يرى الفيلسوف الفرنسي الشهير بورديار أن الإرهابيين الذين يقاتلون أمريكا بدوافع دينية لديهم سلاح رمزي يفوق القدرة العسكرية الأمريكية في تأثيره. ويعطي بورديار في كتابه " روح الإرهاب " الذي ظهرت الترجمةالعربية منه هذا الأسبوع ضمن إصدارات مكتبة الأسرة بترجمة السوري بدر الدين عرودكي مساحة كبيرة لأسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة ومن المفارقات اللافتة أن القارئ المصري سيطالع رؤية بودريار في الأسبوع نفسه، الذي تواكب ومقتل بن لادن وفي الكتاب الكثير من الأفكار التي يمكن قراءتها كنبؤات أو توقعات تحققت بالفعل. والكتاب مكرس بالكامل لقراءة ما جرى في 11 سبتمبر من العام 2001 . وقد مثل صدوره صدمة في الأوساط الغربية قبل نحو 4 أعوام، إذ أكد بودريار أن الأعمال الإرهابية لن تتوقف ، لأنها مرآة لعنف منظم كما أنها نموذج رمزي لعنف له موته الخاص . المعروف أن بودريار أحد أهم الفلاسفة المعاصرين في فرنسا ومن أبرز مؤلفاته : وهم النهاية ، مؤامرة الفن ، مجتمع الاستهلاك الأساطير والبني وقد توفي في العام 2007 . وبحسب بورديار فإن كل شيء لدي الإرهابي يقوم علي الموت ولكنه موت رمزي، ففي الوقت الذي يجعل الإرهابي من موته سلاحاً مطلقاً يقوم النظام علي استبعاد فكرة الموت، فالإرهابي يتمني الموت بنفس القدر الذي يتمني به الأمريكيون الحياة. وإذا كان الجانبان يمتلكان السلاح إلا أن الاختلاف الجذري يكمن في أن الإرهابيين مع امتلاكهم للسلاح المتطور يمتلكون السلاح الحاسم وهو موتهم وهذا السلاح الرمزي يضاعف الطاقة المدمرة إلي ما لا نهاية وينقل الصراع إلي مجال رمزي حيث لا يكمن النجاح في قتل أكبر عدد من البشر ولكن في رمزية الموت. وتقوم رؤية بودريار التي ستثير شغف القراء اليوم وهم يتابعون ردود الأفعال العالمية على مقتل أسامة بن لادن على فكرة جوهرية ترى أن الإرهابيين أذلوا أمريكا وكل ضروب الانتقام التي قامت بها الولاياتالمتحدة ليست إلا أداة إضرار مادي في حين أن أمريكا هزمت رمزياً مع سقوط البرجين. ومن ناحية أخرى فإن ظهور بن لادن على الساحة العالمية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 أعطى دليلا على أن ما يجري بين الغرب والإسلام ليس إلا نوعا من الحرب تلازم كل نظام عالمي مهيمن ولو كان الإسلام هو من يسيطر لوقف الإرهاب ضده. ويشدد بورديار أننا أمام حرب عالمية رابعة وهي الوحيدة التي تستحق صفة العالمية فموضوعها هو العولمة، هي حرب ضد النظام العالمي الجديد الذي بلغ نهايته في صراع مع القوي المتخاصمة والمنتشرة في كل مكان في قلب هذا النظام. والمعروف أن بورديار كتب مقالا شهيرا في صحيفة اللوموند صادما عقب 11 سبمتبر بعنوان "روح الإرهاب" قال فيه: لقد حلمنا بهذا الحدث، كلنا دون استثناء فلا يمكن لأحد ألا يحلم بتدمير أي قوة صارت علي هذه الدرجة من الهيمنة.. وبمعني ما هم الذين فعلوه لكننا نحن الذين أردناه. وإن لم نأخذ هذا بعين الاعتبار يفقد الحدث كل بعد رمزي ويصير مجرد حادث". وقد مثلت تلك الفقرة وغيرها في المقال صدمة للوعي الأخلاقي الغربي الذي هاله أن يضع بودريار أمامه مثل تلك الحقيقة فعلي الرغم من نفور الضمير الأخلاقي الغربي منها إلا أن الولاياتالمتحدة كانت قد وصلت إلي حد بعيد في الهيمنة والقوة وهو ما أغري بتدميرها وعنف تلك الرغبة التي يكشف عنها بودريار يتساوي لديه مع عنف الخطابات الغربية التي تريد أن تمحوها وتهرب منها. في اعتقاد بورديار أن وسائل الإعلام بمعنى ما ساعدت الإرهاب فقد أصبحت بالأدوار التي تؤديها جزءاً من تأليف الحدث وجزءا من الرعب المحيط به بإضفائها عليه سحراً خاصاً هو سحر التفجير.. القادم من سحر الصورة، فالإرهابيون استغلوا البث الفوري للصور وضاعفوا تأثير الحدث إلي مالا نهاية، فكل صورة تعرض هي تكاثر وإعادة إنتاج للحدث لدي الملايين الذي يشاهدون الحدث في لحظة حدوثه وفي الوقت الذي من المفترض فيه أن تدين الصورة الحدث فهي تمجده بمضاعفته فالصورة تستهلك الحدث وتدفع به للاستهلاك إنها تعطيه تأثيراً جديداً بأن تجعل منه الصورة-الحدث فالبث لم يكن للصورة فقط ولكن للصورة وللحدث فأضيف لعنف الواقع قشعريرة الصورة. يبالغ بودريار في تحليلاته أحياناً بحيث لا تتطابق مع الواقع ولكن الواقع لدي بودريار هو مبدأ وهذا هو بالضبط الذي ضاع حين استهلكت الصورة الحدث وامتصته ولم يعد ممكناً فصل الواقع عن الخيال وأصبح كل منهما يتباري في أن يكون أكثر استعصاء علي التصور.