أصبح تصاعد حدة الاضطرابات الدامية في السودان أكبر التحديات التي تواجه حكومة البشير منذ استيلائه علي السلطة في عام1989 وتعد في الوقت نفسه انتفاضة صريحة ضد حكم الاسلاميين الذي استمر24 عاما حيث عاني الشعب السوداني خلالها من أوضاع اقتصادية متدنية بالإضافة إلي انعدام حرية التعبير وقيام السلطات السودانية بسياسة تكميم الأفواه واعتقال المعارضين والناشطين السياسيين وتعذيبهم حيث يغرق غرب البلاد في مستنقع الحرب الأهلية إضافة إلي استمرار التوترات مع جنوب السودان وقد أوضحت صحيفة هافنجتون بوست الأمريكية أن احتجاجات السودان أعادت للأذهان شعارات ثورات الربيع العربي والتي اندلعت في تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن والتي كانت تنادي بتغيير الأنظمة وأشارت الصحيفة إلي عودة هتافات الشعب يريد إسقاط النظام ورأي فيصل صالح المحلل السياسي في صحيفة الخرطوم اليومية أن الساعات القادمة ستكون حاسمة للغاية في مستقبل السودان لأنها إما ستكون النواة الحقيقية لثورة شعبية تطيح بنظام البشير إلي غير رجعة وإما ستتلاشي وستكون بلا جدوي حيث فشلت محاولات سابقة من قبل المعارضة السودانية خلال العامين الماضيين. فيما رأت الصحيفة أن هذه المرة لم تنظم المظاهرات من قبل الناشطين في الفيسبوك وتويتر التي دعت السودانيين من قبل للنزول الي الشوارع ولكن كان الغضب الشعبي وصل إلي درجة قصوي وعلي نطاق واسع لكي يكون التحرك سريعا ضد النظام حيث رأت عبلة المهدي الخبيرة الاقتصادية أن الحكومة فشلت في تحسين الوضع الاجتماعي للفقراء مؤكدة أن الموجة الحالية من الاحتجاجات تشكل ثورة الجياع وهذه هي القشة التي قصمت ظهر البعير ووفقا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية فإن هناك صراعا داخليا في دوائر حزب المؤتمر الحاكم منذ إعلان عمر البشير الرئيس السوداني إلغاء الدعم علي الوقود حيث بدأت موجة الاحتجاجات الأخيرة في السودان بمدينة ود مدني في23 سبتمبر الماضي بعد يوم من هذا الإعلان وامتدت الاحتجاجات إلي الخرطوم وأم درمان وبورتسودان والأبيض ومدن أخري وتعتبر الزيادات الأخيرة في الأسعار ضمن سلسلة من الإجراءات التي أثرت سلبا علي الأوضاع المعيشية في جميع أنحاء السودان. وأكد تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية أن الاحتجاجات اتخذت طابعا عنيفا حيث أطلقت قوات الشرطة وقوات الأمن الغاز المسيل للدموع والرصاص علي المحتجين بالإضافة إلي نشر السلطات قوات عسكرية لاحتواء الاحتجاجات في بعض المدن وقال دانيال بيكيل مدير قسم أفريقيا بالمنظمة الحقوقية أن الحكومة قد حاولت التعتيم علي المعلومات المتعلقة بالأحداث ففي19 سبتمبرالماضي صادر مسئولون في جهاز الأمن والمخابرات الوطني أعداد ثلاث صحف قومية في الخرطوم كما أن السلطات اعتقلت صحفيين في مدينة ود مدني حيث كانوا يغطون الأحداث وفي25 سبتمبر الماضي توقفت خدمة الإنترنت علي مدي عدة ساعات حيث يعتقد ناشطون أن السلطات هي التي قامت بوقف خدمة الإنترنت, ومن جانبها قالت لوسي فريمان نائبة مدير قسم أفريقيا في منظمة العفو الدولية أن قوات الأمن قامت بإطلاق النار علي المحتجين بقصد القتل واستهدفت منطقة الرأس أو الصدر وفقا لشهود عيان وتقارير طبية مما يعد انتهاكا صارخا للقانون الدولي وحقوق الإنسان. وقالت شبكة ايه بي سي نيوز الأمريكية أن الاحتجاجات الأخيرة في السودان تأتي في أعقاب قمع احتجاجات في مدينة نيالا جنوبي دارفور في19 سبتمبر الماضي إذ أدي تزايد انعدام الأمن والوجود المكثف للميليشيات الموالية للحكومة في نيالا إلي انفجار الاحتجاجات ضد الحكومة المركزية وقد اعتقل جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني عددا كبيرا من أعضاء الأحزاب السياسية والناشطين في مختلف أنحاء البلاد قبل الاحتجاجات الأخيرة وبعد اندلاعها, واعتقلت قوات الأمن أيضا أعدادا كبيرة من المحتجين, وتؤكد تقارير أن حوالي100 سوداني علي الأقل لقوا مصرعهم بالإضافة إلي أن السلطات قامت بغمر المستشفيات بالمياه حتي لا يتمكن الأطباء من إسعاف المصابين من المحتجين. ومن جانبها رأت اذاعة فويس أوف أمريكا أن الاحتجاجات قد تزايدت منذ الأربعاء الماضي حيث انتقلت من الخرطوم إلي بورسودان100 كم شمال شرق الخرطوم وإلي عطبرة التي تبعد400 كم شمال الخرطوم كما وصلت موجة الغضب التي تعتبر هي الأكبر ضد الحكومة منذ أكثر من عام إلي مدن واد مدني والمناقل بولاية الجزيرة وكسلا بشرق السودان والأبيض في كردفان ونيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور حيث اندلعت الاحتجاجات في بادئ الأمر في مدينة ود مدني جنوبيالخرطوم ثم امتدت الي سبع مدن أخري فيما كان الطلاب هم من بدأوا تلك الاحتجاجات التي انضم إليها شرائح أخري من المجتمع السوداني ووفقا للتقرير فإن العديد من المراقبين يرون أن تعامل السلطات السودانية العنيف واستخدام القوة المفرطة والقبضة من حديد واستخدام الذخيرة الحية فضلا عن الغاز المسيل للدموع و الهراوات لتفريق الاحتجاجات سوف يؤدي إلي مزيد من الغضب الشعبي خلال الأيام المقبلة وقد شهد عام2012 أيضا احتجاجات عنيفة ضد نظام البشير بسبب تدابير التقشف وزيادة الأسعار ورفع الدعم حيث يعاني السودان من ارتفاع معدلات التضخم وتدني المعيشة وتدهور قيمة العملة نتيجة لفقدان عائدات البترول بعد انفصال جنوب السودان التي استحوذت علي75% من إنتاج البترول الذي يبلغ470 ألف برميل في اليوم الواحد.