقدتها توازنها.