تظل حياة الكاتب والمسرحي علي سالم، الذي رحل عن عالمنا ظهر اليوم الثلاثاء، عن عمر يناهز 79 عامًا، سلسلة من الجدل، لا تكاد تنتهي حلقاتها برحيله. مسرحية "ولا العفاريت الزرق"، هى من أوائل ما سطر سالم، ليشق طريقه في عالم الفن، الذي يعتبره طريقًا متعرجًا وملتويًا ليست له خرائط معروفة، وأنه من الممكن أن يمشي فيها الإنسان حسن النية فيتوه إلى الأبد، بحد قوله. وكواليس "ولا العفاريت الزرق" شهدت جدلًا قبل إخراجها، وكانت تدور حول عفريت يشعر بالاستياء لأن البشر يشيعون عنهم أكاذيب كثيرة، ولذلك قرر النزول إلى الأرض حيث البشر لعمل علاقة تعاون بين البشر والعفاريت. المسرحية لاقت قبولًا من المخرج جلال الشرقاوي، العائد حديثًا آنذاك من فرنسا، وقام بإخراجها، لتصبح أولى إبداعات علي سالم، بعد مسرحية "الناس اللي في السما الثامنة"، التي لم تحقق نجاحًا مشهودًا، من بطولة نجوى فؤاد، ومحمد عوض، وسمير صبري، ومحمد رضا، وجمال إسماعيل، والسيد راضي. ولم تكتسب مسرحية "حدث في عزبة الورد" عنوانها الجديد بعد أن كانت "عابدين كومبلكس"، وحسب، بل اكتسبت أيضًا إعادة في الصياغة وتعديلات، بعد توبيخ ونقد لاذع من الناقد رجاء النقاش، ل"سالم"، حين قال له: أنت تحاول تقليد ما هو سائد في السوق، تحاول تقليد كل ما هو سخيف في الكوميديا. إذا كنت ستستمر على هذا المنوال فأنا أنصحك بألا تأتيني مرة أخرى.. اذهب وأعد النظر في هذا النص، هناك بالفعل مناطق جيدة فيه.. لديك بالفعل أحيانا جملة حوار مسرحية جيدة.. عندما تجد أنك كتبت شيئا جيدا تعالَ لي. وقد اعترف سالم في إحدى مقالاته، برداءة المسرحية بالفعل، ووصفها ب" أكثر النصوص المسرحية رداءة على مر العصور"، مبررًا ذلك بأن جزء الناقد في عقله والخاص بمراجعة ما يكتبه قد بدأ في الدوران بعد. ومن ثم يقدمها ثلاثي أضواء المسرح جورج سيدهم وسمير غانم والضيف أحمد، بعد بروفات 9 أيام فقط، واستمر العرض 4 أشهر في سابقة من نوعها في وقتها. ورغم رصيده الذي وصل إلى 27 مسرحية، ما بين الكوميديا والسياسة، فإن مسرحية "مدرسة المشاغبين" هى أكثر المسرحيات التي أكسبته شهرة، وأثرت على أعماله الأخرى، بحد رأيه، والمسرحية من بطولة سعيد صالح، عادل إمام، يونس شلبي، أحمد زكي، حسن مصطفى، سهير البابلي، هادي الجيار. لاقت المسرحية نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وهجومًا أيضًا، فقد رأى بعض التربويين والنقاد أن المسرحية على المستوي التربوي رسخت لبعض المفاهيم السلبية تجاه القيم الأخلاقية، وأدت إلى انحلال المجتمع وتبجح الطلاب أمام أساتذتهم، بخاصة أن المسرحية تدور حول خمسة من الطلبة المشاغبين، يجمعهم فصل واحد داخل مدرسة لا يستطيع مديرها السيطرة على شغبهم. والرأي الآخر، وله وجاهته أيضا، أن المسرحية لا تبتدع سلوكيات في المجتمع، وإنما رصدت ما حدث، وحسب. ورأى سالم أن "مدرسة المشاغبين" كانت شماعة لتعليق التهم والسلبيات في التعليم في مرحلة ما، لكنها انتهت الآن، موضحا أن أبطال المسرحية كانوا يقومون بأعمال مجنونة وليست إجرامية، وقال: "إذا أفسدت مسرحية مجتمعًا يبقى مفيش مانع نعمل له ثلاث مسرحيات يصلحوه". وكان يتمنى سالم لو أن يحصل على أي تكريم من الدولة إثر نجاح "مدرسة المشاغبين"، التي تُعرض حتى الآن على شاشات التليفزيون. محطات سالم الجدلية لا تنتهي، أبرزها علاقته ب"إسرائيل"، وقد سقط أخوه شهيدًا في حرب 1948، أما سالم فقد أيد مبادرة الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حين ألقى خطابًا أمام الكنيست الإسرائيلي في 20 نوفمبر 1977. وشدد في هذا الخطاب على أن فكرة السلام بينه وبين إسرائيل ليست جديدة، وأنه يستهدف السلام الشامل، داعيًا بيجن لزيارة مصر. أيّد سالم معاهدة "كامب ديفيد" في 17 سبتمبر 1978 بين الرئيس المصري محمد أنور السادات ورئيس وزراء إسرائيل مناحيم بيجن، بإشراف الولاياتالمتحدةالأمريكية، ممثلة في جيمي كارتر، وفي أحد حواراته التليفزيونية أكد أن إسرائيل لا تمثل أي تهديد على الأمن القومي المصري، وتمنى لو أن القيادة السياسية في مصر لا تخجل من السلام مع إسرائيل في "كامب ديفيد". وفى نهاية عام 1993، وبعد إعلان اتفاقية أوسلو مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين أعلن علي سالم أنه يفكر فى زيارة إسرائيل بسيارته لتأليف كتاب يجيب عن سؤالين: "من هم هؤلاء القوم؟ وماذا يفعلون؟ وصدر له كتاب بعنوان: رحلة إلى إسرائيل"، سرد فيه أحداث رحلته، ودوّن تجربته مع الإسرائيليين، وترجم الكتاب فيما بعد للعبرية والإنجليزية. وبحسب موقع "ويكبيديا"، حصل سالم في يونيو 2005، من جامعة بن غوريون في النقب، الواقعة في مدينة بئر السبع جنوبي إسرائيل، على منحة دكتوراه فخرية، ومنعته السلطات المصرية من الخروج من مصر لحضور الحفل في بئر السبع، دون أن تعلن السبب لذلك. حاول سالم أن يفتت الصورة الذهنية عند العرب لدى "إسرائيل"، ويرسخ أن "إسرائيل" باتت أمرًا واقعًا، على العرب أن يقبلوها، ويتعايشوا معها، ويطرحوا الكره والعنف جانبًا، لإفشاء السلام في المنطقة، بخاصة أن هناك فرقا بين الحكومات والشعب، فحكومة إسرائيل لا تمثل الشعب الإسرائيلي بشكل كبير، بحد طرحه. لم يخترع سالم أو يبتكر وينظر لعلاقة غير موجودة بالأساس، وإنما حاول أن يزج الشعب إلى تقبل الواقع الإسرائيلي، خصوصًا أن الدولة المصرية تحتضن السفارة الإسرائيلية في أحد شوارع القاهرة، ولدى مصر سفير بإسرائيل، وفق رؤيته. وبجانب الهجوم الذي شنه البعض على "سالم"، اتخذ الهجوم شكلًا نقابيًا، فقرر اتحاد الكتاب فصله من عضوية الاتحاد بسبب إصراره على التطبيع مع العدو الإسرائيلى ومواصلة أنشطته ضمن الجماعات التى تدعو لإقامة علاقات سلام معه، مخترقا بذلك القرار الذى اتخذه الاتحاد عام 1995 بوقف التعامل مع الكيان الصهيونى، بحد رؤيتهم. جاء قرار الفصل بعد أن تقدم عدد كبير من أعضاء الاتحاد بشكاوى بسبب علاقة علي سالم مع إسرائيل وتأييده المستمر للتطبيع معها، ونشره كتابا عن زيارته لها تحت عنوان "رحلة إلى إسرائيل". ومُنذ زيارته إلى إسرائيل، عانى "علي سالم" مقاطعة لأعماله من قِبل الدولة والمثقفين، وبحسب حوار أجرته معه "جريدة الشرق الأوسط"، ردًا على قضائه لحياته تلك الأيام، قال: أشغل نفسي بكتابات صحافية، رغم عدم سعادتي بذلك. فأنا كاتب درامي أولا، وهذا يسعدني أكثر من أي عمل آخر، ولي أعمال درامية لم تر النور حتى الآن، من بينها مسرحيتان من فصل واحد، ومسرحيتان طويلتان. ومنذ 4 سنوات قدم مسرحيتين للمسرح القومي هما "رجلان وامرأتان"، و"كابوس الكومبارس"، لكنه لم يتلقَ أي رد عليهما حتى الآن رغم موافقة رقابة المسرح على النصين، كما أن نشاطه في إصدار الكتب لم يتوقف على الرغم من حالة العزلة التي حاول البعض فرضها عليه، فأصدر "أقوى الضحكات" الذي يضم اعماله القديمة الفكاهية، وصدر له في مارس الماضي "كلمات للضحك والحرية". ورغم أن آراء على سالم السياسية عن إسرائيل، بمعزل عن أعماله الكتابية بكل أشكالها، فإنه لم ينجُ من خلطهما، ليكونا مزيجًا واحدًا، تتسيده آراء التطبيع مع إسرائيل، وتشكّل مصدر إدانة واتهام وتهمييش أيضًا طيلة الوقت. وبرر ذلك الخلط وتهميش أعماله بقوله: "الأمر كله مجرد تصفية حسابات إبداعية لا أكثر ولا أقل. أنا موجود وأعمالي كذلك، أما أن يصل الأمر إلى حد أن يمنع مجموعة من الهواة أعمالي من التقديم، فهذا يعني وجود جهات تتعمد إيذائي". وأخيرًا، رغم ما عاناه "سالم" جرّاء تصريحاته وزيارته إلى إسرائيل فإنه لم يندم، ويؤكد ذلك قوله: "أنا مارست دوري كمثقف مسئول، وأشك كثيرا في أن الذي يمنع إبداع علي سالم، يمكن أن يحتفظ بشيء آخر له أهمية. هذه نرجسية، والذى يفرط في منع إبداع مبدع، لا تصدقوا أن لديه شيئاً مهماً يستطيع التعبير عنه". لمزيد من التفاصيل إقرأ أيضًا :