قبل عشر سنوات وتحديدا في يناير2000, كاد عبدالله جول أن يتبوأ كرسي زعامة حزب الفضيلة لولا تدخل نجم الدين اربكان الذي ناضل بشراسة من وراء الكواليس كي يقصي الاصلاحيين, وقد كان له ما أراد, وبقي صديقه ورفيق دربه رجائي كوكتان زعيما للحزب وإن كان بفارق ضئيل من الأصوات, غير أن دعاة التجديد راحوا يشكلون حزبا آخر ألا وهو العدالة والتنمية, وفي الانتخابات المبكرة التالية( نوفمبر2002) لم يتمكن الفضيلة الذي تم حله لمناهضته مباديء الجمهورية ثم أعيد تشكيله باسم آخر وهو سعادات أي السعادة من كسر حاجز ا ل10% للتمثيل بالبرلمان, في حين اكتسح الوافد الجديد في الحياة السياسية العدالة النتائج وصار علي قمة السلطة ومازال دون شريك. وفي الوقت الذي كان فيه التلميذ جول يتبوأ منصب رئاسة الحكومة في نوفمبر2002 كان سعادات يعاني النسيان والاهمال فلا أحد يسمع به, وبطبيعة الحال كان في صفوفه من يريد إحداث ثورة أو انقلاب يبعد الحرس القديم من الحزب إلي غير رجعة ولكن كيف؟ كان هذا هو الاشكال! ورغم ذلك لم يعرف تيار التجديد اليأس وصاروا يعملون في صمت إلي أن تحقق ما ارادوه, وها هو المؤتمر الرابع للحزب يعقد في ساحة تحمل اسم اتاتورك بالعاصمة أنقرة, ويدخل نعمان كورتولموش سباق المنافسة لخوض غمار الرئاسة من جديد ومعه قائمته, وفي مساء الحادي عشر من يوليو الحالي أعلنت النتائج ويفوز البروفسير كورتولموش ومعه فريقه بالكامل ليحققوا جميعا نصرا ساحقا وفي نفس الوقت وجهوا ضربة قاصمة لنجم الدين اربكان ولفريقه العائلي, فالرجل اراد أن إقحام ابنته وزوجها في الهيئة العليا ولكن مسعاه تكلل بفشل مروع. كل هذا لم يأت بين يوم وليلة, فمنذ أن تسلم كورتولموش زعامة الحزب من كوكتان وزير الطاقة السابق في حكم نجم الدين اربكان الأولي والأخيرة( يونيه1996 يونيه1997), استطاع ان يخطو خطوات جادة مقدما لجماهير الحزب رؤاه الواقعية من أجل مواجهة المشاكل التي تعاني منها البلاد إجمالا وبالتوازي سعي إلي تشجيع الشباب لممارسة حقهم في شغل المقاعد القيادية بالحزب وفروعه بعموم الاناضول, ودون ضوضاء أو صخب قاد انقلابا صامتا في الحزب مقصيا رموز اربكان مستبدلا إياهم برجال مخلصين علي أمل ان يتحدي بهم حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة رجب طيب اردوغان. وبطبيعة الحال لم يكن الطريق مفروشا بالورد, فقد دارت نقاشات حادة خلال وقائع المؤتمر, ومعها معارك كلامية تطورت إلي تشابك بالايدي ورغم كل ذلك نجح كورتولموش في التخلص من جميع الشخصيات السياسية القديمة التابعة لأربكان, أمام هذا الزحف التجديدي اعتبر محللون أن التاريخ يعيد نفسه فكورتولموش اعاد للذاكرة مع اختلاف التفاصيل تحالف الثلاثي: اردوغان وجول وبولنت أرينتش وانشقاقهم علي الخوجه( المعلم الكبير) الذي اعتبرهم خونة وعملاء للغرب الأوروبي والأمريكي معا. أهل الاختصاص من جانبهم أكدوا أن شخصية كورتولموش مناسبة تماما لرئاسة الحزب, فهو رجل مثقف ومنفتح وبإمكانه أن يؤسس علاقات مباشرة مع التيارات السياسية المختلفة في تركيا, كما أنه سيعمل علي اجراء تغييرات جذرية في توجهات وسياسات سعادات ولكن من خلال أسلوب ونهج يتسمان بالحنكة وعدم الصدام, وبالتالي سيكون أكثر دبلوماسية في التعامل مع خصومه علي عكس نجم الدين اربكان المعروف بانتقاده الشديد والقاسي لمعارضيه ورفضه أي معارضة. قد يكون الأمر صعبا في منافسة العدالة الحاكم خاصة في هذا التوقيت إلا أن طريق الالف ميل يبدأ بخطوة, والأخيرة تحققت بالفعل ففي البداية سيتمكن الحزب في الانتخابات القادمة وفقا لما ذهب إليه محللون من تجاوز عتبة ال10% للتمثيل بالبرلمان والسبب يعود إلي كون غالبية الشعب التركي مسلمين محافظين وبالتالي لن يعطوا أصواتهم للمعارضة العلمانية بل سيبحثوا عن البديل الإسلامي وبإمكان حزب السعادة أن يكون هذا البديل, وهنا يشير عدد من الكتاب في الادبيات السيارة إلي أن نعمان كورتولمش نجح خلال السنوات الأربع الماضية التي تولي فيها زعامة حزب السعادة في رفع شعبيته من1% إلي3.5% ثم إلي5%, لكن الملفت ان اغلبية الأصوات نزعها من الحزب الحاكم الذي تتراجع شعبيته شيئا فشيئا, وحتي تكتمل مشاهد الاثارة وجدنا دعوات أنطلقت من داخل أروقة العدالة طالبت بالتحالف مع سعادات في ثوبه الجديد خاصة بعد أن استطاع نعمان كورتولموش عزل انصار نجم الدين اربكان, بل إن بعض محللين ذهبوا إلي تساؤل: لماذا لا يكون كورتولمش بديلا أو أسما يحل محل اردوغان في رئاسة الحكومة بحال انتخاب الأخير رئيسا للجمهورية عام2012 ؟ فعبدالله غول لن يستطيع العودة إلي الساحة السياسية بعد أن يخرج من الكشك القصر الجمهوري في شنكاياي, المحللون قالوا أيضا: إن غالبية نواب حزب العدالة يفضلون شخصية تمتلك قوة للمنافسة في الساحة السياسية وتسعي في الوقت ذاته لأن تكون تركيا جزءا حاضرا إسلاميا ولا بأس من التعاون مع الغرب, فهل يكون نعمان كورتولموش تلك الشخصية....؟