ليس لدي أي تعاطف مع السيدة التي حاولت الانتحار بعد أن قتلت ابنها بدعوي الفقر. لست غليظ القلب ولكنني وقد شاهدت طيلة حياتي أمهات قاومن الفقر لتربية أبنائهن لا يمكنني أن أتعاطف مع هذه السيدة. لو أن كل الأمهات الفقيرات تصرفن مثل هذه السيدة لكان الكثير منا في عداد القتلي, فالكثيرين وأنا منهم أبناء لأمهات عظيمات تحملن الكثير لتنشئة عدد كبير من الأطفال وليس طفلا واحدا في ظروف شديدة الصعوبة. حزنت علي الطفل الصغير الذي راح ضحية أم فشلت في حماية ابنها فتحولت إلي قاتلته, وفشلت في إدارة حياتها فدمرتها, وفشلت في كل شيء حتي في الانتحار نفسه. لست أفهم موجة الكتابات التي أخذت تلوم المجتمع والدولة علي إخفاقهما في مساعدة السيدة المطلقة وطفلها. ربما قصرنا في علاج مريضة نفسيا مثلت خطرا علي نفسها وعلي من حولها, ولكن من الصعب تحميل المجتمع والدولة المسئولية عن قتل الطفل الصغير. إطلاق الحناجر والأقلام لتعليق الأمر كله في رقبة الفقر فيه تبرئة للمجرم الحقيقي, وفيه أيضا إعلاء لشأن الإنسان العاجز معدوم الإرادة الذي ليس عليه سوي القضاء علي حياته وحياة فلذات أكباده إذا أخفق الآخرون في المبادرة بمساعدته. من الناحية الأخلاقية لا يمكنني قبول هذه المبالغة في إعفاء الفرد من المسئولية عن أفعاله بدعوي الظروف الاجتماعية. إذا أعفينا الأفراد من المسئولية عن انحرافاتهم بدعوي الظروف الاجتماعية, فلن يكون لدينا مبررا للاحتفاء بالناجحين لأنهم وفقا لنفس المنطق- ليسوا سوي نتيجة لظروف اجتماعية مواتية. تعميم هذه المفهوم للإنسان غير المسئول يحول المجتمع إلي مسخ لا فضل ولا مسئولية فيه لأحد, وهذا ليس سوي مجتمع ميت لا أمل لديه في التقدم. أعود لحالة السيدة إياها لأقول إنني لا أميل لتصديق ما تدعيه عن عجزها في الحصول علي عمل. لا أدعي أن العمل متوافر في مصر لمن أراد, لكنه متوافر بالتأكيد لأي شخص أجبرته الظروف علي أن يختار بين العمل أي عمل أو الموت. هناك العشرات من المصانع التي تشكو من نقص العمالة لأن الشباب يفضلون انتظار وظيفة تلائم تخصصاتهم أو تصوراتهم عن أنفسهم, وهناك الآلاف من السيدات العاملات يبحثن عن سيدات تساعدهن في الاهتمام ببيوتهن مقابل أجور أعلي مما يحصل عليه عمال المصانع, وهناك فتيات صينيات يجبن الشوارع ويدققن أبواب البيوت لبيع منتجات جئن بها من علي بعد آلاف الأميال, وكلها طرق للتعامل مع الفقر بخلاف الانتحار وقتل الأبناء.