التفكير فريضة, والتفكر تصوف وعشق, والفكر موهبة وإلهام ينتقل بالأفراد والجماعات والشعوب إلي مراقي الحضارة أو يطوف بها في جنبات التخلف والتراجع. تري كيف تتحول آلية التفكير لتصبح قوة دافعة؟ تري هل تظل نمطية التفكير تتمتع بدرجة من الثبات الذي يطيح بنبع الإبداع ويعصف بقدرة الملكات الخاصة؟ وما الذي يجعل التفكير يتصف بالمرونة والتعددية في مسارات مختلفة؟ وما الذي يجعله يتقوقع علي ذاته؟ إنها بانوراما عريضة من التساؤلات التي خاضها الكاتب الفرنسي الشهير إدوارد بونو في محاولة دؤوبة لتحليل طبيعة التفكير رامزا لذلك في كتابه قبعات التفكير الست. تري ماذا قال؟... وينطلق إدوارد بونو في إطار اهتمامه بطبيعة التفكير الإبداعي من أن الصعوبة الأساسية التي تقف أمام التفكير هي الحيرة إذ نلجأ إلي إنجاز الكثير من الأعمال في وقت واحد وتتزاحم حولنا العواطف والمعلومات والمنطق والأمل والإبتكار ونصبح أشبه بمن يقوم بالتلاعب وقصف كرات عديدة من الهواء في آن واحد, وعلي ذلك يهدف بونو إلي عرض بعض المفاهيم البسيطة التي تتيح للفرد أن يقوم بعمل واحد في وقت واحد وبذلك نستطيع الفصل بين العاطفة وبين الإبداع والمعلومات. ويقصد بونو بإستخدام مصطلح قبعات التفكير الست أنه عندما يرتدي شخص ما إحدي هذه القبعات فإنه يستخدم نوعا خاصا من التفكير وتتيح لنا هذه القبعات الست أن نقود تفكيرنا حتي يكون باستطاعتنا أن ننتقل إلي مسارات متعددة ونفكر بطريقة مختلفة حول مشكلة ما, وتكمن القيمة الأساسية لهذا المفهوم في سهولة استخدام قبعات التفكير الست ومدي ملاءمتها للمواقف المختلفة حتي يتحقق لتفكيرنا الفاعلية المرجوة. وقد اعتمد الكاتب الفرنسي إدوارد بونو علي المعني الرمزي لقبعات التفكير الست إذ أنه من الناحية العملية يتم الرجوع إلي القبعات والتحدث عنها بذكر ألوانها وليس بذكر الوظائف التي تؤديها, ويعتقد بونو أن هناك سببا وجيها بذلك هو أنك لو طلبت من أحد الأشخاص ردود أفعال عاطفية فلن تحصل علي إجابات صادقة لأن الطبيعة العامة في الناس تري أنه من الخطأ أن تكون عاطفيا, فمثلا باستطاعتك أن تطلب من أحد الأشخاص أن يخلع القبعة السوداء للحظة بسهولة أكثر من طلبك أن يكف عن السلبية, فحيادية الألوان تتيج الفرصة لاستخدام القبعات دون خلق إحراج, وهكذا يصبح التفكير لعبة لها قوانينها بعيدا عن الإستنكار والشجب وأسلوب الوعظ والإرشاد, وبصفة عامة, يهدف الكتاب إلي التوصل إلي فكرة جوهرية تتعلق بتركيز التفكير وعدم المزج والخلط بين الآراء الشخصية والحقائق والنقد الإيجابي والسلبي والحدس والإبداع. وقد قسم بونو هذا الكتاب إلي ستة محاور أفرد كل محور فيها للحديث عن طبيعة الذين يرتدون قبعة خاصة, فالمحور الأول تناول قبعة التفكير البيضاء والتي تمثل الموضوعية والحيادية وتركز فقط علي الحقائق والأرقام, ولا تطرح أية تفسيرات أو آراء ذاتية, أما قبعة التفكير الحمراء فهي تمثل وجهة النظر العاطفية وتعتبر شرعية العواطف والمشاعر والأحاسيس جزءا مهما في خريطة التفكير ونظام القيم. وتتيح هذه الطريقة للفرد استكشاف مشاعر الآخرين عندما يطلب رأيهم, كما تتضمن هذه القبعة نوعين من الشعور: الأول هو العواطف التي نعرفها مثل الخوف والكره والشك, والثاني يتضمن الأحكام المعقدة التي تتدخل في المشاعر والأحاسيس مثل الحس الداخلي والتذوق. أما تفكير القبعة السوداء فإنه يركز بشكل رئيسي علي تقييم الأمور سلبيا حيث يقوم الفرد الذي يرتدي القبعة السوداء بلفت الإنتباه إلي الأخطاء وإلي أسباب عدم صلاحية فكرة ما من الناحية العملية, كما يبين مخاطر الفكرة في جذورها. ويمثل هذا التفكير في مجمله محاولة موضوعية لوضع العناصر السلبية علي الخريطة, كما يقوم أيضا تفكير القبعة السوداء بمقارنة فكرة ما مع الماضي ويسلط الضوء علي فكرة في المستقبل ذلك لإمكانية التنبؤ بما سيحدث من أخطاء أو فشل. وعلي عكس كل ذلك يركز تفكير القبعة الصفراء علي التقييم الإيجابي للأشياء وتشمل طبيعة هذا التفكير سلسلة تتراوح بين ما هو منطقي وعملي من جهة وما هو أحلام وخيالات وآمال وأضاليل من جهة ثانية, ويبحث هذا التفكير عن القيمة والفائدة ويشجعها كما يطرح مبدأ التفاؤل ولكنه لا يتقيد به شريطة تحديد أنواع التفاؤل الأخري. ويري بونو أن هذا التفكير هو تفكير بناء يصدر عنه المقترحات الملموسة والعملية ويهدف إلي الفاعلية والدافعية والبناء ذلك أنه تفكير تأملي وتدبيري ينتهز الفرص ويبحث عنها بل ويخلقها بينما لا يسمح بالأحلام والتصورات. أما قبعة التفكير الخضراء فهي ترمز للإبداع والإبتكار وتخاطب الملكات الخاصة في الفرد ويعتبر الإستفزاز والإستثارة من أسس وآليات قبعة هذا التفكير وتنقلنا الحركة والاستثارة إلي خارج الأنماط الاعتيادية في التفكير وصولا إلي الأفكار المنظمة ذاتيا من أجل توليد مفاهيم جديدة. أما آخر قبعات التفكير التي استعرضها بونو فكانت هي القبعة الزرقاء التي يري أنها تمثل قبعة التفكير حول التفكير اللازم لاستكشاف الموضوع ويحدد أفراد القبعة الزرقاء مركز القضية المتناولة ويسوغ الأسئلة ويحدد الواجبات والمهام التفكيرية اللازم تنفيذها. وتعتبر طبيعة هذا التفكير هي المسئولة بالدرجة الأولي عن التخلص من الأراء العامة والنتائج المطلقة التي تحدث من وقت لآخر, كما أنها تقوم علي ضرورة اتباع قواعد اللعبة وإيقاف الجدل والإصرار علي إتباع خارطة هذا التفكير في إطار نظام صارم. رابط دائم :