أحد أبرز تطورات الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط هي عودة روسيا للعب دور بارز في جميع أنحاء المنطقة بينما كان الهدف الرئيسي للإدارات الأمريكية المتعاقبة القضاء علي الاتحاد السوفيتي ثم روسيا لاحقا والذي تم ترجمته الي سلسلة من التحالفات السياسية والعسكرية, بما في ذلك حلف شمال الأطلنطي( ناتو) الذي شمل تركيا و حلف بغداد والذي ضم تركياوالعراق وإيران وباكستان. و في الآونة الأخيرة حاولت واشنطن توسيع حلف شمال الأطلنطي شرقا علي طول الجهة الجنوبية الغربيةلروسيا, بما في ذلك أوكرانيا وجورجيا,الي جانب غزو العراق وقصف ليبيا لحرمان روسيا من الشركاء المهمين بالمنطقة العربية في مجالات متنوعة وهامة مثل الطاقة و مبيعات الأسلحة. والان وبعد عواصف الربيع العربي التي غيرت بفشلها تارة وبنجاحها توازنات القوي والتحالفات في الشرق الاوسط حان وقت الطفو الروسي علي السطح من جديد رغم عواقب معارضة الصقور و المحافظين الجدد وانتقاداتهم لعدم قدرة الرئيس الامريكي باراك أوباما علي منع تجدد الشرق الأوسط لروسيا مرة أخري. الا ان التودد الروسي الاخير لدول المنطقة في أعقاب تضاؤل الشعبية الامريكية بها ورفض سياسات الاملاءات من جانب واشنطن سيؤدي حتما ورغما عن الولاياتالمتحدة إلي مزيد من التعاون بينها وبين روسيا خاصة في الصراعات التي تعج بها المنطقة مثل الحرب الأهلية في سوريا, و الملف الايراني, وأفغانستان, والحرب ضد تنظيم القاعدة ولعل تحول مصر الي روسيا والاعتماد عليها مرة أخري في مجال التسليح يعد منعطفا جديدا يذكر بالتحول الدراماتيكي من قبل الرئيس جمال عبد الناصر في منتصف الخمسينيات, والذي تحول إلي أوروبا الشرقية و الاتحاد السوفيتي لطلب السلاح عندما سعت لندنوواشنطن لعزله و الاطاحة بحكومته. وتعد المناورة الدبلوماسية التي قامت بها موسكو في شهر أغسطس الماضي, عندما حصلت علي التزام سوريا لتدمير مخزونها من الأسلحة الكيميائية و بعد ذلك دعوة الولاياتالمتحدة إلي المشاركة في تقديم الجهد, إحباطا لخطة أوباما لقصف سوريا, بل وبداية قوية للعودة الروسية الي المنطقة العربية كما انها كانت في صلب المحادثات التي أفضت الي اتفاق نووي مع ايران أخيرا. كما نشط الدور الروسي لبناء علاقات أوثق مع اسرائيل و بيع أسلحة إلي العراق ودول الخليج. ووقعت بغداد صفقات كبيرة لأنظمة الدفاع الجوي الروسية والمروحيات القتالية مما يعد ضربة للمنافسين الاوروبيين, كما انها تخطط لبيع أسلحة إلي المملكة العربية السعودية والتي لم يتم الاتفاق بشأنها بعد. وعلي مدي العقدين الماضيين كان هناك تدفق هائل من جانب الزائرين الروس للإمارات وتوطدت علاقة الاسرة الحاكمة بالرئيس فلاديمير بوتين. وقد أدي كل هذا إلي مخاوف وتساؤلات غربية حول اختطاف موسكو للدور الامريكي في الشرق الاوسط وعودة الدب الروسي بقوة الي المنطقة. وكل هذه الامور تعني أن أوباما يجب أن يضاعف جهوده للعمل مع روسيا حول المشاكل الإقليمية بالشرق الاوسط بعدما أصبحت موسكو طرفا أساسيا بها.