العاصمة الإدارية تطرح 16 وحدة تجارية بالإيجار في الحي الحكومي    طائرات الاحتلال تقصف منزلًا لعائلة "داود" في حي الزيتون جنوب شرقي غزة    طاقم تحكيم مباراة الإسماعيلي والداخلية في الدوري المصري    صفقة سوبر على أعتاب الأهلي.. مدرب نهضة بركان السابق يكشف التفاصيل    ميدو يوضح رأيه في اعتراض الزمالك على حكام نهائي الكونفدرالية    نقابة الموسيقيين تنعي كريم عبد العزيز في وفاة والدته    6 طرق لعلاج احتباس الغازات في البطن بدون دواء    أحمد موسى: محدش يقدر يعتدي على أمننا.. ومصر لن تفرط في أي منطقة    مندوب الجامعة العربية بالأمم المتحدة: 4 دول من أمريكا الجنوبية اعترفت خلال الأسبوع الأخير بدولة فلسطين    «الرئاسة الفلسطينية»: نرفض الوجود الأمريكي في الجانب الفلسطيني من معبر رفح    رئيس هيئة المحطات النووية يهدي لوزير الكهرباء هدية رمزية من العملات التذكارية    عيار 21 الآن بعد الزيادة.. أسعار الذهب بالمصنعية اليوم الخميس 9 مايو بالصاغة (آخر تحديث)    توفر مليار دولار سنويًا.. الحكومة تكشف أهمية العمل بجدول تخفيف الأحمال (فيديو)    الزمالك يشكر وزيري الطيران والرياضة على تسهيل سفر البعثة إلى المغرب    قبل نهائي الكونفدرالية.. نجم الزمالك يسافر إلى اليونان للاتفاق مع فريقه الجديد    محمد فضل: جوزيه جوميز رفض تدريب الأهلي    ميدو: اعتراض الزمالك على وجود حكام تونسيين في نهائي الكونفدرالية ذكي للغاية    فينيسيوس: الجماهير لا يمكنهم تحمل المزيد من تلك السيناريوهات.. ولم يكن لدينا شك بالفوز    نماذج امتحانات الثانوية العامة 2024 بصيغة «PDF» لجميع المواد وضوابط اللجان    إنتل تتوقع تراجع إيراداتها خلال الربع الثاني    موعد إجازة عيد الأضحى 2024 في السعودية: تخطيط لاستمتاع بأوقات العطلة    ارتفاع ضحايا حادث «صحراوي المنيا».. مصرع شخص وإصابة 13 آخرين    العظمى بالقاهرة 36 درجة مئوية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الخميس 9 مايو 2024    "الفجر" تنشر التقرير الطبي للطالبة "كارولين" ضحية تشويه جسدها داخل مدرسة في فيصل    سواق وعنده 4 أطفال.. شقيق أحمد ضحية حادث عصام صاصا يكشف التفاصيل    تعرف على سعر الفراخ البيضاء والبيض بالأسواق اليوم الخميس 9 مايو 2024    نبيل الحلفاوي يكشف سبب ابتعاد نجله عن التمثيل (تفاصيل)    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 9 مايو: مارس التمارين الرياضية    من يرفضنا عايز يعيش في الظلام، يوسف زيدان يعلق على أزمة مؤسسة "تكوين" والأزهر    محمود قاسم ل«البوابة نيوز»: السرب حدث فني تاريخي تناول قضية هامة    خبير اقتصادي: صندوق النقد الدولي يشجع الدعم المادي وليس العيني    استشاري مناعة يقدم نصيحة للوقاية من الأعراض الجانبية للقاح استرازينكا    وزير الصحة التونسي يثمن الجهود الإفريقية لمكافحة الأمراض المعدية    محافظ الإسكندرية يشيد بدور الصحافة القومية في التصدي للشائعات المغرضة    وكيل الخطة والموازنة بمجلس النواب: طالبنا الحكومة بعدم فرض أي ضرائب جديدة    ننشر أسماء ضحايا حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    تحالف الأحزاب المصرية يجدد دعمه لمواقف القيادة السياسة بشأن القضية الفلسطينية    وزير الخارجية العراقي: العراق حريص على حماية وتطوير العلاقات مع الدول الأخرى على أساس المصالح المشتركة    "لا نريد وسيطاً".. فتح: نطالب بانسحاب إسرائيل من معبر رفح|فيديو    رئيس لجنة الثقافة: الموقف المصرى من غزة متسق تماما مع الرؤية الشعبية    حسام الخولي ل«الحياة اليوم»: نتنياهو يدافع عن مصالحه الشخصية    «زووم إفريقيا» في حلقة خاصة من قلب جامبيا على قناة CBC.. اليوم    عبد المجيد عبد الله يبدأ أولى حفلاته الثلاثة في الكويت.. الليلة    مستشهدا بواقعة على صفحة الأهلي.. إبراهيم عيسى: لم نتخلص من التسلف والتخلف الفكري    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لنا في كل أمر يسراً وفي كل رزق بركة    دعاء الليلة الأولى من ذي القعدة الآن لمن أصابه كرب.. ب5 كلمات تنتهي معاناتك    بالصور.. «تضامن الدقهلية» تُطلق المرحلة الثانية من مبادرة «وطن بلا إعاقة»    التحالف الوطنى يقدم خدمات بأكثر من 16 مليار جنيه خلال عامين    رئيس جامعة القناة يشهد المؤتمر السنوي للبحوث الطلابية لكلية طب «الإسماعيلية الجديدة الأهلية»    متحدث الصحة يعلق على سحب لقاحات أسترازينيكا من جميع أنحاء العالم.. فيديو    الكشف على 1209 أشخاص في قافلة طبية ضمن «حياة كريمة» بكفر الشيخ    أيهما أفضل حج الفريضة أم رعاية الأم المريضة؟.. «الإفتاء» توضح    رئيس«كفر الشيخ» يستقبل لجنة تعيين أعضاء تدريس الإيطالية بكلية الألسن    أول أيام شهر ذي القعدة غدا.. و«الإفتاء» تحسم جدل صيامه    بالفيديو.. هل تدريج الشعر حرام؟ أمين الفتوى يكشف مفاجأة    حزب العدل: مستمرون في تجميد عضويتنا بالحركة المدنية.. ولم نحضر اجتماع اليوم    موعد وعدد أيام إجازة عيد الأضحى 2024    «اسمع واتكلم» لشباب الجامعات يناقش «الهوية في عصر الذكاء الاصطناعي»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسواق الرجالة‏..‏ قنابل موقوتة
عمال التراحيل‏..‏ فائض العمالة الزراعية‏..‏ خطفتهم النداهة وظلوا علي هامش القاهرة
نشر في الأهرام المسائي يوم 25 - 06 - 2010

يراهم البعض فئة مهمشة ويراهم آخرون فئة طفيلية تزيد من ازدحام القاهرة‏,‏ ويعتبرهم فريق ثالث بؤساء معذبين في عصر ليس فيه رحمة‏,‏ إلا أن قصصهم تمتليء بالأوجاع‏,‏ ونادرا ما تختلف نهاياتها‏..‏ هذا هو حال عمال التراحيل في مصرالمحروسة‏.‏
سامح جاء من إحدي قري سوهاج يلبي نداء النداهة‏,‏ التي طالما دعته هو والكثيرين من قبله للحضور إلي العاصمة والعمل بها‏,‏ حتي لو كان ذلك العمل في سوق الرجال‏.‏
سامح جاء إلي القاهرة محملا بهموم الفقر والحاجة‏,‏ يسبقه للعاصمة حلم الاكتفاء وسد جوع أسرته‏,‏ التي لاتعرف سوي الخبز والجبن القريش طعاما لشهور طويلة‏.‏ جاء متسلحا بقوته العضلية التي تأكلها الرطوبة حاملا في إحدي يديه عدة العمل التي تضم شاكوشا وأجنة وأزميلا‏,‏ يلفها في كيس من القماش ويحرص عليها كحرصه علي حياته‏,‏ وفي اليد الأخري كيس بلاستيك يضع فيه غيارا آخر له‏.‏
لم يمض عليه أكثر من أسبوعين في القاهرة وهو الأحدث وسط مجموعة من الرجال هم زملاؤه في الشقاء يفترشون وسط ميدان رمسيس والاسعاف والمطرية والمرج وشبرا ومدينة نصر بالأحياء السابع والثامن والعاشر ومدينة‏6‏ أكتوبر‏,‏ والعمرانية والهرم والسيدة عائشة‏,‏ كلهم يحملون ذات الملامح التي يصم بها الفقر أصحابه‏,‏
وجوه شاحبة بها خطوط وتجاعيد خطها الخوف من الغد الذي لايعلمون عنه شيئا‏,‏ واليوم الباهت كحياتهم‏.‏ ولتكون تلك المناطق ملاذهم الوحيد حيث يجلسون فيها بجوار بعضهم البعض منذ الخامسة صباحا‏,‏ ومن خلال الأدوات التي يحملونها تستطيع التمييز بين الفلاحين فهم يحملون الفأس والمقطف لقيامهم بأعمال الحفر والردم‏..‏ بينما يحمل الآخرون مجموعة من الشواكيش للقيام بأعمال التكسير والهدم ومنهم من يحمل حبلا وشكائر لاستخدامها في رفع مواد البناء من الطوب والرمل‏.‏
دعاء الانتظار
ساعات من الانتظار تمر علي هؤلاء وهم جالسون علي الأرصفة تداعب كل منهم أمنية أن يحصل علي عمل ليوم واحد‏,‏ لا يملكون إلا عبارات التماس الفرج والدعاء‏,‏ وعيونهم مركزة علي السيارات الغادية والرائحة أمامهم‏,‏ حتي إذا ما وجدوا سيارة تتباطأ أمامهم هبوا إليها جميعا مندفعين إلي صاحبها‏,‏ الذي غالبا ما يحمل إلي بعضهم بشري الرزق‏,‏ لتبدأ المفاوضات علي الأجر‏.‏
ولو كان صاحب السيارة مقاول أنفار يبحث عن عدد من عمال التراحيل الأقوياء لحفر قواعد أساس إحدي البنايات أو هدم خرسانة أو غيرها من أعمال المعمار‏,‏ يكون التفاوض علي الأجر قاسيا حيث يفرض شروطه ويهددهم بين الحين والآخر بتركه لهم والبحث عن غيرهم لعلمه بمدي حاجتهم‏,‏ وتكون المفاوضات حول السعر أقل وطأة إذا كان صاحب السيارة شخصا عاديا يبحث عمن يهدم له حائطا أو يحمل ردما من منزله‏.‏
وغالبا ما يتراوح الأجر بين‏35‏ و‏50‏ جنيها في اليوم الواحد لكل عامل منهم‏.‏ ليعودوا في المساء خائري القوي يرتمون علي أرض غرفهم الصغيرة المتهالكة لدي أحد البوابين أو الخفراء‏..‏ ربما لاتوجد إحصائيات دقيقة لحصر عددهم ويتردد أن العدد يتراوح ما بين مليون إلي مليونين منهم الأمي والمتعلم‏..‏ منهم الشيخ والصبي والفتاة أيضا إلي جانب الشاب‏,‏ يعانون الاضطهاد والاستغلال والاهمال‏,‏ وبالرغم من أن حياة عمال التراحيل لا تعرف الراحة إلا أن رجال الشرطة لايرحمونهم ويحررون لبعضهم محاضر تحري ويتم حجزهم بالقسم يوميا أواكثر‏.‏
الصورة عن قرب
الاهرام المسائي تعاملت بنفس طريقتهم وذهبت إلي مناطق سوق الرجال كما يسمونها‏,..‏ تعرفنا علي تفاصيل كثيرة تعكس الظروف الاجتماعية والإنسانية و التي يعيشونها ورصدنا الصورة عن قرب ووجدناها أكثر قسوة
محمد السيد‏(27‏ سنة‏)‏ من المنيا يقول‏:‏ مشاكلنا نحن عمال التراحيل كثيرة جدا لأننا حضرنا إلي القاهرة بعد أن فشلنا في الحصول علي عمل‏.‏ وأضاف‏:‏ نحن أكثر من‏15‏ فردا نسكن غرفة واحدة وكل منا يدفع عشرين جنيها في الشهر مقابل السكن بخلاف المأكل والمشرب‏,‏ والأغرب أننا نتعرض للإضطهاد من الأمن الذي يقبض علينا بلا مبررات لمجرد أننا نقف علي الارصفة في انتظار أي مقاول أنفار للعمل معه‏.‏
وأكد استغلال المقاول لهم والمماطلة علي المبلغ المتفق عليه لتقليله‏..‏
ولا تختلف أحوال عيد محمود‏,‏ من قنا عن أحوال بقية عمال التراحيل فيقول‏:‏ فشلت في الحصول علي فرصة عمل في محافظتي وجئت إلي القاهرة أملا في الحصول علي عمل ولكن للأسف تعرضت لمآس كثيرة ومررت بظروف صعبة اضطرتني للسلف ولا أدري متي أسدد ديوني‏,‏ وأقوم بمجهود شاق لأنني أعمل في المحارة والسباكة وغيرها من الأعمال غير الدائمة‏,‏ وإذا تعرضت للمرض لا أجد من يداويني فليس لي تأمين صحي‏,‏ شأني شأن عمال كثيرين جاءوا للقاهرة سعيا وراء لقمة العيش‏..‏
ويؤيده في ذلك عوض عبد البر قائلا إن المأساة الكبري هي أنه يضطر أحيانا إلي منع أولاده من الذهاب للمدارس لأنه لا يجد نقودا يعطيها لهم ليركبوا المواصلات‏,‏ فضلا عن ارتفاع الأسعار وظروف الحرمان والاستغلال من قبل مقاولي الأنفار مما يجعلهم يقبلون بالأجر القليل‏..‏
لا حقوق‏..‏ لا ضمانات‏..‏ لا علاج‏!‏
ويقول عم عبدالغفار‏:‏ لم نعرف معني الدعم وليس معنا بطاقات تموينية لصرف السلع المدعومة‏,‏ وليس لنا تأمين صحي واليومية تتراوح ما بين‏35‏ و‏50‏ جنيها للعامل وما بين‏50‏ إلي‏100‏ جنيه للصنايعي‏..‏ ومقاولو الأنفار مبيرحموش ولا حقوق ولا ضمانات ولا علاج‏!‏ والله العظيم حرام‏.‏
أما محمد نوح‏,‏ حاصل علي دبلوم تجارة‏(‏ حداد مسلح‏)‏ فيروي تجربته مع العمل قائلا‏:‏ لقد شاهدت زملاء في المهنة يسقطون من أسطح المباني الشاهقة أثناء تركيب الأسياخ الحديدية ومنهم من لقي مصرعه ومنهم من خرج بعاهه مستديمة من العمل بدون تعويض‏,‏ فطبيعة العمل شاقة جدا ويقابله أجر ضئيل ولا توجد ضمانات لنا في المستقبل وأتمني أن تهتم النقابات بتسجيل العمال أمثالنا لضمان حقوقنا التأمينية‏.‏
ويضيف س‏.‏ ع‏:‏ حاول المقاول الذي أعمل معه في معظم الوقت أن يقنعني بضرورة التأمين علي حياتي مقابل‏10‏ جنيهات في الشهر‏,‏ حتي يكون لي معاش في حالة الإصابة أو الموت‏,‏ حاولت ذلك ولكنني وجدت أن علي دفع مبلغ‏100‏ جنيه في البداية للحصول علي شهادة قياس مهارة‏,‏ وهو مبلغ مكلف بالنسبة لي‏,‏ فرفضت‏.‏ ويقول سالم الأسيوطي من المنيا‏:‏ العين بصيرة واليد قصيرة‏,‏ والحياة في القاهرة بهدلة لكن البيوت محتاجة‏,‏ وفرص العمل ضعيفة وظروف العمل شاقة والعائد منها قليل ولم نسلم من سخرية الناس منا ونضطر في أحيان كثيرة لظروفنا أن ننام علي الرصيف وأن نقوم بالاستحمام في الجوامع‏.‏
والمؤهلات أيضا‏..‏
وقديما كان هناك تصور راسخ علي أن عمال التراحيل عبارة عن أشخاص أميين لا يجيدون أي حرفة حتي أصبح عدد كبير من هؤلاء يحملون مؤهلات متوسطة وأحيانا عليا‏..‏ سالم بدوي‏,‏ ليسانس أداب‏28‏ سنة من الفيوم‏,‏ يقول‏:‏ كان حلم حياتي يوم دخولي الجامعة أن أتخرج وأجد فرصة عمل مناسبة وأقدر أفتح بيتا مثل باقي المتعلمين لكن سرعان ما تبدد الحلم بعدما تقدمت لجميع المسابقات التي نظمتها الحكومة والنتيجة صفر ففقدت الأمل وأصبحت بين عشية وضحاها واحدا من طابور عمال التراحيل الأمر الذي جعلني أنسي أساسا أنني حصلت علي شهادة‏..‏ وبالمثل يقول سيد مسعود‏,‏ من حلوان‏,‏ خريج كلية الحقوق‏:‏ أعمل في مجالات البناء والترميم وأحمل الزلط والرمل بعد أن فقدت الأمل في التعيين‏.‏
النساء‏...‏ والحرام
والتراحيل من المجالات الصعبة التي اضطرت المرأة للعمل فيها تحت ضغط الحاجة وهو ما عبرت عنه رواية الحرام للكاتب يوسف إدريس‏,‏ التي تظل خير شاهد ومجسدة لقسوة حياة تلك الطبقة التي عبرت عنها شخصية عزيزة عاملة التراحيل وجسدتها للسينما سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة في فيلم من إخراج بركات في مطلع الستينات‏,‏ لتظل شخصية عزيزة التي تخرج ضمن قوافل التراحيل للبحث عن لقمة العيش لأبنائها ولزوجها المريض‏,‏ فتتعرض للاغتصاب وتضطر إلي قتل وليدها خوفا من الفضيحة‏,‏ حاضرة في أذهان كل من شاهد الفيلم‏,‏ ليس فقط كدليل علي جفاف حياة هؤلاء البشر وقسوتها‏,‏ ولكن أيضا كإشارة علي وجود النساء في هذا المجال‏.‏
وفي دراسة أجراها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تحت إشراف د‏.‏ ثروت اسحق تشير إلي أن نسبة وجود المرأة في مهنة التراحيل وصلت إلي‏8%‏ وهو رقم كبير لأن المهنة للرجال‏..‏ وتذهب المرأة للعمل في رفقة زوجها وتحصل علي نصف أجر الرجل‏..‏ وتزيد نسبة أمية النساء في هذا القطاع علي‏95%‏ وتتراوح ساعات العمل بين‏8-12‏ ساعة يوميا‏..‏ ويقول د‏.‏ ثروت إسحق إن عمال التراحيل هم فائض العمالة الزراعية في القري‏..‏ حيث يتولي جمعهم مقال العمال ثم ينقلهم إلي مناطق العمل لفترات تتراوح بين شهر وعدة شهور يقيمون فيها في خيام أو معسكرات‏..‏ ولجوء المرأة للعمل في هذا
المجال الصعب يدل علي عدم وجود أي فرصة عمل أخري امام هذه المرأة والتي غالبا لايكون لديها أطفال وإذا كان لديها فإنها تتركهم خلال فترة عملها في رعاية امها أو أم زوجها‏.‏
وتقول سعدية أبو عارف‏:‏ انا متزوجة من عامل تراحيل وانجبت منه ثلاثة ولأن ظروف الحياة والمعيشة تتطلب مصاريف كثيرة فكان لابد ان اعمل معه واتحمل مشاق العمل الذي تعودنا عليه علي مدار‏10‏ سنوات متواصلة من حمل مواد البناء والصعود بها لأدوار عليا ولكن اول من يتم الاستغناء عنهم في تلك المهنة النساء خاصة بعد ظهور المعدات الحديثة‏..‏ أما سعيدة تلك الفتاة الصغيرة من بولاق فتقول‏:‏ عملت في هذه المهنة كي ازوج نفسي فأبي مريض وأمي تلازمه واخواتي منهم من يعمل بالكاد والآخرون صغار فكان لابد ان اجد مخرجا من الفقر الذي ينهش في أجسادنا‏,‏ حتي ولو كان الثمن هو حمل الطوب ومواد البناء للأدوار العليا‏,‏ بدلا من ان اسرق أوابيع نفسي‏.‏
حتي الأطفال‏..!‏
طيور مغردة تخلت عن طفولتها فجأة ومارسوا أعمال الكبار بشروط السوق فتعرضوا للعنف والاستغلال‏,‏ ذهبوا لإعالة اسرهم وانفسهم وتحسين ظروفهم الاجتماعية والمعيشية فلم يجدوا احدا يرحم طفولتهم أو يشفق عليهم ولابد ان يدفع الطفل من كرامته وحريته وآدميته مقابل جنيهات قليلة يوميا‏..‏ فيقول التوأمان أحمد وحسين إبراهيم‏11‏ سنة‏:‏ اجبرتنا والدتنا علي الخروج من المدرسة بعد السنة الرابعة لان ظروفنا المادية لاتسمح لنا بالتعليم كما ان المناهج سيئة والمدرسون لايهتمون بنا فلم نشعر بالفرق الشاسع بين اكمال التعليم من عدمه‏.‏
ويكمل حسين‏:‏ نحمل الطوب علي اكتافنا ونناول‏(‏ المعلم‏)‏ ولانستطيع ان نعترض علي أي شيء وإلا حرمنا المقاول من نصف اليومية التي لاتتجاوز‏20‏ جنيهات في حالة اتقان العمل‏.‏
ويقول محمد علي‏16‏ سنة‏:‏ اعمل في رفع الطوب والرمل مع باقي العمال لتوفير مصاريف المدرسة لان اسرتي فقيرة للغاية ويضطرني ذلك للغياب عن المدرسة اسبوعا كل شهروهي المدة التي اعمل فيها لاوفرمصاريفي فضلاعن اجازة علي نهاية العام التي اقضيها في العمل دون أي راحة‏.‏ ويؤيده في ذلك عادل شوقي طالب بالصف الثاني الثانوي ويضيف‏:‏ احرص في الاجازة ان اعمل في سوق الرجالة لاوفر مصاريف دراستي طوال العام لاني اتمني ان اكمل تعليمي وعندي امل ان احقق هذا الحلم لذا فأنا وزملائي في المهنة نتحمل المعاملة السيئة من صاحب العمل واستغلال مقاولي الانفار لعلمهم بحاجتنا الشديدة للمال واننا لن نعترض فضلا علي اننا صغار لانستطيع ان نتفوه أمامهم بكلمة‏.‏
مهنة لايحميها أحد
الدكتور نبيل حلمي رئيس لجنة حقوق الإنسان بالحزب الوطني يؤكد ان عمال التراحيل من الفئات التي تسعي إلي كسب الرزق من خلال اعمال المقاولات والبناء وجميع الأعمال التي تتطلب مجهودا جسديا أكثر منها مجهودا عقليا ولذلك ففي كثير من الاحيان قد يجدون عملا وقد لايجدون‏.‏
واحتراما لحقوق الإنسان المصري لابد من وجود تجمعات اساسية لتلك الفئة ترد لهم حقوقهم وتضمن حمايتهم من الاستغلال ويتم ذلك من خلال طلبات أو استمارات أو غير ذلك وان يكون هناك حد ادني للأجور وان يثبت ذلك في اوراق لحمايتهم من الاستغلال من أي طرف من الآطراف الأخري سواء المشتغلون أو الوسطاء أو أصحاب العمل‏..‏ من ناحية أخري لابد من تنظيم تدريب مهني لهؤلاء في المهن المختلفة‏,‏ وان تكون لهم نقابات أو جمعيات اهلية للدفاع عنهم بحقوقهم في هذا المجال‏.‏
ويقول حافظ أبو سعدة رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان‏,‏ ان هذه الفئة تمثل نوعا من البطالة المؤقتة حيث نتحدث عن قطاع واسع من الناس سواء في الزراعة أو اعمال البناء والمقاولات‏..‏ ويحمل المسئولية لوزارة القوي العاملة ويضيف هناك امران يجب اخذهما في الاعتبار‏,‏ اولهما‏:‏ انه لابد من تدريب مهني منظم لهؤلاء لان السوق في حاجة لعمالة مدربة وكثيرا ماتشتكي الوزيرة عائشة عبدالهادي من ان رجال الأعمال لايجدون عمالا مدربين في مصانعهم وشركاتهم وهم في حاجة فعلية للعمال فلماذا لايتم تدريبهم مهنيا بشكل منظم وفعال‏.‏
الأمر الثاني‏:‏ ويتعلق بفكرة التأمين فلابد ان تمتد مظلة التأمين علي هؤلاء وهو تأمين من البطالة وتأمين صحي واجتماعي وغيره‏.‏
ويري أبو سعدة ان القانون الجديد سوف يشمل تلك الفئة المهمشة لان شروطه تنطبق عليهم فتلك الفئة ليس لها دخل دائم أو ثابت فضلا عن ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية الصعبة لذا يجب حصرهم وتسجيلهم ودفع اقساط التأمين نيابة عنهم‏.‏
ويضيف انه ضد وجود نقابة تتحدث باسمهم في الوقت الحالي لأن النقابة تحتاج لاصحاب مهنة ولابد اولا من ادماجهم في المجتمع وتوجد مهن تليق بهم وبعد ذلك تكون لهم نقابة اما الآن فكيف سيدفع العمال اشتراكها وهم لايعملون اصلا‏..‏ أيضا يجب تنظيم حقوق العمال وتدريبهم وهذه مهمة مراكز التدريب التابعة لوزارة القوي العاملة‏.‏
مشاريع وحوش
ويقول الدكتور محمد حسن الحفناوي‏,‏ أمين المهنيين بالحزب الوطني ان القضية مهمة جدا وفي غاية الخطورة وباختصارهم قنابل موقوتة داخل المجتمع المصري يمكن ان يتحولوا في أي لحظة إلي وحوش ضارية منهم السارق والقاتل لاسيما وهو يعاني من الجوع والتشرد والبعد عن العائلة لذا يجب وضع نوع من التنظيم في سوق العمل التي اصبحت في الغالب اعمال البناء والمقاولات وفي الوقت نفسه هم فئة لاتمتلك أي خبرة بأي مهنة‏.‏وهذا ليس مطلوبا في سوق العمل الذي يحتاج لعمالة مدربة جيدا‏.‏
ويري ان صاحب العمل والعامل كلاهما معذور لان الأسعار ارتفعت والعامل يبحث عن زيادة الاجر وصاحب العمل يحاول تقليل الاجر إلي الحد الادني‏,‏ وازداد الامر سوءا بعد ظهور الماكينة التي الغت وجودهم‏,‏ فيجب ان يفتح لهم مجال عمل ولكن ليس علي مصرعيه‏,‏ كما ان ليس لهم تنظيم نقابي يجمعهم وحتي خريجو الجامعات الذين يعملون ضمن هذه الفئة ليس لهم عمل في مجالاتهم وليس لديهم ثقافة العمل الذي يقومون به من اعمال البناء المختلفة كما ان سوق العمل في مصر يكاد يكون قد اكتمل وتشبع واستكفي‏,‏ ويري ان حل مشكلتهم يرجع للجهات الرسمية المعنية مثل وزارات التضامن الاجتماعي والشئون الاجتماعية والقوي العاملة‏.‏
إضافة للناتج القومي
الدكتور اشرف العربي‏,‏ استاذ الاقتصاد بمعهد التخطيط العمراني يؤكد إن هذه الفئة من العمال مطلوبة وعليهم اقبال ويضيفون للناتج القومي حيث تحتاج لهم المصانع ويري ان المشكلة هي كيفية استغلال طاقتهم بشكل إيجابي والحل ان نجد اولا حصرا دقيقا لهم وهو ما لم تكشفه الاحصاءات حتي هذه اللحظة‏.‏
ويري انه ببساطة شديدة نجد ان أي عمل منتج لابد من تنظيمه في اطار مؤسسي للموضوع وفي شكل منظم ولابد من وجود مؤسسات تدافع عن تلك الفئة حتي ولو بشكل غير رسمي فطالما يعملون وينتجون فلما لانساعدهم؟‏!‏ لكن المهم هو النظام‏..‏ ويؤكد العربي انه ليس ضد هذا النوع من العمل لاننا بالفعل نحتاج إليهم ولكن بشكل منظم ومدرب‏..‏ وان يكون لهم جهة تدافع عنهم تتمثل في الاتحاد العام لنقابات العمال ويكون لهم تأمين ونقابة خاصة فرعية وبالتالي نضمن لهم الاستقرار وعلو الإنتاج‏.‏
القانون يتجاهلهم
اما الدكتورة راندا صميدة‏,‏ استاذة التشريعات الاجتماعية بحقوق القاهرة‏,‏ فتقول‏:‏ إن القانون المصري يخلو من التعرض لهذه الفئة لانها ليست مهنة دائمة حتي صاحبها ينظر لها علي انها عمل مؤقت‏,‏ فدخولهم غير ثابتة وليس لهم تأمين صحي أو اجتماعي وليس لهم أي جهة ترعاهم أو تدافع عنهم أو تنقذهم من المهالك والاخطار‏..‏ لكن قد تتولي احدي النقابات هذا الأمر وتمارس عليهم نوعا من الرقابة مثل النقابة العامة لعمال البناء بحيث يكون التوظيف من خلالها وتقوم بعمل جداول بأسمائهم واجورهم وأماكن توزيعهم ويري ان الوضع القائم حاليا غير آدمي بالمرة فهم يسكنون الارصفة وينتقلوا في سيارات نصف نقل وتجدهم بعد شغل وعمل شاق جدا يتقاضون اجرا بخيسا تتم المساومة عليه ولو بالاجر القليل لو ان عملهم مقنن وله مظلة تحميه لما حدث لهم ذلك‏.‏
مجرمون‏..‏ وانصاف مجرمين
ويقول الدكتور خالد الفخراني رئيس قسم علم النفس بآداب طنطا ان البطالة قادت العديد من الشباب حاملي المؤهلات العليا والمتوسطة للدخول ضمن هؤلاء العمال والمشكلة تكمن في انه ليس هناك رابطة تحميهم خاصة وان العمل لايتلاءم ابدا مع شهاداتهم‏,‏ كل ذلك نتيجة لالتحام الفقر والبطالة معا خاصة بعد هجر العديد من الفلاحين لمهنة الزراعة بعد ارتفاع تكاليفها‏..‏ ونتيجةلكل ذلك نجد موجة من الاحباط الشديد تجتاح هؤلاء لان العمل شاق جدا وغيرملائم لهم ولالطموحاتهم لكنهم مجبرون علي القيام به وكثيرا ماتحدث حالات انتحار بسبب كل ماسبق او يكون الشاب عرضة للإدمان وتناول حبوب الترامادول كمسكن ومهدئ للارهاق في البداية ثم يدمنه بعد ذلك لكي ينسي تعبه وهمومه في آن واحد‏,‏ ويري ان اخطر ما في المشكلة انهم يمكن في أي وقت ان يتحولوا إلي مجرمين كرد فعل طبيعي للحقد الاجتماعي بداخلهم فتجد منهم السارق أو القاتل‏..‏ أو انصاف مجرمين كالمتسولين في الشوارع‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.