كون فيرتوف مع زوجته( إليزابيث سافيلوفا) وأخيه وهو مصور كل أفلامه ميخائيل كوفمان مجموعة تسمي مجلس الثلاثة وبدأ في صنع نظرية عن سينما الواقع التي كان يود أن تكون سينما الواقع الجديد الذي نشأ في الاتحاد السوفيتي من أجل صناعة سينما تسجيلية تكون الدليل للجمهور من أجل واقع جديد مختلف يسعي لحشد الشعب من اجل رفع الأمة الاشتراكية الجديدة لتكون مثالا حيا مجسدا للواقع الاشتراكي في مواجهة مجتمع سطوة الرأسمال, ويكتب العديد من المقالات في مجلة سينما الحقيقةKino-pravda قبل تكوين مجموعة عيون السينما. ليري أن المونتاج وهو الاداة السحرية في السينما لخداع المتفرج والايحاء له بتواصل المشاهد دون انقطاع, فأنه في السينما التسجيلية الجديدة له دور آخر. إذا كان المونتاج في السينما التقليدية هو لصق مشاهد مصورة بشكل منفرد وفقا لسيناريو حققه المخرج إلي حد ما, فإن المونتاج مع حركة( عيون السينما) يختلف تماما وينقسم إلي عدة مراحل: 1 المونتاج اثناء مراقبة الحدث قبل التصوير توجه العين البشرية المجردة توجها سليما في أي مكان وأي زمان. 2 المونتاج بعد المراقبة التنظيم الفكري لما تمت مشاهدته, حسب بعض العلامات المميزة. 3 المونتاج أثناء التصوير التوجه السليم لعين الكاميرا السينمائية في المكان الذي تمت مراقبته في البند الأول لتتلاءم مع شروط التصوير التي قد تكون تغيرت. 4 المونتاج بعد التصوير التنظيم الأولي لما تم تصويره حسب العلاقات الأساسية وتقدير الأجزاء المونتاجية الناقصة. 5 العين الدقيقة( اصطياد المواد المونتاجية) التوجه الفوري, في ظرف مرئي, لاصطياد اللقطات الضرورية للربط: انتباه مطلق, قانون عسكري, سرعة, هجوم. 6 المونتاج النهائي إبراز المواضيع الصغيرة المختبئة, إضافة إلي المواضيع الكبيرة إعادة تنظيم المادة وفق أفضل تسلسل ممكن وإبراز عمق الشيء السينمائي وربط اللحظات, وفي النهاية... حساب بالارقام للمجموعات المونتاجية. 7 هذه هي خطوات المونتاج كما ذكرها فيرتوف في إحدي مقالاته عن تيار عيون السينما, والتي يوضح فيها أن عملية المونتاج تبدأ أصلا قبل بدء التصوير عبر اختيار زوايا التصوير نفسها. ولكن كما نري أنه قبل عملية التصوير فان صانع الفيلم هو من يحدد عبر المراقبة وتنظيم نتائج عملية المراقبة تلك وترتيبها في ذهن المخرج وفقا لأولويات, أي أن العملية كلها تعتمد علي ما يشاهد علي ماهو مرئي... ولكن الحقائق ليست هي ما يمكن مشاهدته فقط سواء بالعين المجردة أو بعين الكاميرا.. فالجزء المرئي من الواقع أو الحقيقة هو أدني وأقل أجزائها, واقتصار الحقيقة علي الجزء المرئي منها هو إخلال وتزييف سواء عن قصد أو دون قصد. أما عن السيناريو, فإن عيون السينما لديها موقف عدائي من السيناريوهات الأدبية, وفيرتوف يري أن السيناريو بمعناه الأدبي.. لا يكون له أي معني في حالة تطبيق الخطوات المونتاجية المذكورة, فأفلام عيون السينما تصنع بواسطة المونتاج لا بقلم أديب, ويقول فيرتوف عن ذلك: هل يعني ذلك أننا نعمل بشكل اعتباطي بدون خطة؟ لا شيء من هذا القبيل, ولكننا إذا كنا نقارن بين خطتنا التمهيدية وخطة اللجنة, التي تتوجه مثلا للتحقق من بيوت العاطلين عن العمل, فاننا مضطرون لمقارنة السيناريو بقصة عن هذا التحقيق.. كتب قبل حدوث التحقيق. عيون السينما تنظم العمل السينمائي علي أساس معطيات الدراما السينمائية الواقعية. والسيناريو اختلاق يقوم به إنسان واحد أو مجموعة أناس, انه قصة يرغب هؤلاء الناس في تجسيدها علي الشاشة. ونحن لا نعير هذه الرغبة أهمية كبري, ولكن اعتبار هذا النوع من الاعمال.. مهمة السينما الأساسية, والتضييق عن طريق هؤلاء القصاصين السينمائيين.. علي الاعمال السينمائية الرائعة الراصدة للواقع باسم الخضوع لرب الدراما السينمائية... هو مالا نستطيع أن نفهمه ابدا, وبالطبع لا نستطيع الموافقة عليه ان المخرجين العاديين يصنعون المواضيع التي يخرجونها, ولكن فيرتوف يكشف عنها, فهم يصنعون عن طريق الاستعانة بممثلين ومؤلفين ومهندسي ديكور سرابا وهميا عن الحياة الواقعية, أما فيرتوف, فلا يستعين إلا بالكاميرا وعدساتها, ومن خلالها ينفذ الي القلب النابض للحياة. أو هذا ما كان يتصوره عن الولوج الي داخل الحقيقة. منذ1919, سنة نشر فيرتوف بيانه عن السينما الاشتراكية, والذي أضاف إليه بنودا في عام1922 وظهر في مجلة ليف التي كان يشرف عليها الشاعر الروسي الشهير مايكوفسكي, مفهوم فيرتوف تجاه سينما الممثل الدرامي.. مدانة لأنها مجرد نوع من التسلية التي لا تتوافق مع ذوق الجمهور ولا مع طبيعة المرحلة الجديدة في الاتحاد السوفيتي. حتي عام1924, لم تكن الافلام التي أخرجها هو ومعاونوه إلا أفلاما وثائقية تدخل في عداد الجريدة السينمائية, بالرغم من أن الغرب كان يحكم عليها بأنها أفلام دعائية مصطنعة. أتاح العمل في مونتاج تلك الأفلام لفيرتوف... قدرا كبيرا من الخبرة المتراكمة, وقد أعلن فيرتوف ومجموعة عيون السينما إنهم يعملون في الاتجاه الذي طالما طالب به قائد الثورة فلاديمير لينين والذي يدعو لان تكون السينما أداة من أدوات تعريف الجمهور بتفاصيل الحياة اليومية, وبالتالي فانهم يصنعون سينما لينينية سينما لجمهور عهد جديد يتطلب روحا جديدة وأفكارا جديدة. لكنهم لم يكونوا يعلمون إنهم يصنعون سينما إيديولوجية يسيطرون بمهارة علي أدواتها ويرسون دعائم سينما جديدة تستخدم لحشد الجماهير حول الايديولوجية والتي لا يهم أن تكون لينينية أو ستالينية أو نازية أو حتي غربية استعمارية. كل ذلك لم يكن يكفي لردع أعداء فيرتوف من كبار مخرجي السينما الروائية والعاملين فيها, الذين استفزهم رأي فيرتوف في السينما الروائية, واتت المساندة الفعلية لفيرتوف من الجمهور الواسع الذي كان يشاهد الجريدة الوثائقية التي كانت تعرض في كل أنحاء الاتحاد السوفيتي.. وفي حالة وصول الشرائط الي أي من بلدان الاتحاد السوفيتي, كان البريد في جريدة البرافدا المتحدث الرسمي باسم الحزب في الاتحاد السوفيتي, تصله أكوام من الخطابات التي تطالب بعرض لجريدة فيرتوف في مدينتهم أو قريتهم. [email protected]