كان من المفترض أن يضع قانون تنظيم التظاهر الذي وقعه الرئيس عدلي منصور الأحد قبل الماضي حدا لمسيرات العبث التي يقوم بها التنظيم المحظور لكن هذا لم يحدث لسبب بسيط هو أن القائمين علي أمر الإخوان الفاشلين وضعوا هدفا لهم يتمثل في محاولة عرقلة خارطة المستقبل عن طريق إثارة الفوضي ونشر العنف لقطع الطريق علي الاستفتاء علي الدستور الذي يشكل الاستحقاق الأول لخارطة الطريق التي أعلنتها قيادة الجيش بعد عزل مرسي, ولم يكن التصعيد العنيف من جانب الإخوان للعالمين ببواطن الأمور وطريقة تفكير التنظيم التدميرية التي تسعي إلي حرق الوطن وترفع شعار فيها لا أخفيها حيث شاركوا في تظاهرة مجلس الشوري التي شكلت أول تحد لقانون التظاهر الجديد وتصدت لهم قوات الأمن, والشيء نفسه تكرر يوم الجمعة الماضي حيث خرج الآلاف من أنصار الجماعة في عدة مناطق بالجيزة والقاهرة أملا في كسر إرادة الدولة والتظاهر دون إذن, في مسعي لتأكيد الوجود في الشارع وإحراج الحكومة والمتاجرة بعجزها عن تطبيق قانون التظاهر, وهو ما خاب ظنهم فيه رغم عشرات الضحايا وحرق نقطة شرطة عثمان محرم بالطالبية, في مشهد ليس غريبا علي الجماعة الإرهابية والتي تكذب ليل نهار بالتملص من لعنة الإجرام التي تدمغ سلوكها منذ عزل مرسي. وإذا كنا نحيي الحكومة علي إخراج قانون التظاهر إلي النور بعد فترة من التردد والمماحكات, فإننا نطالبها بتطبيق بنوده حرفيا علي الجميع دون أي تهاون, سواء في الجامعات أو مسيرات العبث التي باتت روتينا مملا كل جمعة, فلا معني لإصدار قانون لا ينفذ مهما تكن المبررات والاعتبارات, ولمن أراد أن يعترض عليه أن يلجأ إلي الطرق القانونية وليس عبر تحدي إرادة الدولة ولي ذراع الحكومة ظنا منهم أنها مرتعشة, وفي هذا السياق أطالب الحكومة بالتمسك بقانون التظاهر دون تعديل حفاظا علي مصداقيتها, ولتثبت أنها أقوي من حفنة من الناشطين والمتاجرين بالديمقراطية, ليس حبا في الوطن وناسه بقدر تنفيذ أجندات خارجية مشبوهة, هدفها خراب البلد والرقص علي جثة المصريين, حتي نلحق بالعراق وسوريا وليبيا, وهو الأمر الذي يتعين أن نقاتل لتفادي المصير الذي يريده لنا أعداء الداخل والخارج. وأتمني أن يكون الدكتور حازم الببلاوي رئيس الوزراء يعي ما يقوله فعلا من أن حكومته ليست مرتعشة ولا تبالي بالاتهامات الموجهة إليها وأن ما يفعله الإخوان مثل الناموسة التي تقلق النائم, نعم نتمني أن تثبت الحكومة قولا وعملا أن الإخوان ليسوا أكثر من بعوضة رذلة, كل هدفها التشويش والزن علي آذان المصريين لإفساد ثورة30 يونيه وحرمانهم من جني ثمارها وفي المقدمة الدستور الجديد, الذي برغم تسجيل عدد من المآخذ عليه إلا أنه يعد نقلة نوعية عند مقارنته بدستور إخوان مرسي. ومن المؤكد أن تصريح الببلاوي السابق لا ينسجم مع ما نسب إليه من تلميحات بشأن إدخال تعديلات علي قانون التظاهر, وهو ما يغري الخصوم بالتمادي في مطالبهم إلي حد المطالبة بالتراجع عنه, وهو أمر مرفوض تماما ويعد بمثابة انتحار للحكومة التي ساقتها الأقدار لقيادة التحول نحو الديمقراطية, وصياغة مستقبل مصر الجديدة التي تقبل بالتعايش مع الآخر وتقر مبدأ المواطنة والتداول للسلطة وفصل الدين عن السياسة وعدم توظيف دور العبادة في اللعبة السياسية, وكلها مكتسبات في مسودة الدستور. والأمر المؤكد أن ما يقوم به إخوان مرسي أقرب إلي صحوة النهاية, فإشعال الجامعات, ومحاولة كسر قانون التظاهر بمثابة النار التي يظنون أنها لازمة لإنضاج صفقة سياسية مع العهد الجديد, وهو ما فضحته تصريحات محمد الدماطي المتحدث باسم هيئة الدفاع عن مرسي, حيث يقول حرفيا: إذا كانت هناك نيات حسنة لحل الأزمة فتكون بعودة مرسي إلي الحكم لمدة ساعة أو ساعتين يكلف خلالها حكومة للإشراف علي إجراء انتخابات رئاسية ونيابية أو أن يعود الدستور المعطل ومجلس الشوري المنحل ويكلف حكومة للإشراف علي الاستحقاقات الانتخابية, هذا الكلام له عندي تفسيران, أولهما أنه صادر عن شخص مغيب تماما عن الوعي ولا يدري ما يقول, وثانيهما: أنه يعبر عن فصيل منفصل عن الواقع ولا يجيد قراءة المشهد المصري ويقتات علي أوهام وخزعبلات لا أساس لها علي أرض الواقع فمن ذا الذي يسمح لمسجون ومتهم في قضايا تصل عقوبتها إلي الإعدام بأن يحكم مصر ولو لدقيقة واحدة, مستهينا بالإرادة الشعبية التي أسقطت حكم الإخوان في30 يونيه. لقد تناسي الدماطي وإخوانه أن مصر تحررت من الإملاءات الخارجية ولن ترهن إرادتها لفصيل مهما يكن حجم الإرهاب الذي يمارسه بنفسه أو عبر الوكلاء والحلفاء ضد الشعب.. تغير مصر عبر عن نفسه في الخروج لأول مرة منذ عشرات السنين علي المشيئة الأمريكية وعدم الانصياع لتلويح أوباما بقطع المساعدات أو حتي تخفيضها, وعدم الوقوف أمام إلغاء مناورة النجم الساطع أو تعليق تسليم صفقات طائرات أف16, بل علي العكس طرقت مصر الجديدة أبواب الدب الروسي لسد حاجاتها الدفاعية والأمنية, علي أساس الندية الكاملة ووفقا للغة المصالح المشتركة. أيضا أقدمت القاهرة علي طرد السفير التركي ردا علي تجاوزات الأردوغان وإقحام نفسه في الشأن الداخلي المصري, وتطاوله علي قيادات مصر وجيشها, وهي رسالة لا تخطئها عين لكل من يتطاول علي مصر, وتحديدا لدويلة قطر أو لأوباما نفسه الذي توعده الببلاوي بأن يلقي سفيره في القاهرة مصير حليفه التركي إذا تجاوز الخطوط الحمراء. إنه ومهما تكن الملاحظات علي أداء الحكومة الحالية, فليس من الإنصاف وصفها بالمرتعشة, فلو صح هذا الوصف لما أقدمت علي فض اعتصامي رابعة والنهضة ولما حررت دلجا وكرداسة, أو طردت السفير التركي, أو فتحت صفحة جديدة للتعاون العسكري مع روسيا, فهذه قرارات جريئة لا تقوي عليها إلا حكومة وطنية بامتياز, تملك رؤية مستقبلية وتعرف ماذا تفعل. إن الأجواء التي تشهدها البلاد حاليا تشبه الفترة التي سبقت إجراء الانتخابات التشريعية الأخيرة إبان حكم المجلس العسكري وما شهدته من أحداث محمد محمود بغرض تعطيل إجراء الانتخابات عام2012, وطالما شكك الكثيرون في الوفاء بالاستحقاق الانتخابي لكن القوات المسلحة نجحت باقتدار في تأمين العملية الانتخابية, وهو الأمر الذي نثق في قدرة جيشنا الباسل في تكراره اليوم, سواء فيما يتعلق بالاستفتاء أو الانتخابات البرلمانية والتشريعية, لكن التحدي الذي يفوق التحدي الأمني وإرهاب الإخوان يكمن في إعداد دستور توافقي يحظي برضا الغالبية العظمي من فئات الشعب, فهذا يعني إسقاط الورقة الأخيرة من أيدي التنظيم المحظور الذي يراهن علي عدم الوصول إلي استحقاق الاستفتاء وإذا فشل يراهن علي عدم تمريره, والتشكيك في شرعيته في حال هزيمته أمام صناديق الاستفتاء. إن الأيام الحالية دقيقة وحاسمة في عمر ثورة يناير, ويتعين علي تحالف هذه الثورة العظيمة أن يعتصم بوحدته ويدع الصراع علي التورتة جانبا لأن الثورة تمر بعنق الزجاجة ويتربص بها المتربصون في الداخل والخارج, ولا يحتمل الشعب المصري فرصة إفشالها وعدم تحقيق أهدافها النبيلة التي اجتمعت عليها إرادة الشعب المصري. إن وضع دستور عصري وتمريره في استفتاء شفاف ونزيه يشكل مسمارا في نعش الإخوان الإرهابيين وفي ذلك فليتنافس المتنافسون. رابط دائم :