شيء مخيف ذلك الذي يحدث في جنوب مصر فنحن لم نعتد أن يتحول الصراع القبلي بين العائلات إلي هذه الصورة المروعة من القتل والذبح الجماعي وهل من المنطق أن تتسبب الخلافات العائلية والنزاعات القبلية بالصعيد في حرب أهلية تتجاوز كل صور الصراع الثأري والقبلي في مصر علي مدي مئات السنين؟ بالتأكيد هناك أرواح تزهق بدافع الثأر ولكن الاشتباكات الأخيرة التي اندلعت الأيام الماضية بين قبيلتي "الهلايل" و"الدابودية" بمنطقة السيل الريفي في محافظة أسوان فاقت أي تصور عن الصراعات الثأرية أو الخلافات القبلية فكيف يمكن لأي عقل تصور مسهد الدماء والجثث التي تتناثر في الشوارع وصورة العربة الكارو وعليها كومة من اللحم البشري وكأننا أمام مجتمع في القرون الوسطي يعيش حربا أهلية مروعة. هذا يدفعنا لأن نفكر جديا في الأسباب التي حولت منطقة هادئة نسبيا في جرائم الثأر عن باقي بلدان الصعيد ليلقي نحو 23 شخصا حتفهم فيما يصاب نحو 540 آخرين بسبب عبارات مسيئة كتبها بعض الشباب تحرشا بفتاة ألا يذكرنا ذلك بتلك العبارات التي تم وضعها العام الماضي من قبل مجهولين علي جدران بعض الكنائس لبث الفتنة الطائفية بين الأقباط والمسلمين فتسبت في حرق حوالي 6 كنائس بالإضافة إلي جمعية أهلية قبطية؟ أليس هذا هو نفس الاسلوب الذي تتبعه الأيدي الخفية التي تريد بمصر الخراب لزرع الفتنة وإطلاق بحور الدم بين المصريين وسرعان ما تشتعل نيران الغضب والتناحر ولولا رحمة من الله لجر ذلك علينا خرابا كبيرا؟ وها هو نفس السيناريو يتكرر بأسوان في منطقة لم نعتد فيها كل هذا العنف فماذا حدث؟ هل تغيرت أخلاق الناس؟ هل ضاعت سماحة النفس من قلوبهم أم هناك من ينفخ في الرماد كي يشعل نيران الغضب لتحقيق أهداف أخري من الفرقة والانشقاق الذي نعيشها هذه الأيام. بالتأكيد هناك أيد تعمل علي إذكاء نزعة التعصب الأعمي في مجتمع له ثقافة خاصة يحيط به الفقر والإهمال الحكومي كالسياج من كل جانب وبنظرة تحليلية نجد أن هذا الخلاف مفتعل وهذا ما أكده رجال من العائلتين المتناحرتين علي رأسهم الشيخ سعد حسين أحد مشايخ قبيلة “الهلايل” عندما قال إن العبارات المسيئة لنوبيين والهلايل والتي تسببت في أحداث منطقة السيل بأسوان وخلفت مذبحة بشعة مكتوبة علي الجدران بنفس الخط وهو ما يؤكد أن شخصا واحدا، قام بكتابتها ونفس الكلام أكد عليه عادل أبوبكر القيادي النوبي مطالبا شباب عائلته وشباب الهلايل بالتعقل وعدم الانسياق وراء شعارات مغرضة يريد بها الإرهاب خراب مصر. إن مثل هذه النزاعات القبلية تشهد هدوءا وخمولا لفترة طويلة لكنها قد تثور بشكل مفاجئ ومن هنا تكمن الخطورة إذ يترتب عليها خسائر لا حصر لها وهذا ما يجب أن تتنبه له وزارة الداخلية في إجراءاتها الأمنية التي تتبعها لإخماد نيران هذه الفتنة فالنزاعات القبلية ترجع لمئات السنين وتبقي هادئة وتتصالح الأطراف المتنازعة من فترة لأخري لكن في لحظة ما وبسبب لعب الأطفال أو أي سبب آخر يبدو "تافها" يندلع القتال من جديد. يا سادة لماذا نجعل من قلوبنا مسرحا للعصبية القبلية؟ ألم نع قول الله عز وجل "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بينم قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم علي شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون" وقول سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم (ليس منا من دعا إلي عصبية وليس منا من قاتل علي عصبية وليس منا من مات علي عصبية). ولو فكرنا بشيء من العقل لعرفنا اننا تحولنا إلي ألعوبة في يد من يريد الشر بهذا البلد. أين ذهبت أخلاقيات التساح والروح المصرية الجميلة التي تربينا عليها وكانت سمة من سمات المجتمع المصري؟ إن أخلاق الشعوب هي العاصم لها من أي انقسام ونحن من قدمنا للعالم أسس الحضارة منذ فجر التاريخ وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي: إنما الأمم الأخلاق ما بقيت. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. وإذا أصيب القوم في أخلاقهم. فأقم عليهم مأتماً وعويلا صلاح أمرك للأخلاق مرجعه. فقوم النفس بالأخلاق تستقم.