بعد النكسة عام1967 عاش قطاع من الفنانين مرحلة اتسمت بالتوجس والخوف, بيد أن عددا كبيرا منهم تعثرت أعمالهم وضاقت بهم السبل, ويقال أنهم تعرضوا لمحاولات ضغط من أجهزة صلاح نصر مدير جهاز المخابرات في مصر الناصرية كانت تهدف إلي تجنيدهم وجلب معلومات ولا بأس من أغواء اشخاص داخل المحروسة اوخارجها وعلي هذا المنوال نسجت قصص وحكايات ووضعت نصوص ضمتها دفات كتب نشرت علي استحياء في عواصم غير مصرية بطبيعة الحال فالاخيرة ما كانت لتسمح في ذلك الزمان بتلك النميمة فقط ببرامج تليفزيوينة تحكي عن حتمية الفستان الاشتراكي علي حد وصف فتحي غانم في روايته' تلك الايام' وعندما سنحت الظروف في سبعينيات القرن المنصرم اعيد طبعها في القاهرة بعد أن أضيفت عليها المزيد من الاسرار, ايا كان الأمر, وهل هو حقيقة أم ضرب من الخيال ؟ المهم أن البلاد والتي كانت تخوض حرب استنزاف شرسة علي الجبهة بدت أشبه بثكنة يغلفها الرعب فيها يتلصص البصاصون التواقون إلي أي هفوة تصدر هنا أو هناك, في هذا المناخ الاستئنائي هاجر فنانون كبار وصغار علي السواء, وذهب آخرون لقضاء اجازات للترويح عن النفس, إلا ان الحال طاب لبعضهم فمضوا يعملون حيث يقيمون, وكانت بيروت الملاذ الرئيسي لعشرات من النجوم. ولأن الحياة اللبنانية جد مختلفة ولياليها في حاجة إلي' المصاري', من هنا شارك عدد من المشاهير في التمثيل والاخراج ولكن للأسف جاءت أعمالهم التي تم تمويلها باموال مهاجرة وشركات من بلد الجبل والصنوبر خالية من قيم حقيقية بل أن بعضها كان مجرد صور ملونة خالية من أي معني ولعلي استطيع أن اتذكر ذلك الشريط المعنون باسم عصابة النساء إخراج فاروق عجرمة وبطولة صباح وطروب والممثل التركي فتي الشاشة في الاناضول جونيت أركان وبالاشتراك مع الراحل إسماعيل ياسين وكان هذا آخر عمل سينمائي يشارك فيه تحت ضغط الحاجة, وفيه وجدنا مسخا ضحلا وتقليدا فجا لأفلام الاثارة والعميل رقم7 ومع غياب عبد الناصر ومجيء السادات وقيام حرب اكتوبر بقت لبنان مقصدا للسينمائيين المصريين من أجل المناظر لا من أجل شيء آخر إلي أن اندلعت الحرب الاهلية نهاية1976. حتي النزع الأخير كنت واحدا وما زلت من أشد المتيمين بالراحل فريد الاطرش وأغانيه الساحرة التي لن يجود الزمان بمثلها ولأن السينما كانت مساحة واسعة لهذا الفنان كي يحشر في الفيلم الواحد خمس أوست اغان, ولهذا قدم فريد الاطرش العديد من الافلام الغنائية والاستعراضية والحق اتسمت بالخفة والظرف والكوميديا الراقية رغم كثرة الاغاني ويرجع ذلك إلي مجموعة العمالقة الذين كانوا يشاركونه في تلك الافلام مثل سامية جمال واسماعيل ياسين وعبد السلام النابلسي وزينات صدقي وغيرهم حتي تلك الاعمال الدرامية التراجيدية بدت مقبولة إلي حد ما, لكن ومع حقبة الستينيات كان واضحا أن الاطرش لم يعد هناك ما يقدمه علي الشاشة الفضية فالذين شاركوه الخمسينيات منهم من غاب عن الحياة وما بقي فقد أنهك بفعل الحياة المتسارعة غير أن فناننا ظل مصرا علي الوجود حتي النفس الاخير فجاء حكاية العمر كله بداية تعكس الافلاس وتظهره بأنه مطرب أكثر من سينمائي يجيد فن التمثيل إلا أن وجود احمد رمزي وفاتن حمامة وعبد المنعم إبراهيم خفف كثيرا من نمطية أداء الاطرش. الغريب أن الاخير لم ير ذلك البتة بيد أن شغفه بالوقوف أمام الكاميرا لم يعتره أي تغيير لدرجة أنه لم يولي أهمية تذكر للموضوعات التي يقدمها المهم الوجود فقط وفي عام1967 شاهد الجمهور الحب الكبير ويمكننا ببساطة أن نتخيل ماذا يعني ذلك الحب فهو رجل مشهور يشار له بالبنان والنساء بوجه خاص سواء كن متزوجات ام آنسات فجميعهن تمنين نظرة واحدة منه, ولأنه فنان كبير فقد أخذه فنه وبات قلبه موصدا علي الحب الحقيقي إلي أن جاء مع تلك الشابة الصغيرة فاتن حمامة التي تعمل في محل ملابس وبسذاجة الفتيات توهمه أنه فقط رقم في قائمة لا تنتهي من المعجبين بها وبتنويعة مغايرة لغادة الكاميليا يتدخل الاب العجوز' يوسف وهبي' مصور الحفلات والافراح لينبه الفنان الكبير بالفارق الشاسع في السن أذن سيدوس علي قلبه مقررا الاختفاء والعودة إلي مصر متفرغا لفنه وحياته اللاهثة وها هو يصعد إلي الطائرة محاولا إسدال الستار علي قصة حبه ومحبوبته تبكي لكن أباها المتألم لحالها يلفت نظرها إلي هذا المشهد فالحبيب لم يسافر, فالطائرة تحركت اما هو فكان بالمهبط وكأنه كان في سيارة ميكروباس بالنفر المهم تجري الحبيبة نحوه ليحضنها وليبدأ الحب الكبير ومرت سنوات اختفي فيها الاطرش رحمة الله من الشاشة لا لسبب سوي الأحوال المحيطة بمصر والبلدان العربية لكن ما ان تسنح الفرصة يعود فريد الاطرش إلي الشاشة من خلال زمان ياحب والذي صور في لبنان عام1973 والحق لم يكن هناك جديد حتي المناظر الخلابة فقد استهلكت هي الاخري سواء في أفلام الاطرش أو غيرها أما الموضوع فممل فالفتاة عبير' زبيدة ثروت تسافر' مع الفرقة الاستعراضية التي تعمل بها إلي بيروت لتقديم عروضها الفنية, وهنا يقع خالها خليل' يوسف وهبي' في ورطة فقد سبق وأفهمها أنه مليونير يعيش في بحبوحة بلبنان ولكنه في الحقيقة يعمل رئيسا للخدم في قصر المطرب المشهور' مدحت' فريد الاطرش, لكن الأخير تصادف عدم وجوده وانه سيغيب شهورا وهكذا يستغل خليل الفرصة ويدعي لها بأنه صاحب القصر, عندما يعود مدحت يتفهم الموقف, إلا أنه يشعر بالحب نحو عبير التي تبادله مشاعره مما يثير غضب صديقته ليلي فتعترف لها بحقيقة خالها, يقرر مدحت الزواج من عبير إلا أن خليل يذكره بفارق السن بينهما فيعدل عن قراره وهذا فقط هو الجديد مع ملاحظة أن نهاية الفيلم ستترك الباب مواربا فربما تحدث مفاجأة ويتزوجها! سياحة وأغاني ورقص كان محرم فؤاد يحدوه أمل في أن يبقي فيلمه عشاق الحياة في دور العرض مثل ابي فوق الشجرة لكن هيهات فبالكاد استمر سبعة أسابيع بسينما ديانا رغم إغراء نهدي حبيبة وقبلاتها التي بدت كالمطر, وبعد سنة واحدة وربما أكثر قليلا يعاود محرم الكرة مقدما شريطا من إنتاجه ضم كل شيء إلا أن تكون هناك موضوع, فالفيلم لم يكن أكثر من سياحة وأغان ورقص وللأمانة لم يتمكن محرم فؤاد من ان يجد لنفسه مساحة في عالم السينما المصرية مقارنة بعبد الحليم حافظ أو فريد الاطرش والأخير كان أفضلهما نسبيا. الطريف أن فؤاد الذي ذاع صيته عقب تمثيله حسن ونعيمة القصة الشعبية الشهيرة لم يفلح في تكرار نفس الصيت في حين انطلقت من الفيلم نفسه الراحلة سعاد حسني بسرعة الصاروخ, والملكة وانا والذي عرض عام1975 وأخرجه عاطف سالم كان محاولة لاستغلال فوز جورجينا رزق بلقب ملكة جمال العالم في سابقة كانت الاولي عربيا حتي هذا لم يشفع له فجاء وذهب دون أثر فالقصة عن عادل شاب من أبناء منطقة الأهرامات, يعمل مرشدا سياحيا,وفي احدي جولاته يلتقي بفتاة لبنانية جميلة ضمن أحد الأفواج السياحية. فأحبها وأهداها قبل أن تسافر جعرانا فرعونيا ليكون تعويذة تجلب الحظ, حقق الأثر الفرعوني فعله فقد اختيرت' ثريا' وهي هنا جورجينا ملكة لجمال الكون, وتمت خطبتها إلي مليونير لبناني دائما مشغول بأعماله التي لا تنتهي, فما أن يأتي من سفر نجده يعود للمطار مستقلا طائرته الخاصة كي يوقع علي صفقة لا يستطيع وكيل أعماله أن ينوب عنه, في المقابل, لا تنس' ثريا' ذكرياتها مع عادل وفي رحلة لها للقاهرة تتأكد أنه حبيبها وفتي أحلامها وتنفصل عن خطيبها وتترك ملايينه وتعود للمرشد السياحي الذي غني لها: داري جمالك العيون بصاصة!