أول ما بدأ به القرآن الكريم قوله تعالي: بسم الله الرحمن الرحيم, فالرحمن والرحيم صفتان مشتقتان من الرحمة في المبني والمعني, فالرحمة خلق سام يدل علي مروءة الرجل, وعلو روحه وصفاء معدنه, وإن وجدت في الإنسان لكانت أكبر دليل علي اكتمال فضائله, لا سيما لو علمت أن رسولنا صلي الله عليه وسلم قد اتصف بها, فكان هدية مع الخلق أنموذجا ساميا لعطف والتأدب بما أمر به رب الأرباب سبحانه, بل إن الله عز وجل قال عن نبيه: وما أرسلناك إلا رحمة لعالمين, وقال النبي صلي الله عليه وسلم :( إنما أنا مهداة). وهكذا فإن الإسلام أمر بالرحمة, وجعلها أحد دلائله التي يتوصل بها إلي اكتمال الإيمان, فالمسلم يلقي الناس قاطبة, وهو أرحم الناس بهم, بل قلبه أعطف الناس عليهم, وتجده أبر الناس بضعيفهم, فهو دائما في مشغله من أمرهم, لا تراه إلا رائحا أو غاديا لهم, يرفع عنهم قدر ما يستطيع حتي يحقق قول رسول الله صلي الله عليه وسلم فيه: لن تؤمنوا حتي تراحموا, قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم! قال: إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه, ولكنها رحمة عامة. وقد يسأل سائل: ما معني أن يشتد علي المرأ أحيانا فيكون هذا من قبيل الرحمة عليه؟ والذي عليه المسلم أن الإسلام يوصي بالتراحم العام, حتي لا يستثني منه أحدا أبدا: لا إنسانا, ولا دابة, ولا طيرا, بيد أن هناك بعض الناس وبعض الدواب من لو ترك لترتب علي بقائه ضرر وفزع, فيكون من رعاية المصلحة العامة للناس جميعا أن يحبس ضره, ويحاصر شرره, وقد تكون الشدة معه رحمة به حتي يبقي المجتمع آمنا مطمئنا. رابط دائم :