بعد أن مضت احتفالات عيد الاضحي المبارك ووقوف الحجاج علي جبل عرفات, ما بين فرحة الاطفال بالملابس الجديدة ومشاهدة ذبح الاضاحي وأداء صلاة العيد ودعاء الحجاج بدوام السعادة علي أسرهم , بالاضافة الي فرحة الامهات بقدوم العيد والاحتفال مع ابنائهم وقضاء العيد في جو أسري يسوده الود والسعادة وتخلط فيه ضحكات الكبار وصراخ الاطفال.. ووسط هذه الفرحة والاحتفالات هناك العديد من المسنين يبكون حالهم ويعانون من جحود الابناء ويشكون نكران الجميل, فضلا عن دور الايتام التي غابت عنها فرحة الاحتفال بالعيد واكتظت بالاطفال الذين تملؤهم البراءة ويعيشون علي أمل ان يحتويهم الجو الاسري في كنفه. عيد الكبار.. جحود بالدموع صمت رهيب تتخلله خطوات بطيئة ومرتعشة لمجموعة من المسنات لا تجمعهن سوي قسوة الحياة وجحود الابناء, والتي دفعت بهم الي ان يكونوا تحت رعاية الغريب من أجل البحث عما فقدنه من الرعاية والاهتمام عند ابنائهم, ولكن علي الرغم مما تعانيه هؤلاء السيدات إلا ان الابتسامة لم تفارق وجوههن مع وجود ترحيب مستمر لمن يطل عليهن من الزائرين, فمحاولة استعادة ما مضي من ذكرياتهن يقودهن الي حالة من الحزن الشديد تغلب عليها الدموع, خاصة ان لكل منهمن قصة تخص ابناء ناكرون للجميل, الاهرام المسائي يحاول الدخول الي سراديب قلوب هؤلاء المسنات بعد مرور ايام قليلة علي عيد الاضحي المبارك. بابتسامة لم تفارق وجهها المجعد, ونظرة ساخرة من كل ما ألم بها من أحداث, تقص الحاجة نجوي عوض مشوار حياتها الذي انتهي بها إلي دار رعاية المسنين لتجد فيه صحبة تنقذها من مرارة الوحدة التي عانت منها علي مدار سنوات عمرها, ستون عاما من التفاصيل والمعاناه رسخت في ذاكرتها منذ ان انجبت ابنائها الذين طالما ما حلمت بهم وتمنت ان تصل بهم الي أعلي المراكز, الي ان تزوج كل منهم وأصبح لديه أسرة مكونة زوجة وأطفال. وتشير الي ان المشكلات بينها وبين زوجات ابنائها حالت دون استمرار المعيشة معهم, وينتهي بها المطاف الي طردها خارج المنزل علي مرأي ومسمع من أبنائها, حتي تبدأ معاناتها في التنقل من مكان لآخر حتي ارشدها أهل الخير الي دار المسنين حتي تجد فيها ما لم تجده بقلوب ابنائها, وانهت حديثها بجملة: ياريتني مت قبل ما اشوف ولادي بيعملوا فيا كده, بس كنت اتمني افرح معاهم بالعيد. انا عشت يتيمة وواضح اني هموت وحيدة كانت هذه عبارة البداية والنهاية في آن واحد والتي اختصرت الكثير من تفاصيل حياة سامية حسين البالغة من العمر80 عاما, حيث انها ولدت يتيمة لم تجد لها ملجأ سوي دار الايتام ولا أسرة وأهل سوي رفيقاتها في الدار, افتقدت كثيرا من حنان الام ورعاية الاسرة. وتشير الي ان القدر شاء ان يعوضها عن حنان ورعاية الاب بزوج كان لها بمثابة المنقذ من حياة الشقاء, ورزقت منه بطفلين, وعلي الرغم من وفاة زوجها إلا انها تكفلت برعاية ابنائها وتربيتهما حتي تقلدا أعلي المناصب إلا انهم أبوا ان يتحملوا ضعفها وكبر سنها وكانت نهايتها امراءة عجوز حبيسة دار للمسنين بناءا علي رغبة فلذات كبدها. وتضيف بنبرة يغلب عليها الحزن: كان نفسي ولادي يسألوا عليا في العيد أو حتي يزوروني, ومقدرش اقول غير ربنا يسامحهم. وتبدأ الحاجة سيدة متولي البالغة من العمر73 عاما في سرد قصتها, وقد انسابت دمعتان علي خديها المزدحمين بتجاعيد الزمن, في ان لديها ابنه واحدة عانت وتحملت الكثير من أجل تربيتها وتعليمها حتي مرحلة التعليم العالي, وعلي الرغم من ضعف امكانيتها المادية إلا انها تنقلت بين الوظائف المختلفة في المستشفيات والمصالح الحكومية. وبعد صمت دام لدقائق استكملت: جاء وقت زواج ابنتي ولم املك ما ادخره طوال هذه السنوات من أجل هذا اليوم الذي كثيرا ما انتظرته, ومن اجل ان لا تطفئ فرحة ابنتها الوحيدة اضطرت الي الاستدانة لتستأنف تجهيزات الزواج, وما ان تزوجت ابنتها تناست تماما ما تكبدته هذه الام من معاناه من اجلها وما لبثت إلا ان اخبرتها بأنها مضطرة الي السفر خارج البلاد مع زوجها. قابلت الام هذا الخبر الصادم بدموع تترجي بها ابنتها وتستعطف ما تبقي بها من رحمة حتي ترحم ضعفها وكبر سنها وتبقي ونيستها الوحيدة في آخر ايامها إلآ ان كل ذلك باء بالفشل, وبالفعل انتقلت الابنه للعيش مع زوجها في الخارج وتركتها غارقة في الديون التي لم تستطع سدادها وأودت بها الي السجن, ولكن قلوب اهل الخير رحمت عجزها ودفعت عنها ديونها, ولكنها بمجرد ان تنفست الصعداء عقب خروجها من السجن لم أمامها ملجأ سوي دار المسنين. وقبل ان تنطلق إلي غرفتها لتطوي أحزانها و تحلم بالأمل من جديد أضافت قائلة: لم اتأثر بأن ابنتي لم تطمئن علي في العيد لأنها لا تعلم عني شيئ منذ ان غادر البلاد. بينما قصة عزة منصور تختلف كل الاختلاف عما سبق, هي سيدة تبلغ من العمر69 عاما, إلا انها أصيبت بجلطة أدت بدورها الي شلل نصفي في أطرافها يعوق حركتها, وهي حاليا لم يتبقي لها أحد لخدمتها والسؤال عنها بعد وفاة زوجها سوي أسرة صغيرة تجاورها في السكن مكونة من زوج وزوجة, حيث انها لم ترزق بأبناء. وتضيف ان هذه الاسرة طوال ثلاثة اعوام كانت هي المسئولة عن خدمتها ورعاياتها في شتي المجالات, حيث انها وجدت فيهم الابناء التي لم تنجهم, ولكن الحياة أبت ان تكمل فرحتها خاصة ان ظروف الحياة اجبرت هذه الاسرة الرحيمة بهذه السيدة للسفر من اجل كسب الرزق, ولكنهم لم ينسوا دورهم في رعاية هذه السيدة المسنة وبالتالي اقترحوا عليها فكرة النزول لدي دار للمسنات حتي يتوافر لها من يعمل علي خدمتها. واعربت عن امتنانها وفرحتها بعد سؤال هذه الاسرة عليها بشكل مستمر علي مدار العام للاطمئنان علي صحتها, وتلقيها التهنئة منهم بعيد الاضحي المبارك قائلة: مكالمة التهنئة بالعيد كانت بمثابة الاعتراف بأنها مازالت علي قيد الحياة ولديها من يهتم لأمرها ويطمئن عليها, كما انها انهت قصتها بدعوة لهذه الاسرة بصلاح الحال والذرية الصالحة. من ناحيتها توضح سحر أحمد, أحد المشرفات بدار المسنات, بأن حالة النزلاء بالدار مختلفة بعض الشيء حيث ان بعضهم يملك أسرة وابناء والبعض الاخر ليس لديه من يعوله, مشيرة الي ان دور المشرفين يتلخص في التركيز علي العامل النفسي من خلال محاكاتهم لدور الابناء لتعويض هؤلاء السيدات ما فقدنه من رعاية واهتمام. وتضيف ان هناك العديد من الرحلات المصيفية التي يتم تنظيمها الي عدة مناطق مختلفة مثل فايد والاسماعيلية, بالاضافة الي بعض الزيارات والرحلات الترفيهيه الي الحدائق كحديقتي الازهر والجزيرة, موضحة ان هذه الرحلات لا يشترط تنظيمها في الاعياد مع حيث ازدحام وتكدس هذه المناطق. وتشير الي ان الدار قابلت بعض المشكلات خلال عيد الاضحي من حيث قلة اعداد المتطوعين والذين يقتصر دورهم علي توفير الان والامان لهؤلاء النزلاء اثناء تواجدهم خارج الدار, مؤكدة علي ان تقلص عدد المتطوعين في العيد يرجع الي خوفهم من التعامل مع المسنات نظرا لكبر أعمارهم. حلم الأسرة يراود اليتامي نور الأمل هي واحدة من دور الايتام المتعددة المتواجدة بالعاصمة, والتي بمجرد ان تطأ قدماك أرضها تداهمك ضحكات وصرخات الاطفال المتواجدين بها, حتي تفاجأ بأنك محاط بمجموعة من الملائكة الصغار كل منهم يحلم بمجرد الشعور بدفء الاسرة من حنان الام ورعاية الاب, لتجد كل منهم يتهافت للوصول إليك اولا, ودون ان تشعر ستجد نفسك تبادر كل منهم نفس اللهفة في الحديث معهم والاستماع الي رواياتهم الطفولية التي يشوبها الحزن الممزوج بفرحة الزيارة, وبمجرد ان تتجاذب معهم أطراف الحديث ستشعر براحة نفسية تعيدك الي مرحلة الطفولة. كان نفسي اخرج والعب زي باقي الاطفال واروح القناطر مع صحابي في العيد بهذه العبارة التي تملؤها براءة الاطفال بدأ الطفل كامل حديثه ل الاهرام المسائي معربا عن حاجته في الحصول علي ابسط حقوقه أسوة بمن في عمره, مشيرا الي حلمه في ان يصبح طبيب حتي يتمكن من مساعدة جميع الفقراء دون اي مقابل مادي. وبادر الطفل عصام الذي لم يتعد الاربع سنوات بالتعبير عن امنياته التي تمناها في عيد الاضحي ولكن لم يتمكن من تحقيقها كذبح اضحية العيد بنفسه عقب ادائه لصلاة العيد مع اصدقائه في المسجد, ثم التنزه مع رفقائه في الدار داخل احدي الحدائق للاستمتاع بمظاهر الاحتفال بالعيد وشراء الملابس الجديدة والحلويات, واستكمل حديثه عن امنياته في العيد بنبرة طفولية يغلفها بعض الحزن قائلا: انا نفسي بابا وماما يزوروني, في ناس كتير زارتني في العيد بس هما لا, معلنا عن طموحاته في ان يصبح ظابط جيش بالمستقبل القريب. وسرد الطفل غالب ذو الاربع سنوات مراسم احتفاله السنوية بعيد الاضحي بأنه ذهب لأداء صلاة العيد مع رفقائه في الدار, ولكنه تمني هذا العيد ان تتبناه اسرة جديدة من اجل ان يتمكن من مشاهدة ذبح الاضاحي, واضاف قائلا: الخروف في الكمبيوتر بياكل الناس بس انا مش هخاف منه وهو بيتدبح عشان ربنا أمرنا بكده. وتعالت صرخات ايمن مطالبا ببعض الهدايا والالعاب الحديثة والتي لم تسنح له الفرصة في الحصول عليها بعيد الاضحي المبارك, قائلا: عايز مسدس بينور وسبونج بوب عشان العب بيه مع صحابي في الحديقة, كما زاد إلحاحه علي والدته البديلة في ان تسمح له بالذهاب الي المسرح لمشاهدة عروض العرائس والتي لم يتمكن من مشاهدتها في العيد بسبب الزحام. بينما اختلفت تماما امنيه الطفل ابراهيم عن بقية زملائه في الدار حيث ان امنيته الاولي كانت الرقص, انا نفسي ارقص وافرح اوي زي باقي الاطفال بالعيد, جملة قالها بعفوية وبراءة تخطف الاذهان ولكنها تحمل في طياتها حزن دفين يتغلغل في اعماق هذا الطفل ذو الخمس سنوات, كما اتفق مع بقية زملائه في رغبتهم في الخروج الي المتنزهات ومشاهدة الحيوانات والاشجار عقب انتهاء ازدحام العيد. ماما بتيجي تزورني كل يوم بس بتروح الشارع تاني ومش بتاخدني معاها هذه العبارة قد تنزع قلوب العديد, خاصة ان الطفل غريب قالها والدموع تترقرق في عينيه كأنه يترجي من حوله ان يسرعوا في إحضار والدته اليه حتي يستطيع ان يستمتع بما تبقي من أيام في العيد, وعند سؤاله عن بقيه امنياته في عيد الاضحي والتي لم تتحقق اوضح انه كان يود الذهاب الي حديقتي السادس من اكتوبر والازهر حيث يري انهما من افضل الاماكن للتنزه مع اصدقائه. ويري الطفل حمدي في والدته البديلة أما مثالية حيث انها تعد له الحلوي, وكثيرا ما تتنزه معه في المطاعم المختلفة, كما انها تحضر له الفاكهه والالعاب التي يرغبها, معربا عن رغبته في ان يصبح ضابط شرطة من اجل المساعدة في ضبط مثيري الشغب. بينما لم يكف الطفل مجدي ذو الاربع سنوات عن البكاء خاصة ان أسرته لم تشاركه فرحة العيد أسوة ببقية الاطفال وإحضار الملابس الجديدة والالعاب, حيث انه اضطر الي اداء صلاة العيد بمشاركة زملائه وسط غياب أسرته, حيث يري ان العيد غابت فرحته بغيات أسرة تبادله الحب وتمنحه الحنان. من جانبها تشير إيمان حلمي, مديرة دار نور الامل, الي عدم وجود اي استعدادات بخصوص استقبال عيد الاضحي المبارك, حيث ان مساعدات اهل الخير تأتي اليهم بشكل مستمر علي مدار العام, موضحة ان النظام المتبع في الدار تضمن رحلة الي احد المتنزهات في ثالث أيام العيد, خاصة ان اول وثاني أيام العيد تخصص لاستقبال الزوار الراغبين في الاحتفال مع الاطفال. وتقول سلوي راضي, أم بديلة لأربعة أطفال من القائمين بالدار, ان الدار يقوم يتنظيم رحلة أسبوعية للاطفال الي بعض الاماكن الترفيهيه, فضلا عن مشاركة بعض أهل الخير من الاثرياء من خلال استضافة الاطفال بمنازلهم والمساهمة في رسم البسمة علي وجوههم عن طريق إقامة الحفلات والفقرات المسلية. وتشير الي ان لحوم الاضاحي التي أتت الي الدار كانت مساهمة من الزوار الوافدين الي الدار خلال عيد الاضحي المبارك, مؤكدة علي ان نسبة الزيارات الواردة الي الدار في عيد الاضحي انخفضت كثيرا مقارنة بزيارات عيد الفطر السابق. وتضيف ياسمين محمد, أم بديلة لطفلين, ان الدار احتفلت بقدوم العيد من خلال الاستماع الي الاغاني ومشاهدة الافلام الكارتونية عقب صلاة العيد وذبح الاضاحي, ثم جائت بعد ذلك الرحلات الترفيهيه وشراء الالعاب حتي نهاية اليوم. وتوضح آمنه السيد, أم بديلة لطفلين, ان دار نور الامل تحتضن ما يقرب من11 طفلا, بينما عدد الامهات البديلة يصل الي5 أمهات, علي ان تتولي المشرفات بالدار بالتاكيد علي تطبيق السياسات المتبعة في الدار من حيث ان فترة الزيارات والتي تمتد من فترة الظهيرة وحتي الساعة السادسة مساء. وتشير هبه أحمد, أحد المشرفات بالدار, الي ان السياسة المتبعة بالدار لم تسمح بخروج الاطفال مع الزائرين في عيد الاضحي وإنما سمحت بزيارتهم فقط, مع مراعاة ان تتولي الام البديلة مسئولية الاطفال اثناء الرحلات. رابط دائم :