اجتمع امس الأول مجموعة من أصدقاء المفكر الراحل د. نصر حامد أبو زيد وتلاميذه ومحبيه بقاعة المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية لتأبين المفكر الراحل. دعي للاحتفالية التي امتلأت لها قاعة المسرح عن آخرها أصدقاؤه الذين شكلوا لجنة' إحياء ذكري نصر حامد أبو زيد'. ومن بينهم د. حسن حنفي ود. أحمد مرسي الذي أدار الأمسية بحضور د. ابتهال يونس زوجة المفكر الراحل. بدأت الاحتفالية بكلمة د. حسن حنفي ألقي فيها الضوء علي الهزة التي أحدثها د. نصر حامد أبو زيد وغيره من المفكرين الناقدين, وهي التي أدت الي رفضهم ونفيهم حيث أنهم أرادوا استعادة دراسة السماء في ضوء الارض, اي الاهتمام بالانسان في ضوء النص الديني بعد أن انصرف الناس لعقود للاهتمام بالسماء وحدها دون النظر للأرض, فدراسة الارض في علاقتها بالسماء تحتم دراسة علاقة الحاكم بالمحكوم. مما جعل أبا زيد ينطق بالمسكوت عنه.. بما أراده الحكام وتابعوهم طي الكتمان. ويكمل حسن حنفي: ما أحدثه نصر أبو زيد في نقده سواء اختلفنا أم اتفقنا معه, هو نضال فكري لصالح الحرية بمعناها الأوسع والأشمل الذي يضم الحريات الأكاديمية وحرية التعبير, وسواها.. لقد خاض نصر حامد أبو زيد نضالا مستترا من أجل الحرية, ونحن بحاجة لكثيرين من أمثاله فقد بدأت الثورة بالضباط الأحرار, ولابد أن يتبعهم الآن المفكرون الأحرار. وعقب د. أحمد مرسي أستاذ الأدب الشعبي بكلية الأداب بجامعة القاهرة بأن نصر حامد أبو زيد وقف في وجه نوع من التدين المغشوش الذي تعلو فيه الأصوات دون فكر حقيقي, ووقف أمام سلطة رجال دين يستمدون تلك السلطة من تأويلهم الخاص للنصوص الدينية. وأكمل: لم تكن محنة نصر محنة خاصة, وإنما جزء من محنة وطن بأكمله, فقد أراد نصر ان ينظر الي كلام الله باعتباره خطابا موجها الي بشر يتغيرون بتغير التاريخ والظروف الاجتماعية وعليه فإنه يجب ان يكون كلام الله قابلا للفهم وتطور هذا الفهم في مختلف الظروف فنصر في قراءته للقرآن يقطع صلة النص المقدس بالجمود. ومن جانبه, بدأ المفكر د. ابراهيم فتحي كلمته بالتأكيد علي اختلاف خلفيته عن تلك التي تبناها نصر حامد ابو زيد, ويفسر قائلا: كلام الله عند نصر أبو زيد يخاطب بشرا محكومين بالوقت والزمان لهذا كان التأويل لديه لابد أن يتجاوز الرؤية السطحية التي تجرد النص من الظروف المحيطة, فقد كان منهج نصر يقدم قراءة عميقة للقرآن تقطع الصلة بالجمود وتستعيد الرؤية الحيوية المتجددة التي حكمت المسلمين عبر22 عاما استغرقها نزول الوحي حتي اكتمل القرآن. فالقرآن عند نصر حامد ابو زيد دعوة موجهة للمؤمنين بأن ينعموا بمد أجل الحوار مع الوحي مما دفعه لان ينظر لفترة النزول بنسبية تعلق بظروف نزول بعض الايات والاحكام ليخرج من هذا بنتيجة استحالة فهمها خارج الواقع الظرفي الذي اتصل بنزولها. واهتم المفكر اللبناني د. علي حرب في كلمته بتوضيح البعد السياسي في النظرة الدينية لأبي زيد قائلا: ينفرد نصر أبو زيد بالتشابك بين قضيته الفكرية ومحنته الذاتية, فقد قرأت بعض اعمال نصر ابو زيد قراءة نقدية معارضة قبل ان يلتقيه شخصيا عام1992 فوجده شخصا ودودا واسع العقل لكن قلبه اوسع. وقال حرب لقد كان نصر هو الانقي بيننا, فما جدوي الابداع الفكري ان لم نحسن ترجمته في بناء علاقات سوية فيما بيننا. وذكر د.علي حرب واقعة افتتاح نصر حامد ابو زيد لمحاضرته الاولي في لايدن بالبسملة رغم رفضه النطق الشهادتين في المحكمة لنفي خروجه عن الاسلام. ويكمل: نصر أبو زيد كان مؤمنا اكثر من حماة الايمان انفسهم, فنصر وغيره من المستقلين عن المؤسسات الدينية يقبلون الجميع بمن فيهم حماة العقائد ممن يعاملون بعضهم البعض قبل ان يعاملوا غيرهم بمنطق التكفير والاقصاء, فيقدمون بانفسهم وقودا لاشعال الحروب الاهلية التي تلتهم العالم العربي الآن. وأضاف حرب لقد نظر ابو زيد للدين بوصفه منتجا ثقافيا وهو ما كان محظورا النطق به, لقد تحدي سلطة حجب العقول والحجب عنها فحكموا عليه بالنفي والاقصاء. وانهي كلمته بالاشارة الي ان ما طال نصر حامد ابو زيد هو رسالة واضحة للحداثيين العرب الذين لا ينتجون فكرا حداثيا رغم تشدقهم به, بل يتشبثون بمفاهيم صارت قديمة ومستهلكة, ليسهموا بتخاذلهم في كل تلك التراجعات التي نشهدها. والنتيجة انهم يتقلصون امام الكتلة الاصولية في المجتمعات العربية التي اصبحت اكثر مجتمعات العالم مقاومة للمعرفة ومتطلباتها من حرية في البحث والتعبير. أن الناقد د. جابر عصفور والذي قدمه د. احمد مرسي بوصفه رئيس مجموعة المحلة التي ضمت الكاتب الراحل, فاكتفي بذكر موقفين اولهما مصادرة كتاب الاسلام واصول الحكم للشيخ علي عبد الرازق في عهد الملك فؤاد ورئاسة حكومة زيوار باشا, وثانيهما محاربة كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين, حيث اصدر النائب العام حكما تاريخيا بعدها بأشهر قليلة عندما وصلت الي الحكم حكومة ائتلافية ديمقراطية اعادت العمل بدستور1923, وجاء في الحكم أن كتاب' في الشعر الجاهلي' لطه حسين هو اجتهاد يثاب عليه في الوقت الذي نزع فيه رجال الازهر شهادة العالمية عن الشيخ علي عبد الرازق. واستدل عصفور من هذا علي ان الحكومات المستبدة هي التي ترسخ لسلطة رجال الدين وتستغلهم في المقابل لترسيخ استبدادها. وانتهت الامسية بكلمة للمفكر والناقد الفلسطيني فيصل دراج التي شكلت رؤية لمسيرة ودور المثقف العربي وأوصي الحضور بكتابتها وتوزيعها باعتبارها رسالة للمثقف العربي.