يرصد د. محمد السيد سليم الأستاذ بقسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة أبرز الظواهر التي ميزت التعليم الجامعي المصري في العقد الأخير وهو الاتجاه نحو تدريس اللغات الأجنبية وقد بدأ هذا الاتجاه بشكل محدود في إحدي كليات التجارة في السبعينيات ولكنه سرعان ما انتشر منذ أوائل التسعينيات ليشمل العديد من التخصصات الأخري في كليات الآثار والحقوق, والاعلام والاقتصاد والعلوم السياسية وهناك خطط مطروحة في الوقت الحالي لبدءبرامج للتدريس باللغات الأجنبية في تخصصات أخري. وتقول الدراسة إلي أن منطق أنصار التدريس باللغات الأجنبية في الجامعات المصرية تأسس علي عدة حجج منها أنه في عصر العولمة أصبح من المتعين علي الطالب أن يتقن إحدي اللغات الأجنبية حتي يستطيع أن يتعامل مع التطور العلمي السريع. ولايكفي لاتقان اللغة أن تتم دراستها كلغة بل ينبغي استيعاب وهضم اللغة من خلال التعلم من خلالها كما أن التدريس باللغات الأجنبية يوفر قاعدة من الخريجين والباحثين القادرين علي التعامل مع الثقافات الأجنبية سواء في شكل كتابة بحوث أو المشاركة في المؤتمرات الدولية ويؤدي إلي التغلب علي عقبة تدني مستوي تدريس اللغات الأجنبية في التعليم العام, ويؤدي إلي ارتفاع مستوي معرفة الطالب باللغة الأجنبية فضلا عن أن التدريس باللغات الأجنبية هو جزء من استجابة الجامعات لاحتياجات المجتمع في عصر العولمة والخصخصة. ويذهب د. سليم في الدراسة إلي أن الشركات متعددة الجنسية والبنوك الأجنبية ازدادت أنشطتها في مصر, وهذه الشركات والبنوك في حاجة إلي موظفين يتقنون اللغات الأجنبية. وإذا لم تقم الجامعات بتوفير الخريجين بحيث يصبحون قادرين علي العمل في الشركات والبنوك الأجنبية التي يتطلب العمل بها إتقان لغة أجنبية علي الأقل اتقانا كاملا في الوقت الذي لا تهدد دراستها وتدريسها الهوية القومية لأن تلك الهوية ترتبط بعوامل ثقافية بنيوية تتعدي الدراسة بلغة أجنبية, فالهوية القومية للدارسين المصريين بالخارج لم تتأثر نتيجة دراستهم في بيئة أجنبية بلغة أجنبية. وفي تقييمها لأثر التدريس باللغات الأجنبية في التعليم الجامعي يسجل أن مشكلة تعريب التعليم الجامعي والتدريس باللغات الأجنبية تعتبر من المشكلات التي تكاد تنفرد بها الجامعات المصرية والعربية عموما, ذلك أنه باستثناء بعض الدول الإفريقية جنوب الصحراء التي خضعت للاستعمار, وبعض الدول التي كثرت فيها اللغات المحلية بحيث لا توجد لها لغة قومية كالهند, فإن التعليم الجامعي في دول العالم يتم باللغة القومية, فهو في بريطانيا والولايات المتحدة وأستراليا يتم بالانجليزية وفي الصين باللغة الصينية, بل إن مقاطعة كويبيك في كندا سنت تشريعا سنة1977 يجعل لغة التعليم بكل أشكاله اللغة الفرنسية( وهي اللغة القومية لسكان المقاطعة) حماية لجامعاتها من سيطرة الأغلبية الانجليزية. وفي زيارة قمت بها لعدد من الجامعات اليابانية تبين لي أن لغة التدريس في تلك الجامعات هي اليابانية ولا توجد برامج للتدريس باللغة الأجنبية. ويقول إن التدريس باللغات الأجنبية أحدث انشقاقا اجتماعيا بين الطلاب الذين يدرسون باللغات الأجنبية والطلاب الذين يدرسون باللغة العربية. كما أدي إلي هبوط عام في معنويات الآخرين. فقد ارتبط التعليم باللغات الأجنبية بقدر كبير من التمايز الاجتماعي, ليس فقط لاعتبار طلاب تلك المجموعة أن تعلمهم بلغة أجنبية يعطيهم مركزا اجتماعيا متفوقا علي أقرانهم, بل لأن هؤلاء الطلاب يدفعون مصروفات باهظة. ومن ثم, تقاطع المركز الاجتماعي والوضع الاقتصادي وتكونت داخل الجامعات مجموعتان متمايزتان من الطلاب من حيث الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ويندر التفاعل الأفقي بينهما. والأهم من ذلك ما لحق من تشويه للروح المعنوية لطلاب المجموعة الثانية. فلما كان منطق التدريس باللغات الأجنبية يقوم علي حجة أن هذا التدريس يمكن الخريجين من الالتحاق بوظائف أكثر, فإن معني ذلك أن تلك الوظائف ليست متاحة للطلاب الذين يدرسون باللغة العربية ابتداء ومهما تفوقوا في تخصصهم. ومن ثم, نجد طلابا يحصلون علي أعلي الدرجات في الثانوية العامة ولم يتمكنوا, لأسباب متفرقة, من الالتحاق ببرامج التدريس باللغات الأجنبية, قد فهموا ابتداء أن فرصهم في العمل محدودة لأنهم لم يتعلموا باللغات الأجنبية. ولا يخفي الأثر النفسي التدميري لهذا الشعور علي طالب في مقتبل حياته العلمية.