عاش ميلوش فورمان فترة ثورة الطلبة في فرنسا في بيت صديقه جان كلود كاريير وعاصر سقوط الجنرال ديجول من بعد استقالته من رئاسة الجمهورية الفرنسية, وجعلت الأوضاع في تشيكوسلوفاكيا السابقة ميلوش فورمان يستقر في فرنسا طالبا اللجوء السياسي لها. الجو العام كان حالة من الغضب تسيطر علي روح الشباب في العالم كما وضحنا فطلبة فرنسا خرجوا للشارع وأسقطوا ديجول بمظاهرتهم لسبب يعد تافها بمعايير اليوم, وهو علي علاقة وثيقة بالسينما, فقد بدأت ثورة مايو1968 في فرنسا بسبب عزل رئيس السينماتيك الفرنسي الكاتب والمؤرخ والناقد الفرنسي الشهير هنري لانجلوا, أليس الأمر مضحكا بعض الشيء في الولاياتالمتحدة كانت حركة الهيبز المعارضة لحرب فيتنام في أوج قوتها وكانت هي الوعاء الذي استوعب شباب الولاياتالمتحدةالأمريكية في أغلبيته مع ديانات الشرق التي تدعو للسلام مثل البوذية والهندوسية, تلك الديانات التي استخدم الشباب دعوتها للسلام كوسيلة للهروب من واقع مادي يؤدي إلي حشد الجيوش من أجل توطيد دعائم الدولة الأمريكية في الخارج تحت دعاوي محاربة الشيوعية. في ظل هذا المناخ كانت هوليود تعاني أزمة كادت أن تقضي عليها, فالمزاج تغير ولم تعد السينما قادرة علي جذب الشباب لصالات العرض وجاءت الخسائر مع سقوط الكثير من أفلام الإنتاج الكبير لتترك هوليوود علي شفة الإفلاس, لذا فأن شركة يونيفرسال قد فكرت إنتاج أفلام ذات ميزانيات منخفضة وبالتحديد من بعد نجاح فيلم(easyridir) مع دينس هوبر وبيتر فوندا وبالطبع جاك نيكلسون. اتصلت يونيفرسال بهذا المخرج التشيكي الفار في فرنسا لكي يقوم بإخراج فيلم في الولاياتالمتحدةالأمريكية منخفض التكاليف. قبل المخرج التشيكي ميلوش فورمان هذا العرض وطلب إن يكون جان كلود كاريير هو كاتب السيناريو لتتم كتابة فيلم عن ظاهرة الهيبز في الولاياتالمتحدةالأمريكية يحمل عنوان(Takingoff). الفيلم عن فتاة هربت من منزل أسرتها لتذهب مع مغني هيبز لحفلة وود ستوك وهي الحفلة الموسيقية التي جمعت جميع مطربي العالم من مؤيدي حركات السلام من أول الفرق الموسيقية الكبري مثل رولنج ستون وحتي عازفي العالم أجمع مثل سانتانا وجيمي هندريكس. يقرر الأب والأم السفر للبحث عن ابنتهما في مدينة نيويورك, ويتسللان إلي حركات الاعتراض والتمرد والهيبز بحثا عن ابنتهما, يخلق الفيلم مواقف كوميدية عبر اختلاط الوالدين متوسطي العمر من الطبقة المتوسطة مع زمرة الشباب من الهيبز مدخني الماريجوانا. أهتم الفيلم بشخصية الوالدين والأزمة التي يعانيان منها لهروب ابنتهما من البيت, في حين كانت شخصية البنت نفسها هامشية, وذلك لتصوير التحول الحادث علي الأسرة الأمريكية التقليدية والتي كانت حرب فيتنام سببا من أسباب انهيارها بشكلها التقليدي. كان ميلوش فورمان يسعي لتنفيذ عرض للمنتج الفرنسي كلود بيري لإخراج مسرحية( شعر) التي كانت تحقق نجاحا منقطع النظير في لندن لذا فقد سافر إلي نيويورك علي أن يلحق به جان كلود كاريير ولكن المشروع تعثر فقبل ميلوش فورمان عرض يونيفرسال( ونجح بعد ذلك في اخراج فيلم عن مسرحية شعر عام1976). فاز فيلم(Takingoff) بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في مهرجان كان السينمائي عام1971 ولكنه لم يحقق نجاحا كبيرا في الولاياتالمتحدةالأمريكية في ذلك الوقت. هناك نوعية من السينما عند رؤيتها تستطيع عبرها معرفة الأفكار الاجتماعية والسياسية السائدة في مجتمع معين خلال فترة زمنية محددة وتطور مراحله الفنية ومن هنا يكون الفيلم جزء من تاريخ البلد المعين. لكننا نحن في الكثير من أفلامنا المصرية لا نجد أي معالم علي أن الفيلم مصور في مصر ولا هناك أي تحديد عن الفترة الزمنية وكأن كل أفلامنا أو معظمها علي الأقل تعبر عن أي شيء أخر ألا هذا البلد. عرض فيلم فورمان من جديد في صالات العرض السينمائي في فرنسا يعيد إلي أذهاننا فترة خصبة من التاريخ الإنساني كان الشباب فيها مفعما بالرغبة في السلام ولم تكن سياسات كراهية الأخر قد تم بثها في وجدان شباب ذلك الجيل وإلقاء تهمة البطالة واختفاء الرفاهية والأزمات علي عاتقها بدلا من دراسة السبب الرئيسي, فيلم فورمان يقدم لنا عالما كان أقل عنصرية وأكثر كراهية للحرب, فترة دعونا نتذكرها بحسرة من بعد أن أصبح ضحايا عنف الحروب مجرد مشاهد في نشراتنا الإخبارية. [email protected]