حالة من الشجن الخالص يعيشها الآن روائي تركيا الكبير أورهان باموك(58 عاما), الحاصل علي جائزة نوبل في الاداب قبل اربع سنوات فبعد مرحلة من العزوبية طالت نسبيا بعد فشله الزواج الاول والذي انجب منه ابنته الوحيدة ذات العشرين ربيعا, دخل أخيرا قفص الزوجية, ورغم أنه اعلن أن أسرته سياج منيع لايجب الخوض فيه أمام الإعلام, كونه شأن خاص إلا ان الجميع يعلم أن زوجته تصغره بسبعة عشر عاما, وربما أكثر قليلا هندية الجنسية كاتبة مولعة بصياغة الروايات والقصص. الملفت والمثير في آن, هو تفضيل أورهان باموك للمنزل والعائلة فكونك متزوج وتعيش في سعادة وتناغم وتجانس مع من أحببت, فهذا أفضل كثيرا من نيل جائزة نوبل, صحيح أن الأخيرة شرف وتقدير من العالم نحوك لكنها أي الجائزة لايجب أن تكون هي حياتك. روائي الاناضول اذن لايرغب في إدمان الكتب ولكنه في الوقت نفسه يتمني الاغراق في إدمان الحب. باموك( وهو اسم يعني القطن) مضي يسرد ولهه بعش الزوجية, قائلا في حوار طويل نشر بصحيفة ميلليت أوسع الصحف التركية انتشارا, أن يكون لديك أطفال فتلك نشوة لا تتعداها في الدنيا نشوة أخري, بما فيها لحظة ظفرك بأكبر جوائز العالم الادبية واقصد هنا نوبل. وطالما كان الأمر كذلك فطبيعيا أن يشتاط أديبنا صاحب: الثلج, وأنا أسمي احمر, وحياة طويلة, غضبا من الميديا المقروءة بشكل خاص, أما لماذا؟ لأنها تلصصت علي حياته الشخصية, وراحت ترصد بالصورة وضعا لم يكن ليستسيغه, الكلمات توحي وكأن هناك كارثة, والحق بدت للرجل كذلك, وعندما نعلم نحن القراء ستكون هنا الطرفة الممزوجة بالدهشة معا. فأدب نوبل الذي اثار جدلا هائلا لدي أبناء وطنه وطنه لتصريحاته الغريبة وغير المناسبة بالمرة حول إبادة العثمانيين للارمن أثناء الحرب العالمية الاولي, قال انه يخجل من ظهوره علي صفحات الادبيات السيارة بلباس البحر, مؤكدا أنه لا يجوز أبدا ان يراه الناس والقراء في تلك الوضعية شديدة الخصوصية التي لاتليق برجل تركي ينتمي لبيئة محافظة لها تقاليد وقيم نعم أنا تركي محافظ ولكنه سريعا ماعاد مخففا جمله مزيلا إياها بمفردات فيها عبر عن ثقته في حسن نوايا من التقط الصورة وعلق عليها. وينتقل اورهان( المسمي علي اسم اورهان) مؤسس الامبراطورية العثمانية) إلي عشق آخر الا وهو هيامه باسطنبول لأنها ببساطة المدينة التي لا يمكن الاستغناء عن العيش فيها مهما طالت الغربة وامتد المكوث بعيدا عنها, هكذا عبر باموك عن حنينه لمسقط رأس عائلته ومكان ميلاده, وهو المضطر أن يغترب عنها معظم شهور السنة. وبلغة مقام الصبا وإيقاع الناي السحري يضع النقاط علي حروف انتمائه الروحي قبل الجسدي قائلا لو تركت نفسي لأنوار نيويورك( حيث يقيم في منفاه الاختياري) فحتما سينتابني خوف ورعب لا أتحملهما ومن ثم لابد من العودة إلي هذا الجسر الرائع الواصل بين الشرق والغرب, انها اسطنبول العامرة بالحياة والتي يعتبرها أورهان باموك, تركيا, ولا أحب أن يمضي بي الوقت كثيرا مفترقا عنها ثم مستطردا أجمل شيء هو أن تكتب عن عالم تعرفه. ولهذا زف اروهان باموك لعشاق أدبه أنه قريبا جدا, سيصدر مجلدا هو الاول بعنوان مشاهداتي ويضم لقطات من حياته منذ أن كان صبيا يافعا وكيف أن شقيقه الأكبر ضبطه في ميدان تقسيم عام1967 وهو يأكل مع أقرانه السوسيس القادم حديثا إلي الاناضول والمستهجن في ذلك الوقت من الطبقات المحافظة, وفيه يروي أيضا حكايته مع الشاورما الدونار وهي أكله أناضولية باميتاز غزت العالم منطلقة من قلب بورصا أول عاصمة للدول العثمانية الفتية, وتمتد المشاهدات لتتوقف عند الذين أثروا فيه كالنمساوي سيجموند فرويد(1856 1939) والفرنسي جوستاف فلوبير(1821 1880). ومازال في جعبة باموك الكثير والكثير, وهو نفسه يقول انه يخطط لكتابة عشرة كتب خلال العقود الثلاثة القادمة, منها ثلاثة الاسطنبول وحدها, والسبعة الباقية ستكون كلها روايات والشهر القادم ستصدر له إحدي دور النشر الأمريكية كتابا بعنوان الألوان الأخري ويضم بين دفتيه المحاضرات التي القاها في جامعة هارفارد.