تحتفل مصر اليوم السبت بالذكرى 59 على ثورة 23 يوليو 1952. ذلك الحدث التاريخي الذي يعد علامة تاريخية فارقة فى عمر مصر.. ويأتى احتفال هذا العام عقب نجاح ثورة 25 يناير، التي قضت علي الظلم والفساد على نحو يجعل من ثورة يناير امتدادا لثورة 23 يوليو كما يرى الكثيرون. رغم تعالى بعض الأصوات التى توجه سهام النقد لثورة يوليو باعتبارها لم تحقق الأهداف الوطنية التى من أجلها قامت وتعثرها فى الوصول بمصر إلى المكانة التى تليق بها فلا هى قضت على الإقطاع والاحتكار وسيطرة رأس المال ولا أقامت العدالة الاجتماعية المنشودة بل وفشلت فى إقامة حياة ديمقراطية صحيحة، تبقى ثورة 23 يوليو علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، حيث تندرج ضمن الثورات العظيمة فى تاريخ الشعوب بالنظر الى ما أحدثته من تغييرات جذرية فى المجتمع المصري ونظامه السياسي والاقتصادي. فى هذا اليوم قبل 59 عاما أفاقت مصر على البيان الأول للضباط الأحرار الذين أقسموا على تخليص مصر وشعبها من نيران الظلم والاستعباد وانعدام العدالة الاجتماعية واتساع الفجوة بين طبقاته وسيطرة حفنة قليلة من كبار الإقطاعيين على الأرض فكانوا يملكون الأرض ومن عليها واقتصر التعليم على الأغنياء في ظل نظام فاسد يتولاه ملك ضعيف وحاشية فاسدة أضعفا مصر وجاءت ثورة يوليو لتحمل الخلاص إلى مصر من عصور الظلام وتشكل حدا فاصلا فى تاريخها الحديث. على الصعيد السياسى ساهمت ثورة يوليو فى تحرير مصر من براثن الاستعمار الأجنبى، وأجبرت الملك فاروق على التنازل عن الحكم وألغت النظام الملكى، وأقامت نظاما جمهوريا، وللمرة الأولى منذ قرون يحكم مصر ابن من أبنائها هو اللواء محمد نجيب، كما حطمت ثورة يوليو الأغلال التى كانت تقيد مصر فى لعب الدور الذى يليق بها فى رسم سياسات المنطقة العربية، وباتت مصر انطلاقا من ثورة يوليو رمزا للكفاح ضد المحتل فى أى مكان بالعالم، وشكلت قاعدة لدعم حركات التحرر الوطنى فى كل من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. عربيا ساعدت مصر اليمن في ثورته ضد المحتل حتى النصر، وإعلان الجمهورية وساندت الشعب الليبي في ثورته ضد الاحتلال ودعمت حركات التحرر فى المغرب العربى بتونس والجزائر والمغرب حتى نالت الاستقلال، كما تبنت قضية فلسطين ودعمت الفصائل الفلسطينية وساعدتها بالمال والسلاح، فضلا عن فضح الممارسات الإسرائيلية فى المحافل الدولية والتصدى لمخططاته فى تركيع عزائم الفلسطينيين ويحسب لثورة 23 يوليو، أنها وضعت حدا لمعاناة المصريين اقتصاديا واجتماعيا بعدما عاش المواطن المصرى أشد أنواع المعاناة من الظلم والفقر والطبقية، فمنذ اللحظة الأولى لنجاح الثورة أعلنت عن توجهها الاجتماعى ولم يكن قانون الملكية الذى صدر فى سبتمبر عام 1952 – بعد شهرين فقط من نجاح الثورة- إلا بداية لخطوات أخرى تستهدف رفع المعاناة عن أبناء مصر فكانت البداية على طريق القضاء على الإقطاع وتأميم الصناعة والتجارة التى استأثر بها الأجانب. حررت ثورة يوليو الفلاح المصرى وأصدرت قانون الإصلاح الزراعي الذى مكن المصريين من تملك أرضهم بعد انتزاعها من الأجانب ويرفع الفلاح المصرى رأسه عاليا بعدما انكفأت فترات طويلة ويحصد للمرة الأولى ما يزرعه لنفسه لا لغيره. ولولا ثورة يوليو ما عادت قناة السويس بعدما ظلت أسيرة قرابة 100 عام ولما استفادت مصر من عوائدها التى مكنت مصر من بناء السد العالى أحد أهم إنجازات ثورة يوليو الذى مهد الطريق لصناعة مصرية حديثة ومتطورة فى الحديد والألومنيوم والأسمنت والغزل والنسيج والصناعات الحربية وغيرها. حرصت الثورة منذ اللحظة الأولى من إعلان الجمهورية على القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال من خلال قوانين يوليو الاشتراكية عامى 1961، و1964 لتأميم قطاعات واسعة من الاقتصاد المصرى فى المجالات الصناعية والتجارية والخدمية وإشراك العمال فى مجالس إدارتها، وكانت قرارات التأميم الصادرة هى حجر الزاوية فى تغيير النظام الاقتصادي ثم اتجهت الثورة بعد ذلك لتمصير البنوك الأجنبية لتكمل مهمتها فى النهضة باقتصاد البلاد. ويعد إقرار مبدأ مجانية التعليم أحد أهم إنجازات ثورة يوليو التاريخية التى لو لم يحسب لثورة يوليو سواها تكفيها، فقد تبنت مشروعا قوميا للقضاء على الأمية عبر زيادة الانفاق على التعليم والتوسع فى بناء المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز البحث العلمى ما شكل البداية الفعلية للقضاء على الطبقية فى المجتمع المصرى وتمكن المصريون من تعليم أبنائهم بعد سنوات من الحرمان كان التعليم فيها مقصورا على أبناء الأغنياء فقط وأصبح أبناء الفقراء قضاة وأساتذة جامعة وسفراء ووزراء وأطباء ومحامين فكانت البداية الحقيقية لتغيير البنية الاجتماعية للمجتمع المصري وتغيير حاضر مصر ومستقبلها.