الحق في التظاهر, والتعبير عن الرأي, حق كفلته كل الدساتير والقوانين في العالم, وكفلته الشريعة الإسلامية, حيث يقول الحق سبحانه وتعالي( لايحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم) ماروي أيضا أن عمر بن الخطاب اعتلي منبر رسول الله صلي الله عليه وسلم وقال: أيها الناس ما إأكثاركم في صداق النساء, وقد كان رسول الله صلي الله عليه وسلم وأصحابه وإنا الصدقات فيما بينهم أربع مائة درهم فما دون ذلك, ولو كان الإكثار في ذلك تقوي عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها, فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء علي أربعمائة درهم؟قال: نعم فقالت: أما سمعت ما أنزل الله في القرآن؟ قال: وأي ذلك؟ فقالت: أما سمعت الله يقول( وآتيتم إحداهن قنطارا) الآية؟ قال: فقال: اللهم غفرا,كل الناس أفقه من عمر, ثم رجع فركب المنبر, فقال: أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن علي أربع مائة درهم, فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب قال أبو يعلي: وأظنه قال: فمن طابت نفسه فليفعل وهذه قصة معروفة ومشهورة في التاريخ الإسلامي,ويتناقلها العلماء والخطباء كدليل علي جواز الاعتراض علي الحكام. ولكن يجب أن يتم هذا التظاهر, أو التعبير عن الرأي في إطار السلمية, بحيث لا يخرج هؤلاء المتظاهرون, ومعهم أسلحة, أو أي أدوات, يمكن أن تحدث شغبا, أو تضر أحد المارة, وبما لايعطل حركة المرور في الشوارع, أوقطع الطرق, وبما لايؤدي إلي إتلاف في الأموال, العامة, أو الخاصة, أو التعدي علي المباني والمؤسسات الحكومية, وبما لايعوق المواطنين في ممارسة حياتهم بشكل معتاد, وبما لايعطل حركة الحياة في المجتمع, أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء مهامها. فإذا خرجت المظاهرات عن هذا الإطار, فإنها في هذه الحالة تعد عملا محرما شرعا وقانونا,فلا يوجد أي دستور أو قانون في العالم يبيح التظاهر غير السلمي, أو الحرق, أو الإتلاف, أو تعطيل حركة الحياة, ولايوجد دين سماوي يقر هذا كله. وما حدث من جامعة طلاب الازهر, خلال المظاهرات التي اندلعت مع بدء العام الدراسي, من إضرام للنيران داخل الحرم الجامعي,وإتلاف بعض الأرصفة, ورشق المباني, وبعض الأفراد بالحجارة, وكذا أعمال التخريب داخل الجامعة, وكذا الخروج إلي الشارع وقطع الطرق, ومحاولة تعطيل حركة السير, وإحداث حالة من الشلل التام للبلاد, وتعطيل الناس عن ممارسته حياتهم اليومية بشكل طبيعي, وكذا تعطيل حركة الدراسة داخل الجامعة, بل وخارجها في محيطها. كما أن المشهد جملة وتفصيلا لم يعبر عن طلاب الأزهر تعبيرا جيدا, بما انطوي عليه من ألفاظ غير لائقة, وشتائم, وهرج, وتطاول علي الأساتذة, وعلي فضيلة الإمام الأكبر,وكذا الأستاذ الدكتور رئيس الجامعة, طلاب الأزهر الذين يحفظون القرآن الكريم,ويدرسون علوم الشريعة, لم يعبروا عن أنفسهم ولا عن جامعتهم, خير تعبير, ولم يضربوا لغيرهم مثلا يحتذي في كيفية التظاهر السلمي. لذا: أقول إن ما تم خلال هذه المظاهرات يعد انحرافا في التعبير عن الإرادة وتجاوزا في السلوك, يدخل في دائرة التجريم شرعا وقانونا. ويمكن تأصيل ذلك وفقا لما يأتي: أولا هذه الممارسات تنطوي علي إيذاء وإضرار بمصالح المسلمين والأدلة حرمة ذلك ما يأتي: 1 قوله تعالي( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا 2 وقال تعالي: ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين 3 وقال عز وجل: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين 4 قول النبي صلي الله عليه وسلم:لاضرر ولا ضرار وفي رواية عن أبي صرمة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال من ضار ضار الله به ومن شاق شاق الله عليه ثانيا قطع الطرق أثناء المظاهرات فيه تعريض لنفوس المرضي للتلف والهلاك, لعدم قدرة المرضي علي الذهاب للمستشفيات تارة, ولعدم قدرة الأطباء علي الوصول لمعالجة مرضاهم تارة أخري والله عز وجل يقول: ولاتلقوا بأيديكم إلي التهلكة ويقول: ولاتقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ويقول أيضا: من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون ثالثا الأدلة الدالة علي وجوب كف الأذي عن الطريق ومنها: 1 ماروي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلي الله عليه وسلم قال إياكم والجلوس في الطرقات قالوا يا رسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها قال رسول الله صلي الله عليه وسلم فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه قالوا وماحقه قال غض البصر وكف الأذي ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأعتقد أن قطع الطريق من أكبر الأذي. 2 ماروي عن أبي ذر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال عرضت علي أمتي بأعمالها حسنة وسيئة فرأيت في محاسن أعمالها إماطة الأذي عن الطريق ورأيت في سييء أعمالها النخاعة في المسجد لاتدفن 3 ماروي عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: اتقوا اللاعنين قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: الذي يتخلي في طريق الناس أو ظلهم فإذا كان من يتخلي في طريق الناس يستحق اللعن فما بالنا بمن يقطعه عليهم, ويؤذيهم. 4 ماروي عن أنس بن مالك قال: كانت شجرة علي طريق الناس فكانت تؤذيهم فعزلها الرجل عن طريق الناس قال: قال النبي صلي الله عليه وسلم فلقد رأيته يتقلب في ظلها في الجنة 5 وعن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال: كان علي طريق غصن شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل فأدخل الجنة 6 عن أبي ذر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال عرضت علي أمتي بأعمالها حسنها وسيئها فرأيت في محاسن أعمالها الأذي ينحي عن الطريق, ورأيت في سييء أعمالها النخامة في المسجد لا تدفن. 7 من شأن قطع الطرق بشكل مستمر إحداث للفوضي العارمة في البلاد, والإضرار بمصالح البلاد العليا, والإضرار بالاقتصاد المصري الذي يتدهور يوما بعد يوم, وكل مايؤدي إلي المفسدة فهو ممنوع شرعا. 8 كما أن تعطيل الدراسة في الجامعة, وإعاقة الأساتذة, والطلاب, عن ممارسة العمل التعليمي داخل الجامعة, من أعظم الأضرار التي تجعل من هذه الممارسات عملا مجرما, لايليق من طلاب ينتسبون إلي الأزهر الشريف, وإلي جامعته العريفة. 9 نريد للمصريين بصفة عامة, وأبناء الأزهر بصفة خاصة, أن يثبتوا للعالم كله, أنهم جديرون بالممارسات الديمقراطية, نريد أن يري العالم أجمل مافينا, نريد للمعدن المصري الأصيل صاحب الحضارة الممتدة عبر التاريخ, ذات الجذور المتأصلة في عمقه وأغواره, أن يعبر عن أجمل مافيه, وأروع ما يمتلكه من مهارات وإبداعات ستفصح عنها الأيام المقبلة. رابط دائم :