هناك بعض الأمور الموجعة التي لايستريح لها الرأي العام العربي, عندما يتعلق الأمر بمفاوضات من نوعا ما, وتحديدا عندما تتصل المسألة بالصراع العربي الإسرائيلي, فالناس في المنطقة العربية تتصور أن السلام ضعف وأن المفاوضات انبطاح, ويفضلون أن يستردوا بالقوة ماأخد بالقوة, حتي لو لم تكن الأرض ستسترد بتلك الصورة, فالمهم هو المبدأ, وهو عدم التفاوض, لذا فإن من يتحدثون عن المقاومة يكتسبون نوعا من الأخلاقية, حتي لو كانوا سيدمرون قضيتهم في النهاية.لكن كل ذلك ليس هو المشكلة, فالمشكلة الحقيقية تأتي عندما يتم التوافق علي عملية تفاوضية من نوع ما, إذ لايتم إدراك المعني الخاص للقصة, فالمفاوضات تعني أن كل طرف سيحقق مصالحه الناقصة ولن يحصل علي كل شيء, ولن يحقق هدف إرضاء الرأي العام في النهاية, وبالطبع سيتهم بالتفريط, لأنه, حسب منطق المفاوضات, سيقدم تنازلات مؤلمة, وسيصل في النهاية إلي حلول وسط, وعادة مالايجرؤ المتفاوضون علي التوقيع في النهاية, لذا يتراجعون في اللحظة الأخيرة, وقد حدث ذلك مرارا.ولأن المشكلات لاتنتهي, فإن المسألة الأكثر حدة هي هدف المفاوضات ذاتها, فقد اتضح منذ وقت طويل أن فكرة' الحل' غير واقعية, فالحديث عن أن من يذهبون للتفاوض يهدفون إلي تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم, لاأساس لها من الصحة, وبالطبع لايمكن أن يتم تصور أن تعقد كل تلك الجلسات التفاوضية لمجرد' احتواء' الاحتمالات السيئة التي يمكن أن يتطور الصراع إليها, فتلك الأمور تتم طوال الوقت, وليست في حاجة لتفاوض مباشر, وبالتالي فإن كلمة السر هنا هي التسوية. إن القضية تتضح هنا, فالهدف هو تسوية واقعية عملية تحقق الحد الذي لايمكن التنازل عنه من الحقوق الفلسطينية, والتي يفضل المفاوض الفلسطيني أن يعود إلي رام الله, بدون تسوية, إذا لم يتحقق, أوالذي يمكن التعايش معه بدرجة ما, والذي توجد تفاهمات سابقة يعرفها الجميع بشأنه, والمشكلة الآن هي نتانياهو, وائتلاف نتانياهو, فالرجل يبدو ظاهريا من بروكلين, لكنه يحمل معتقدات تصعب معها مجرد فكرة التسوية, ولن يقتنع أحد بعكس ذلك, إلا بعد أن يري أول تنازل مؤلم من جانبه, فالألم ليس قدر الفلسطينيين فقط. [email protected]