قبل أسابيع صدرت مجموعة طي الخيام القصصية للكاتب حمدي أبوجليل, وهي المجموعة الثالثة له بعد أسراب النمل هيئة قصور الثقافة1997, وأشياء مطوية بعناية فائقة هيئة الكتاب2000, وروايتان هما لصوص متقاعدون2002, والفاعل2008 عن دار ميريت. وهي الرواية التي نالت جائزة نجيب محفوظ للرواية التي تمنحها الجامعة الامريكية في القاهرة في العام2008 وترجمت اعماله إلي لغات عدة من بينها الانجليزية والفرنسية والاسبانية. أبو جليل من مواليد بدو شمال الصعيد عام1967, حيث عاش بطولته ثم انتقل للعيش بمدينة القاهرة في التسعينيات, ولا يبتعد ذلك كثيرا عن الهاجس الأساسي في كتاباته, فهو البدوي القادم إلي القاهرة بقصصه ثم برواياته, ليروي لنا حكايات مجتمع ظللنا نتأمله من الخارج باعتباره منبعا للأسرار والأساطير والتقاليد المثيرة للاعجاب, غير أن أبوجليل قرر في مجموعته طي الخيام أن يصطحب قارئه في رحلة لهذا العالم البدوي باعتباره عالما انسانيا قائما علي المنطق في المقام الأول, لا علي أسطورة. وقد تجلي اهتمام أبوجليل بالكتابة عن المجتمع البدوي في كتاباته السابقة, لكن مجموعته طي الخيام تعد نقطة انطلاق إلي قلب هذا العالم فقد اكتفت به موضوعا للكتابة ودخلت في تفاصيله وجعلته هدفها الأول عبر ستة عشر قصة. فإلي نص حوارنا مع صاحب طي الخيام.
* انشغلت في هذه المجموعة بالهم البدوي بشكل واضح ودون تضفيره في قضايا أخري كما فعلت في روايتيك السابقتين, فلماذا؟ ** ما كتبت من قبل كان فيه مزيج من البيئة البدوية والمدينة, لكني في هذه المجموعة اقتربت أكثر من البيئة التي عايشتها حيث حالة الازدواج التي تعيشها الشخصية البدوية, وأظن أن هذا الازدواج وجودي لا مرضي, فهو يقترب من مساحة الازدواج اللازمة لكل منا حتي يستطيع أن يعيش, لأننا كلنا بدو وغير البدو لا نستطيع أن نفعل كل ما تمليه علينا فطرتنا. وشخصية البدوي في كل كتاباتي حتي وان انتقل إلي مجتمع أو بيئة أخري تظل تحمل داخلها خيمة ترتحل بها, ومن هنا جاء اسم المجموعة.
* لماذا استخدمت الكثير من أبيات الشعر البدوي داخل المجموعة؟ ** الشعر مفردة أساسية في حياة البدو, فهم يكتبون عن أنفسهم وحياتهم أحداثهم السعيدة والحزينة, لدرجة تجعل من هذا الشعر جزءا مهما من تاريخهم, وأنا أحب الشعر البدوي, ويؤلمني أنه موشك علي الاندثار, إذ أنه ليس مكتوبا وحافظوه صاروا أكثر الناس تخليا عنه, وقد حاولت في قصصي كتابته كنوع من التسجيل الفولكلوري لهذا الشعر. * دفعك تضفير أبيات الشعر باللكنة البدوية إلي استخدام الكثير من الهوامش في شرحه, ألم تخش من أن تشتت هذه الهوامش قارئك الذي لا يفهم اللكنة البدوية؟ ** كنت مضطرا لكتابة الهوامش, لأن الشعر البدوي وحده غير مفهوم بالنسبة لغير البدو كما أشرت, رغم أن ذلك لم يكن محببا بالنسبة لي, لكن الأمر كان أشبه بترجمة الشعر عن لغة أخري, فالمترجم يحاول أن ينقل المعني لا أن ينقل الشعر نفسه. * هل يمكن أن نعتبر طي الخيام حلقة ضمن مشروع أكبر للكتابة عن حياة البدو بشكل موسع أم أنها ختام لما بدأته في خلفيات روايتيك السابقتين؟ ** هذه المجموعة مجرد بداية لمشروع الكتابة عن الحياة البدوية, التي فشلت في التركيز عليها في روايتي السابقتين, وأظنني في الفترة القادمة سأكتب روايتي الأولي المؤجلة التي أتوقف دائما عن كتابتها للدخول في كتابة نص آخر جديد ثم أعود إليها.
* كيف تغيرت رؤيتك للكتابة بعد أن تركز اهتمامك علي عالم البدو) الموشك علي الاندثار( بتعبيرك(؟ ** أنا شبه عدم, لا أكتب إلا بدافع متعة الكتابة في حد ذاتها, لكني مع سرعة زوال هذه الثقافة البدوية وجدتني مسئولا بشكل ما, وهذا لا علاقة له بأن الهاجس الأول في كتاباتي هو جودة الكتابة, فاحساسي بالهم البدوي يدخل ضمن منطقة الهم الشخصي.
يمكنني القول إن ما غيره اهتمامي بالقضية البدوية أني صرت أشعر بالذنب طوال الوقت, لأن انتاجي قليل, وبت أشعر أن علي أن أحترف الكتابة وأنتج بشكل مستمر حتي استطيع تغطية كل مفردات هذا العالم.
* ألا تشعر أن هذه القضية أثقلتك فنيا؟ ** رأي أن الكتابة الروائية السردية لابد أن تتخلص من القضايا الكبري لأن الرواية لن تفعل شيئا للمجتمع, فهي لن تقاوم الفساد مثلا, ومن يختار أن يقاوم الفساد في رواية فقد اختار الوسيلة الخطأ, فقد يكون اقامة جمعية حقوقية أكثر فاعلية وفائدة في هذا المجال, لكن من جهة أخري الرواية نتاج حياة رغم أنها لا تضبط ايقاع هذه الحياة, نحن نتوهم حين نقول إن رواية قد تكون أدت إلي ثورة اجتماعية أو سياسية.
* لكن الهم العام في فترة الستينات علي سبيل المثال كان هاجسا أساسيا, لدي المبدعين وأنتج الكثير من الأعمال الناجحة؟ ** أعتقد أن الهم الاجتماعي كبل جيل الستينات في كتاباتهم, وحين اختفي هذا الهم صارت كتاباتهم أكثر انطلاقا وابداعا وجمالا, وليس أدل علي ذلك من أستاذي ابراهيم أصلان فهو يتمتع بحس ساخر أصيل كان مقموعا في كتاباته الأولي لأنه كان مشغولا بقضية خوفا من أبناء جيله.
* تواري أسلوبك الساخر في قصص هذه المجموعة, فما تعليقك؟ ** في هذه المجموعة سيطر علي هاجس الكتابة بلغة أكثر رصانة أي لغة أدبية أكثر من تلك التي كتبتها في الفاعل ولصوص متقاعدون لذا توارت السخرية بشكل ما.