عفاف السيد زيدان باحثة مصرية ذهبت إلى أفغانستان في بعثة لدراسة الدكتوراه في اللغة الفارسية وآدابها، ومكثت في هذه البلاد من عام 1968 وحتى عام 1971،إلا أنها مؤخرا اختزلت تجربتها المهنية في كتاب جديد من توزيع مؤسسة الأهرام. الكتاب محاولة من الكاتبة أن تضع بين يدي القارئ ملامح شعب و أخلاق أمة عرفتها بالمعايشة بعيدا عن شاشات الأخبار، على حد تعبيرها، فضلا عن نبذة تاريخية عن جغرافية البلاد ومركزية موقعها والفتح الإسلامي لها. زيدان كانت تقطن في فيلا أنيقة خلف جامعة كابل مع عائلة أفغانية ارتبطت بها ارتباطا وثيقا، وروت في كتابها كثيرا عن استمتاعها بالأسفار إلى جميع جهات أفغانستان وقراءة آثارها الخالدة، ومدنها القديمة، التي أسهمت في بناء الحضارة الإسلامية العظيمة. وقدّر لمؤلفة الكتاب أن تزور أفغانستان مرتين بعد ذلك، الأولى في 2003 والثانية عام 2013، لتجد أن أفغانستان التي عشقتها لم تعد هي أفغانستان،الهدم والتخريب أكبر من أن تصفه الكلمات. حتى أنها لم تر الأسرة التي كانت تعيش معها، أما الفيلا فقد أزيلت من على سطح الأرض؛ لأن الميدان الهادئ الذي كان يؤويها تحوّل إلى ساحة معارك حربية، حتى أن آثار الحرب باتت واضحة على الجامعة و مبانيها. أول فصول الكتاب "الطريق إلى أفغانستان" استهلته الكاتبة بشرح كلمة أفغانستان، تلك الكلمة الفارسية المكونة من مقطعين "أفغان" و"ستان"، الأولى تعني الأفغان، والثانية بلاد، أي أن هذا الاسم يعني بالعربية بلاد الأفغان. وأفغانستان دولة لها طبيعة جغرافية مختلفة عن سائر دول العالم؛ فمدنها إما أن تكون منحوتة في سفوح الجبال، أو فوق قممها، أو في القلب منها. وهي أيضا بلاد الأنهار؛ ففي أراضيها يجري 24 نهرا، كما كانت العاصمة كابل على مر التاريخ سوقا رائجة للبيع و الشراء، إذ كانت تجتمع فيها بضائع الهند والصين وإيران وغيرها من الأسواق الخارجية، وذلك لأن "كابل" مدينة أزلية يعود عمرها لما قبل عام 770 قبل الميلاد. الشعب الأفغاني _ بحسب الكتاب _ شديد الذكاء في تعلم الحرف و إجادتها، و يمتاز بالدقة الشديدة والأمانة، والصانع هناك إذا ما اتقن حرفته يطلق عليه "خليفة" أي "أستاذ". وتعد صناعة السجاد اليدوي من أشهر الحرف التي يشتهر فيها الأفغان بدقة الصنع ومزج الألوان وجودة النسيج، ويعد السجاد الأفغاني من المقتنيات العظيمة التي تدل على الغنى و الثروة، لذلك يحافظ عليه الأفغان جيدا. ولأن أنواع الأطعمة و طريقة تقديمها و تناولها مرآة للشعوب؛ فإن المأكولات الأفغانية دليل على تواضع وبساطة هذا الشعب؛ فما تأكله في منازل الكبراء هو ذاته الذي يقدم إليك في منازل البسطاء. وللمطبخ الأفغاني خصوصيته التي تميزه عن غيره؛ كونه نابعا من بيئته ومتأثرا بتنوع الأعراق والأجناس التي تضمها البيئة الأفغانية، من أصول فارسية وتركمانية وأزبكية وعربية. وتمتلئ غابات بلاد الأفغان بشتى أنواع المكسرات، لذلك فهي مكون أساسي في الطعام الأفغاني، كما تجود الأرض الأفغانية بشتى أنواع الفاكهة التي تقدم بعد الوجبات الرئيسة مع الحلوى التي تشتهر بها هذه البلاد منذ فجر التاريخ؛ إذ كانت الفاكهة والحلويات تسافر من خراسان إلى بلاط الخلفاء العباسيين في بغداد. ثم تطرق الكتاب إلى الآثار التاريخية التي تعج بها بلاد الأفغان، ويعد متحف "كابل"، الواقع في "دار الأمان"، أشهر ضواحي العاصمة، أحد أهم المعالم السياحية التي تضمها أفغانستان. بناء المتحف جاء على الطراز الإسلامي الممتزج بفنون الأفغان، التي تميزها الفسيفساء والقيشاني الأزرق والأخشاب المنحوتة ببراعة ودقة لتضفي على البناء جمالا وبهاء. أما المتحف ذاته فمكون من قاعات كبيرة كل منها مقسمة بشكل فني يبرز جمال القطع المعروضة فيها وقيمتها، تشمل القاعة الأولى الآثار التي كانت في أفغانستان قبل الإسلام وتضم تماثيل عاجية وفضية وذهبية مطعمة بالأحجار الكريمة. وفي قاعة أخرى عرضت كل المنسوجات التي عثرت عليها بعثات الكشف والتنقيب في مختلف المدن الأفغانية،أما القاعات الأخرى فتضم الآثار الإسلامية، ومنها مصاحف مكتوبة بماء الذهب بطريقة زخرفية فريدة، فضلا عن مصحفي الصحابيين الجليلين علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان. ثم روت الكاتبة الكثير عن العادات الاجتماعية لدى الشعب الأفغاني، بخاصة تلك المرتبطة بشهر رمضان المبارك في البلد الذي تقطنه غالبية مسلمة سنية بنسبة 99%، ففي رمضان يتسابق الأفغان في دعوة المحتاجين لموائدهم، ومنهم من كان يرسل لهم الطعام إلى أماكنهم. فضلا عن فرق الإنشاد الديني التي كانت تسير في شوارع كابل بعد الإفطار تشدو بقصائد دينية عن شهر رمضان و فوائد الصوم. ومن الاحتفالات الإسلامية التي حضرتها الكاتبة هناك الاحتفال بليلة النصف من شعبان والمولد النبوي الشريف، و فيها تقام الولائم و تصنع الحلويات و يتبادل الناس الأطعمة. الغريب في الأمر أن الكاتبة وجدت أهل أفغانستان، المعروف عنهم سلامة الفطرة والطيبة الشديدة، تعايشوا مع القنابل وطلقات الرصاص وقذائف الصواريخ المنهمرة عليهم يوميا من كل اتجاه، لدرجة أن مشاهدة الجثث في الشوارع والمصابين على الأرصفة، بات أمرا طبيعيا للغاية. وذيلت الكاتبة غلاف مطبوعها الجديد بسؤال عن: من ذا الذي يستطيع أن ينقذ هذا الشعب المبتلى بالأعداء الطامعين في هذا البلد الإسلامي؟ وماذا عساه أن يفعل؟ لكنها سرعان ما بادرت بالإجابة أيضا: "ليس لها من دون الله كاشفة".