لم يكن اغتيال الدكتور داريوش رضائي، أستاذ الفيزياء النووية بجامعة المحقق الأردبيلي، الأول، وربما لن يكون الأخير في سلسلة اغتيالات وتصفية الجسد البشرى لبرنامج إيران النووى، كما أنها لن تكون المرة الأخيرة التى تشير فيها أصابع الاتهام إلى تلوث يد الموساد الإسرائيل فى هذه الاغتيالات، ومن خلفه أمريكا، ودول غربية أخرى تسعى لوضع حد للملف النووي الإيراني. إذا كانت أمريكا والمجتمع الدولي قد كفا فى الفترة الأخيرة الحديث عن ملف يران النووى، إلا انه يمكننا القول إن اغتيال رضائي، أحد البدائل الطبيعية لتوقف الحديث عنه، حيث الصمت الذى يسبق العاصفة، وليأت اغتيال رضائى ضمن "لعبة غير عادلة"، تستهدف العلماء العاملين فى برنامج طهران النووى، من منطلق أنهم يشكلون الجهاز العصبي والنواة الرئيسية للأنشطة النووية، وكبديل أفضل وأرخص من شن هجمات عسكرية على إيران. سلسة التصفية الجسدية لبرنامج طهران النووى، لا تقتصر فقط على العلماء الإيرانيين، بل تطال أى جنسية تعمل فيه، وأكبر دليل على ذلك، اغتيال خمسة من علماء الذرة الروس الذين كانوا من مخططي ومشكلي وبناة ومشغلي المفاعل النووي الإيراني في بوشهر، فى حادث غامص لتحطم طائرة روسية أواخر يونيه الماضى، حيث كان على متنها 5 خبراء روس ممن شاركوا فى تصميم محطة بوشهر النووية الإيرانية. ويأتى اغيتال رضائى، ضمن سلسلة اغتيالات لعدد من علماء إيران النوويين، حيث تم اغتياله، السبت 22 يوليو الحالي، أمام منزله شرق طهران بشارع بني هاشم، برصاص مسلحين مجهولين، كما أصيب زوجته أيضا في الحادث، وتم نقلهما إلى المستشفى، وكالعادة وكما حدث مع الاغتيالات السابقة، كان رد فعل الحكومة الإيرانية، أن اتهمت كلا من إسرائيل والولايات المتحدة بالوقوف وراء اغتيال "رضائي". يذكر أن رضائى ولد عام 1965 في قرية أوجبلاج بمجني أردبيل شمال غرب طهران، أكمل دراسته الابتدائية والثانوية بطهران، وفي عام 1988 تم قبوله بجامعة تبريز فرع الفيزياء التطبيقية، وفي عام 1993 أكمل دراسته بجامعة أمير كبير (بلي تكنيك) فرع الهندسة النووية قسم هندسة المفاعل، وحصل على شهادة الماجستير في مجال فيزياء النيوترون في منظمة الطاقة الذرية الإيرانية في قسم المفاعل، وأصبح في عام 1996 عضوًا في الهيئة العلمية بجامعة المحقق الأردبيلي. وقبل اغتيال رضائى، وقع في يناير 2010 حادث مماثل، حيث اغتيال عالم الفيزياء مسعود على محمدي، أحد أهم الخبراء النوويين فى البرنامج الإيرانى، وشكل اغتياله وقتها واحدًا من أشد الألغاز المحيرة فى تاريخ إيران، حيث وقع الاغتيال أثناء خروجه من منزله في حي قيطرية شمال طهران. كان محمدى يعمل أستاذ للفيزياء النووية للنيوترونات في جامعة طهران، وكان يتولى مهامًا سياسية لم توضح طبيعتها، ولذا ألقى اغتياله بظلاله على ما يجري داخل إيران من تفاعلات سياسية، ليؤكد أن هناك شيئاً ما يجري داخل إيران بفعل الامتدادات الخارجية التي يريد أصحابها إضعاف النظام الذي يقوده أحمدي نجاد بمرجعية المرشد العام علي خامنئي، واستهداف دور إيران الاقليمي الكبير والمؤثر في المنطقة، وبالتحديد دورها الداعم لحزب الله ولقوى المقاومة الفلسطينية. وبشكل عام جاء اغتيال العالم النووي مسعود محمدي، ومن بعده ذلك اغتيال مجيد شرياري، ومحاولة قتل فريدون عباسي، لتؤكد أن المعركة الاستخباراتية بين إيران وخصومها تزداد عنفًا، حيث إن استهداف العلماء الإيرانيين يعتبر جزءًا من التسخين السياسي والعسكري في موضوع الملف النووي الإيراني. وإذا كان حادث اعتيال محمدي، لايزال حتى هذه اللحظة مغلفًا بالغموض، إلا اغتيال العالم النووي الإيراني "مجيد شهرياري، لا يقل إثارة وغموضًا عنه، حيث وقع الاغتيال فى ال29 نوفمبر العام الماضي، وأشارت إيران على الفور بأصباع الاتهام إلى إسرائيل وأمريكا وعملائهما بتنفيذ عملية الاغتيال. اغتيال مجيد شرياري، تواكب مع محاولة اغتيال زميله العالم النووي فريدون عباسي، حيث أصيب الأخير في تفجير منفصل وقع بفارق زمني بسيط مع الانفجار الذى أودى بحياة شرياري، حيث قامت عناصر إرهابية مجهولة بتفخيخ سيارة مجيد شهرياري الذي كان متوجهًا الى جامعة الشهيد بمنطقة هشتي بالعاصمة الإيرانيةطهران، فيما أصيب الثاني فريدون عباسي بالطريق ذاته، وتم نقله وزوجته التى كانت بصحبته وقتها إلى المستشفى لتلقي العلاج. وفى إطار سلسلة التصفية الجسدية لبرنامج طهران النووي، حمل العام 2007 علامة فارقة فى تاريخ اغتيال علماء إيران النوويين، حيث تم اغتيال أردشير حسن بور عالم في مجال الفيزياء النووية، بوضع السم له فى الطعام، حيث يعد أردشير من أبرز علماء إيران في الحقل العسكري، حيث كان يدير مركز الدراسات الكهرومغناطيسية النووية، الذي أسس في عام 2005 كما شارك في تأسيس مركز البحوث النووية في أصفهان. ولم تشر التقارير الإيرانية إلى المكان الذي توفي فيه أردشير أو كيفية إصابته بالتسمم. ولم تكن إيران بحاجة إلى دليل يؤكد أن الموساد وراء اغتياله، حيث أكد مصدر استخباراتي أمريكي أن الموساد الإسرائيلي من نفذ غتيال أردشير وأن لديه معلومات استخبارية قوية للغاية، تفيد بذلك، كما رجحت تقارير إخبارية بريطانية ذلك أيضًا. ومن الواضح أن الهدف من اغتيال علماء إيران النوويين، هو الخوف من تطوير إيران سلاح نووي يهدد أمن المنطقة بشكل عام، وإسرائيل على وجه الخصوص، وفى كل مرة يتم فيها اغتيال عالم نووى إيرانى تتوجه الأصابع الاتهام الإيران نحو أمريكا وإسرائيل، الدولتين الأكثر إصرارًا على وقف برنامج طهران النووي، حيث فى قتل علماء هذا البرنامج بديل طبيعى للضربات العسكرية التي قد توجه لها مباشرة.